الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

ماذا بعد زلزال «فيسبوك»؟

ماذا بعد زلزال
 «فيسبوك»؟
فيما يشبه الزلزال في عالم الأعمال والتكنولوجيا، أظهرت نتائج أعمال شركة «ميتا» المعروفة سابقاً باسم «فيسبوك»، أن العدد الإجمالي لمستخدمي منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة، شهدت انخفاضاً للمرة الأولى منذ ظهورها على شبكة الإنترنت قبل 17 عاماً، ويأتي هذا الانخفاض بعد أن شهدت المنصة صعوداً مستمراً لا يتوقف- بدرجات مختلفة- منذ انطلاقها.

وأكدت الأرقام التي تم الكشف عنها في تقرير الأرباح الفصلية لشركة «ميتا»، أنه في الربع الأخير من العام الماضي، 2021، خسر «فيسبوك» نحو نصف مليون مستخدم يومي على مستوى العالم مقارنة بالربع السابق. وقد لا تبدو هذه الأرقام كبيرة أو مؤثرة مقارنة بإجمالي المستخدمين النشطين يومياً، الذين لا يقل عددهم عن 1.93 مليار مستخدم، لكنه يمثل نقطة انخفاض لشركة تعتمد بالأساس على المقاييس، والتي نمت قاعدة مستخدميها منذ فترة طويلة بوتيرة سريعة عبر تطبيقاتها المختلفة.

ضغوط وشكوك



وتظهر الأرقام، كيف تكافح شركة «ميتا» للبقاء على اتصال بالأجيال الأصغر سناً، خاصة أن الكثير منهم ينجذبون إلى التطبيقات المنافسة مثل «تيك توك»، وهو الأمر الذي يضع المزيد من الضغوط والشكوك حول رهان «ميتا» الكبير على عالم ميتافيرس الافتراضي، والذي يرى مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي للشركة أنه سيكون مستقبل الإنترنت للعمل والترفيه حرفياً، ومن المهم للغاية أن ينخرط الشباب في هذا العالم.

رد عنيف



كان رد الأسواق على تقرير نتائج الأعمال فورياً وعنيفاً، حيث تعرضت أسهم الشركة إلى خسائر ملحوظة، بلغت 230 مليار دولار في جلسة واحدة، وهو أقوى تراجع يومي على الإطلاق في أسهم الشركة بهبوط تجاوز 26% من قيمة السهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع ثروة مارك زوكربيرج بنحو 30 مليار دولار، مع تزايد المخاوف نحو مستقبل الشركة.

ورغم ذلك لم تكن الأرقام مفاجئة، حيث إنه من المعروف منذ فترة طويلة، أن نمو قاعدة المستخدمين على تطبيق «فيسبوك» كان في حالة ركود، ويعود هذا الأمر في جزء منه إلى تقدم سن الغالبية من قاعدة مستخدميه، كما أنه لم يعد يدخل إلى دول أو أسواق جديدة تجذب المزيد من المستخدمين، فعندما ظهرت المنصة للمرة الأولى كانت متاحة في الولايات المتحدة فقط، ولكنه منذ ذلك الحين امتد ليشمل كل دولة في العالم تقريباً باستثناء حالات نادرة مثل الصين التي حظرت استخدام التطبيق، وشهد العام الماضي أول انخفاض لنمو المستخدمين في الولايات المتحدة على وجه التحديد، ولكن هذه المرة الأولى التي تنخفض فيها قاعدة المستخدمين اليومية العالمية.

تغيير الاستراتيجية



هذا التحول يعني أنه من المهم أكثر من أي وقت مضي أن تغير «ميتا» استراتيجيتها من أجل الحفاظ على قدرتها على جذب المستخدمين الجدد، ولكي تفعل ذلك، قالت «ميتا» إن تستثمر أكثر في مجال إنتاج مقاطع الفيديو القصيرة Reels، وهو الأمر الذي يعني إعادة استنساخ خصائص تطبيق «تيك توك»، ولكن الاستثمار الأضخم والأكبر هو في بناء قدرات الواقع الافتراضي والمعزز وغيرها من التقنيات المستقبلية التي تدعم الاتجاه إلى «ميتافيرس».

في اجتماع عرض النتائج، قال ديفيد فيرنر المدير المالي لشركة ميتا، إن هذا الانخفاض في نمو المستخدمين يعود جزئياً إلى ارتفاع المنافسة من التطبيقات الأخرى، وأشار فيرنر أيضاً إلى زيادة أسعار خدمات الاتصالات في الهند كسبب للتباطؤ، مؤكداً: «نعتقد أن الخدمات المنافسة تؤثر سلباً على النمو، ولا سيما مع الجمهور الأصغر سناً». ويقدر عدد مستخدمي فيسبوك في الهند بنحو 350 مليون مستخدم، وهي أكبر أسواقه عالمياً.

المنافس الأكبر

وفي وقت لاحق من الاجتماع، صرّح مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي للشركة باسم المنافس الأكبر، عندما أشار إلى تطبيق «تيك توك» بالاسم. وكانت شركة تيك توك قد أكدت أنها تمتلك مليار مستخدم اعتباراً من سبتمبر من العام الماضي، وأنه كان التطبيق الأكثر تنزيلاً في عام 2021 وفقاً لأرقام شركة تحليلات التطبيقات آبتوبيا.

وقال زوكربيرج: «الشيء الفريد أن تيك توك منافس حقيقي بحجم كبير، كما أنه يستمر في النمو بمعدل سريع للغاية وبقاعدة كبيرة جداً من المستخدمين، ولكني أعتقد أن المشاركة الشاملة سوف تستمر في النمو، ولهذا السبب نحن متفائلون بشأن المستقبل، ولكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به هنا».

الجمهور الحقيقي

وقبل الإعلان عن النتائج الصادمة أخيراً، لم يكن سراً أن قاعدة مستخدمي فيسبوك في الولايات المتحدة تتقدم في العمر، وهو الأمر الذي أكدته أبحاث شركات التسويق التي أوضحت أنه في حين ما يزال موقع فيسبوك أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شعبية وبفارق كبير عن الآخرين، إلا أنه يشهد الآن- بطريقة متزايدة- انخفاضاً في نشاط المستخدمين الأصغر سناً، وأن الاستمرار في نمو الموقع يأتي من المستخدمين الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً فما فوق.

ووفقاً لهذه التقارير، فإن فيسبوك، الذي ظهرت فكرته الأصلية في غرفة السكن الجامعي لمارك زوكربيرج، فقد مليونَي مستخدم تحت سن 24 في عام 2018، ومع ذلك استمر نمو الجمهور الأمريكي للمنصة الاجتماعية بزيادة طفيفة خلال أعوام 2017-2018 وذلك بفضل الفئات العمرية الأكبر سناً. فقدان الجمهور الأصغر سناً، يحدث أيضاً في مناطق مختلفة من العالم، في المملكة المتحدة على سبيل المثال، حيث فقدت المنصة ما مجموعه 700 ألف مستخدم تحت 24 عاماً، بينما انضم 500 ألف مستخدم جديد تزيد أعمارهم على 55 عاماً.

المنافسة الشرسة

ويرى الخبراء، أن تغير قاعدة مستخدمي فيسبوك الحالية، وبعيداً عن المنافسة الشرسة من التطبيقات الأخرى، تعود إلى سياسة الشركة نفسها مع التغيير الدائم في خوارزميات العمل، والتي تميل إلى تفضيل المستخدمين الأكبر سناً، الذين يستخدمون المنصة غالباً لمتابعة حياة وأخبار الأصدقاء والعائلة، وهو الأمر الذي أكده مارك زوكربيرج منذ عامين تقريباً عندما أعلن أن الشركة ستبدأ في تفضيل المزيد من مشاركات العائلة والأصدقاء في موجز الأخبار الذي يظهر لكل مستخدم مع تقليل منشورات المواقع الإخبارية والعلامات التجارية وأي محتوي «غير شخصي».

وربما يكون هذا الاتجاه الذي لا يضع الشباب في قلب عملية التغيير، معتمداً على أن الأجيال الأصغر سوف يجذبها إنستغرام، وهو التطبيق الذي تمتلكه أيضاً شركة «ميتا» والذي يشهد زيادة مستمرة في قاعدة المستخدمين، ولكن المشكلة أن إنستغرام نفسه يتعرض لمنافسة قوية للغاية من تطبيقات مثل «سناب شات» وغيرها، وهو ما يجعل رهان فيسبوك غير مضمون.

تقنيات العالم الافتراضي

وبالرغم من هذه الهزة العنيفة، فإن شركة «ميتا» تمضي بخطوات ثابتة في إنجاز تقنيات العالم الافتراضي الذي تعتبره إنترنت المستقبل، حيث كشف تقرير حديث لموقع «إنسايدر» المهتم بالتكنولوجيا أن الشركة حصلت في الأشهر القليلة الماضية على المئات من براءات الاختراعات التي تهدف لتعزيز واقعية العوالم الافتراضية. وعلى الرغم من أنه لا توجد أي ضمانات على أن الشركة ستعمل بالفعل على تطوير المنتجات التي حصلت على براءة اختراعها، فإن الخطوة نفسها تعطي إشارة واضحة عن اتجاهات الاستثمار داخل الشركة في المستقبل القريب.

ويرى الخبراء أن التحديات التي تواجه أفكار العالم الافتراضي «ميتافيرس» كثيرة ومتنوعة، وربما يكون أبرزها غياب الأدوات المريحة لدخول هذا العالم مثل أجهزة الرأس ونظارات الواقع المعزز وغيرها، بالإضافة إلى عدم وضوح الأشياء العملية التي يمكن أن يمارسها المستخدم داخل هذا العالم، إلا أن شركة «ميتا» تبدو مصممة على استكمال المشوار الذي ترى فيه فرصة لتحقيق أرباح هائلة خلال سنوات قليلة.

قيود الخصوصية

ومن بين الأفكار التي حصلت بها الشركة على براءة اختراع، قدرة المستخدم على التعامل مع الأشياء بواقعية في «ميتافيرس» وذلك في الوقت الحقيقي، بما في ذلك القدرة على تلمّس الأشياء ورميها بعيداً، والتفاعل مع العناصر الموجودة في العالم الافتراضي، ومنها أيضاً براءة اختراع لتكنولوجيا إنتاج الملابس الدقيقة والواقعية والتي يمكن أن تتجعد وتتسخ مع حركة الشخصيات الافتراضية، وهناك تقنية أخرى لصناعة شخصية افتراضية شبيهة بالشخص الحقيقي، بحيث تتواجد نسخة من الشخص نفسه في العالم الحقيقي والعالم الافتراضي.

ورغم ذلك، تبدو الشركة تحت ضغوط عنيفة، حيث أعلنت «ميتا» عن نمو أقل من المتوقع في الأرباح والإيرادات، وأرجعت السبب في ذلك- جزئياً- إلى التضخم العالمي وقيود الخصوصية فيما يتعلق بتتبع المستخدم، وهي القيود التي فرضتها شركة أبل وأدت إلى تحجيم قدرة ميتا على بيع الإعلانات. بالإضافة إلى ذلك تواجه الشركة أيضاً تدقيقاً مستمراً من المشرعين والحكومات في جميع أنحاء العالم بشأن المخاوف من انتهاك الخصوصية والقدرة على السيطرة على المحتوى المتطرف.