يُصنِّفون البشر تبعاً لإنجازاتهم وأعمالهم العظيمة، يُوزّعون كؤوس التفوُّق على الناجحين ويُعيرون الآخرين بالفشل، يتحدّثون طويلاً عن القرارات السليمة التي اتّخذوها، نادرٌ هو مَن يفخر بأخطائه كما يفخر بإنجازاته، قلّةٌ مَن تتعامل معَ الخطأ على أساس أنّه سلوك واقعيّ لا يترفّع عنه بشريّ أبداً، وأنّ الامتياز الحقيقيَّ الذي يُفرّق بين الناس هو نوعيّة الخطأ وطريقة التعامل معه لا إنكاره، اليوم تعالوا لنرى أنفسنا نحن البشر في المرآة الحقيقيّة العاكسة لوجوهنا البشريّة المثقلة بالخطأ، تعالوا لنرمي أحمال المثاليّة المصطنعة، تعالوا لنعيد تعريف أنفسنا بـ «الخطّائين»، ولسنا جميعاً تحت هذا التعريف سواء.
فهناك الخطّاء المُعاند، تمنعه الأنَفة من الاعتراف بالخطأ، فلا يرجع عن دروب التهلكة التي اختارَها حتّى وإنْ قادته إلى الهاوية.
وهناك محترف الخطأ المُدلّل، يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره، فقد اعتادَ منذ صغره أنْ يملأ الدنيا فوضى، معتمداً على غيره في الترتيب والتنظيف، آثاره المُدمّرة قد تطال أقرب الناس إليه، مُتحجِّجاً بالقرابة أو العشرة، هو الأنانيُّ الذي اعتاد ألّا يتوانى عن تدمير حيوات المُحيطين به، ثمّ يلجأ إليهم أنفسهم إنْ تقطّعتْ به سبل النجاة.
وهناك مَن يظنُّ أنّه مُنزّهٌ عن الخطأ، يجلس على كرسيٍّ عاجيٍّ من الوهم، مترفّع عن الباقين، فيُراقب هذا ويتصيّد الزلّة لذاك، ويرمي غيرَه بحجارة التُّهم، ويُصدر أحكامه الظالمة، يجمع حوله بعض المخدوعين، لكنّه لا يُدرك أنّ عمره قصير، فالأقنعة مهما طالت تزول، وسرعان ما تتهدّم حصونه الهشّة معَ أوّل خطأ يظهر للعيان.
أمّا أفضل الخطّائين فهو الذي وهَبَه الله بصيرة التمييز، فيُدرك أخطاءَه ويتراجعُ قبل فوات الأوان، وحتّى وإنْ كانَ خطؤه في مقتل، كأنْ يكون قراراً مصيريّاً يبني عليه حياته المستقبليّة، فهو وحده مَن يُسدِّد فاتورة قلّة وعيه وإدراكه، ويعيش راضياً بحكمته، بل يجعلُ مِن تجرِبته درساً مُعلناً، ومِن عتمة حياته نوراً يُضئ به حيوات الآخرين.