الأسبوع الماضي، كشفت شركة «أبل»، عملاق التكنولوجيا مجموعة من الخطط التي تؤكد استعدادها لدخول عالم «ميتافيرس» بقوة، وذلك على لسان «تيم كوك» الرئيس التنفيذي للشركة، والذي أكد أنهم يستعدون للتوسع في تطبيقات الواقع المعزز، وذلك بالإضافة إلي تقارير غير رسمية تشير إلى خطط تقديم سماعة رأس خاصة بتطبيقات الواقع المعزز هذا العام، على أن تتبعها نظارات ذكية مرتبطة بالواقع الافتراضي.
قبلها، استعرضت شركة مايكروسوفت الخطوط العريضة لعالمها الافتراضي الغامر، ونسختها من «ميتافيرس»، أمام 250 مليون مستخدم لبرنامجها «تيمز» للتواصل والاتصال، وبطبيعة الحال فإن هذه الإعلانات تأتي بعد تغيير شركة «فيس بوك» اسمها إلي «ميتا» وهو التغيير الذي يعكس تركيز منصة التواصل الاجتماعي علي العالم الافتراضي، ورؤيتها الخاصة لما يسمي العالم الافتراضي الغامر «ميتافيرس».
تقول الشركات إن المستخدم سيكون حرا في التنقل بين العوالم الافتراضية المختلفة التي تقدمها أي شركة، كما سيكون بمقدوره خلق حضوره الافتراضي من خلال إنشاء «أفاتار» يعكس شخصيته الحقيقية، أو حتى رسم كارتوني يمثله، وبالنسبة للموظفين في العالم الافتراضي فإن هذا الأمر سيعني إمكانية حضور الاجتماعات، أو التسكع مع الزملاء، أو حتى زيارة «التوأم الرقمي» في مكتبه أو مكان عمله الحقيقى.
ورغم هذه الصورة المتفائلة، لم يتم بعد الإعلان عن أي الأجزاء التقنية المهمة من هذه الرؤية التي تجعل تحقيق هذا الأمر ممكنا، أو عن الظروف المطلوبة التي سيسمح فيها عالم «ميتافيرس» بالوصول إلي «أفاتار» تم إنشاؤه في عالم يخص شركة أخرى.
وكخطوة أولي نحو عالم «ميتافيرس» قالت مايكروسوفت أن الصورة الرمزية للشخصية الحقيقية يمكن أن تظهر في الاجتماعات التي تتم من خلال تطبيق «تيمز» في النصف الأول من هذا العام، في حين توقع جاريد سباتارو رئيس «تيمز» أن مربعات المحادثات التقليدية ستمتليء في المستقبل بشخصيات كارتونية تتحدث وتتفاعل، ولن يشعر المستخدمين أن هناك شيئا غريبا يحدث.
وعلى عكس الخطوات التدريجية التي تقوم بها مايكروسوفت، تقفز «فيسبوك» مباشرة إلي الواقع الافتراضي، مع ظهور الإصدار التجريبي المفتوح من تطبيق «هوريزون وورك رومز» وهو تطبيق مجاني مصمم للسماح للموظفين بالتعاون في مكتب افتراضي من خلال استخدام سماعات «أوكولوس»، ومن خلاله يتم تمثيل المستخدم بأفاتار كارتوني يتعزز حضوره من خلال تقنية الصوت المكاني. ويسمع المستخدمون الجالسون في الغرفة الافتراضية ما يدور من محادثات وفقا للمكان الذي يجلسون فيه في مساحة العمل المشتركة الافتراضية.
يستخدم 250 مليون شخص تطبيقات «تيمز» مرة واحدة شهريا، مقارنة بـ 7 ملايين شخص يستخدمون تطبيقات فيس بوك المدفوعة لبرامج الاتصالات، ولذا فإن هذا التطبيق هو المكان المثالي لاختبار بيئة «ميتافيرس» الجديدة في مجال العمل، وقال «بيتر باريت» الذي يستثمر في تقنيات الواقع المعزز الجديدة، إن خلط الصور الرمزية الكارتونية «الأفاتار» مع الوجوه الحقيقية في الاجتماعات الافتراضية هو طريقة ذكية لبدء تفاعل المستخدمين مع النسخ الكارتونية من زملائهم.
ومع ذلك، يحذر بارت أنه لا يبدو واضحا علي وجه اليقين ما إذا كان الناس سيرحبون بالشكل الجديد من العمل الافتراضي، مؤكداً أن تكديس المزيد من أنواع التفاعلات الرقمية علي الموظفين بعد فترة وباء كورونا لن يكون بمقدوره أبدا تعويض ما تم فقدانه في التفاعلات البشرية، خاصة وأن الموظفين في أنحاء العالم يرغبون في أن «يكونوا مع أشخاص آخرين».
بالإضافة إلى ذلك يتوقع الكثير من الخبراء أن يجد معظم المستخدمين سماعات رأس الواقع الافتراضي والواقع المعزز غير مريحة، خاصة إذا كان المفترض ارتدائها لفترات طويلة، وهو الأمر الذي يعني أن تجربة العمل الافتراضية يجب أن تكون استثنائية للتغلب على عبء المعدات المفترض استخدامها.
سارة روبرتس، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، تقول لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن المستخدمين سيتفهمون أبعاد عالم «ميتا فيرس» إذا انجذب الموظفين إلي النسخة الافتراضية من المكتب الذي يتركوه وراءهم معظم اليوم، وأن هذا الأمر سيلغي الإحساس بالسيطرة على حياتهم العملية منذ بداية أزمة فيروس كورونا.
وعلى الرغم من المشاكل والعقبات المحتملة التي تواجه الناس في تبني طرق عمل جديدة، فإن شركات التكنولوجيا تستخدم موظفيها كوسيلة لتجربة تقنيات «ميتا فيرس» خاصة بعد عودة عدد منهم للعمل من المكتب. كما أن تلك الشركات التي تبني تقنيات «ميتا فيرس» فإن تطبيق التكنولوجيا في المكتب أولا له ميزة إضافية حيث أنه فرصة لإنشاء شخصية رقمية بديلة من المحتمل أن يستخدمها الناس في حياة العمل الأوسع.
ويقول أليك سكيبمان، المسؤول عن الذكاء الاصطناعي والواقع المختلط في «مايكروسوفت»، إن التنقل بين مختلف عوالم «ميتا فيرس» يشبه التبديل بين المواقع في عالم الإنترنت الحالي، ومع ذلك، وعلي عكس ما يحدث اليوم سوف يرغب المستخدمون من الاستفادة من «هوية رقمية» دائمة عبر مختلف الأجهزة الرقمية، حيث سيحتفظ الشخص بملكية رقمية موحدة مهما انتقل من واقع تخيلي إلى آخر.
وحتى قبل أن تنتشر تقنيات «ميتا فيرس» علي نطاق واسع، بدأت التحذيرات من قضايا الخصوصية، حيث قالت لجنة الاتصالات الفيدرالية أن فيس بوك كمكان من المحتمل أن ينشئ فيه العديد من الأشخاص هويات رقمية جديدة، فإن فيس بوك سوف تتمكن من استخدام هذه المعرفات الجديدة لتتبع البيانات الشخصية للمستخدمين حتي لو قاموا بالانتقال إلى «ميتا فيرس» أخرى. ويقول توم ويلر، الرئيس السابق لمعهد بروكينجز: «الشىء المهم في هذا الموضوع هو أن الأفاتار الشخصي لأي مستخدم يخلق معلومات رقمية تعتبر أحد الأصول ذات القيمة في القرن الحادي والعشرين، ويبقى السؤال: هل ستكون هذه البيانات قابلة لإعادة الاستخدام بين العوامل المختلفة للشركات؟، ليست هذه الطريقة التي تعمل بها الإنترنت حاليا».
حتى هذه اللحظة، لم يتم وضع أساس تقني واضح لكيفية ربط عوالم «ميتافيرس» المختلفة، وغالبية الشركات المنخرطة في تطوير هذه العوالم لا تتحدث عن أساليب أو معايير لبناء عالم قابل للتشغيل البيني يكون منفتحا وشفافا.
ويقول الخبراء أن التنقل بين عوالم «ميتا فيرس» المختلفة يتطلب أداة تشبه متصفحات الإنترنت اليوم، وخطت مايكروسوفت الخطوة الأولي في هذا المجال بإنشاء ما يسمي «خيوط الشبكة» meshes وهي خطوة اتخذتها الشركة لقطع الطريق على الآخرين مثل «فيس بوك» التي تتطلع إلي تجميع مجموعة واسعة من الخدمات الافتراضية معا. ورغم ذلك لم يتم وضع أي معيار تقني عام لجعلها تعمل بطريقة صحيحة ومتناغمة.
وحتى إذا تم الاتفاق علي المعيار التقني بعد فترة، ستبقي أسئلة أخرى حول ما إذا كانت أي مؤسسة من المتنافسين ستتبني هذا المعيار، أو تفتح مجالها الرقمي للآخرين بطريقة واقعية، ويرى الخبراء أن «فيس بوك» لديه تاريخ طويل في تقييد ما يمكن للمطورين الخارجيين أن يفعلوه بخدماته، وربما يكون السماح للوصول إلي الصور الرمزية «الأفاتار» من أي مكان آخر هو أدني مستوي من الانفتاح يمكن قبوله لحدوث نوع من التبادل المعلوماتي بين عوالم «ميتا فيرس»، ورغم ذلك سيكون هذا الأمر شكل محدود للغاية من أشكال التشغيل البيني.
ولا تتوقف المنافسة حول «ميتافيرس» علي حدود العناصر التقنية فقط، ولكنها أيضا تتجاوز إلي فكرة وضع قدم راسخة فيما يشكل مستقبل الإنترنت، ولذا تدخل في السباق العديد من الشركات الأخرى التي ربما لا يعرفها المستخدم العالمي مقارنة بفيسبوك ومايكروسوفت، وعلي سبيل المثال هناك الخطط الواسعة التي تجهزها شركة «تنسنت» وهي عملاق التواصل الاجتماعي والألعاب الصيني، والتي يرى بعض الخبراء أن تشكيل المستقبل الرقمي ربما يكون بين عالمين تهيمن على أحدهما «ميتا» والأخرى «تنسنت».
ورصد الإعلام الصيني قيام الشركة بتسجيل العديد من العلامات التجارية المرتبطة بميتافيرس من أجل موقعها الاجتماعي QQ وذلك رغم أن الشركة لم تعلن رسميا خططها في هذا السياق، ولكن الشركة لديها شراكة استراتيجية مع منصات الألعاب الشهيرة مثل «إيبك جيمز» و«رولبوكس»، كما أنها تمتلك العديد من وسائل الدفع عبر الموبايل وتتوزع مكاتبها في العديد من الدول ولديها جمهور هائل يتوزع في العديد من القطاعات. ولكن في نهاية المطاف فإن الأمر بأكمله سيتوقف على مدي تقبل الحكومة الصينية هذا الأمر ووضع الإطار التنظيمي الملائم لعالم جديد لن تبتعد الحكومة عن رقابته اللصيقة.
هناك أيضا تجربة مثيرة للاهتمام تقوم بها شركة «سينسوريوم» المملوكة للمليادير الروسي ميخائيل بروخورف، والتي تبني عالما افتراضيا يسمي «موشن وورلد» وهو عبارة عن أرض افتراضية دقيقة الرسوميات تحت الماء، وتقوم الشركة إنها ستكون مساحة للمستخدمين لتنشيط عقولهم من خلال ممارسات التأمل والرفاهية. وتعمل الشركة في الوقت نفسه على بناء عالم آخر يسمي «بيريسم» وتقول إنه مخصص لعروض الجيل القادم من فناني الموسيقي الالكترونية.
وحتى في أيسلندا الدولة الصغيرة، فإن شركة «آلدين ديناميكس» المتخصصة في برمجيات العالم الافتراضي تقوم ببناء عالمها الافتراضي وذلك انطلاقاً من لعبة «فالس السحرة»، وتقول عن هذا العالم إنه مكان يمكن لخيالك فيه أن يتحرر إلى أقصى مدى.