السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

قنوات الأطفال.. بيزنس يحصد المليارات على «يوتيوب»

قنوات الأطفال.. بيزنس يحصد المليارات على «يوتيوب»

قناة كوكوميلون للأطفال

خلال الشهر الماضي وحده، تمت مشاهدة مقاطع فيديو من قنوات «كوكو ميلون» و«ليتل بيبي بن» و«بيليبي» أكثر من 2.37 مليار مرة، هذه القنوات الثلاث الموجودة على «يوتيوب» وتعد من أكبر القنوات على المنصة حققت مجتمعة 157 مليار مشاهدة خلال السنوات القليلة التي قضتها على شبكة الإنترنت. والآن تقدر قيمة هذه القنوات بنحو 3 مليارات دولار.

ربما لا يعرف المشاهد العادي هذه القنوات، ولكن غالبية الأسر التي لديها أطفال صغار سوف يعرفونها على الفور، قناة «كوكو ميلون» وحدها هي ثاني أكثر القنوات مشاهدة على يوتيوب بأكملها، القنوات الثلاث الناجحة أثارت اهتمام الشركات الكبرى، إلا أن شركة واحدة هي «مون بج انترتينمنت» تمكنت عبر سلسلة من عمليات الاستحواذ من امتلاكها جميعاً.

قصة الانطلاق

المثير أن قصص انطلاق القنوات الثلاث مختلفة، فقناة «بيلبي» أطلقها المؤدي ستيفن جون على يوتيوب عام 2014 وأصبحت معروفة جيداً للأطفال الرضع في أنحاء العالم، أما «ليتل بيبي بن» فقد ظهرت عام 2011 على يد الزوجين «ديريك وكانيس هولدر» حيث اعتقد الزوجان بشكل صحيح أن السوق يحتاج لإصدارات متحركة مبهجة من أغاني الأطفال، وبالأسلوب نفسه فكر زوجان من كاليفورنيا يعملان في مجال الرسوم التوضيحية لكتب الأطفال وصناعة الأفلام فظهرت قناة «كوكو ميلون».

شركة «مون بج» التي تمكنت من الاستحواذ على قنوات الأطفال الأكثر شهرة على يوتيوب، جاء عليها الوقت للتخلي عنها، مقابل ثمن لم يفصح عنه وإن كان يتردد في أوساط الصناعة أنه بلغ 3 مليارات دولار، وهو الرقم الذي يعادل نصف المبلغ الذي اشترت به ديزني شركة بيكسار عام 2006، والمشتري هو مجموعة استثمارية يقودها كيفن ماير الرئيس التنفيذي السابق لشركة ديزني والمدير الأسبق لشركة «تيك توك الأمريكية».

بيزنس ضخم

الصفقة الأخيرة أكدت الارتفاع الفلكي في قيمة «مون بج» السوقية، وأثبتت من جديد أن صناعة الترفيه للأطفال هي بيزنس ضخم، ويقول «باستيان مانينفيلد» الرئيس التنفيذي لشركة ترفيه إسبانية تنتج محتوى الأطفال لمجلة «ويرد» المتخصصة: «تظهر هذه الصفقة أن محتوى الأطفال سوق ضخم وقيم للغاية، وأن الشركات الرقمية الأصلية لديها تقييمات مالية تتساوى أو تتفوق على شركات الإعلام التقليدية».

وتشير ألكسندرا جوميز المتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي بجامعة أسترالية إلى أن الأطفال يمثلون هدفاً رئيسياً لاستراتيجيات تحقيق الدخل على يوتيوب، وأن قنوات شركة «مون بج» الرقمية يفضلها الملايين في أنحاء العالم لدرجة أنها حققت إيرادات بلغت 53 مليون دولار خلال عام 2020 وفقاً للنتائج المالية المقدمة في المملكة المتحدة.

المثير أن عملية الاستحواذ على «مون بج» لم تكن هي العملية الوحيدة من نوعها بالنسبة لمحتوى الأطفال خلال الفترة الماضية، حيث شهد العامان الماضيان العديد من عمليات الاستحواذ المختلفة في هذا المجال، وربما يكون أشهرها شراء شركة خدمات هندية منصة «إيبك» التعليمية في صفقة بلغت قيمتها 500 مليون دولار في يوليو 2021.

المدهش أن الإنترنت الذي لم يتم تصميمه للأطفال في المقام الأول تتجه إليه العائلات حالياً بأعداد ضخمة، وهذا هو السبب الرئيسي في اتجاه الكثير من المنصات والشركات على الاستثمار في المحتوى المقدم لهذا القطاع الوافد من المستخدمين، كما أنه يفسر الصفقات المالية الهائلة التي تتم والتي لم تكن في السابق جاذبة للمستثمرين.

ترفيه الأطفال

وتعد هذه التطورات تغييراً كبيراً عن السنوات «المظلمة» لمحتوى الأطفال على «يوتيوب»، حيث سعى عدد من رواد الأعمال لإنشاء قنوات على «يوتيوب» تركز على ترفيه الأطفال، ولكن الأعمال الأولى التي قدمها هواة بتكاليف قليلة جاءت غير مناسبة وعنيفة أحياناً ورغم ذلك حقق بعضها انتشاراً ملحوظاً على منصة يوتيوب التي لم يتم تصميمها رسمياً للأطفال أقل من 13 سنة.

بل إن هذه الأعمال غير المناسبة تسللت إلى منصة «يوتيوب» المخصصة للأطفال، والتي كان من المفترض أن تكون واحة عملاقة محاطة بأسوار عالية لتقديم محتوى مناسب تماماً للأطفال، ولكن يوتيوب واجهت مشكلات لا حصر لها مع المتسللين والمحتوى غير اللائق، لدرجة أن «باتريك كوبلاند» أحد الموظفين السابقين الكبار في غوغل ويوتيوب قال في تصريحات إعلامية عام 2019 إن الشركة قد خلقت وحشاً لا يمكن السيطرة عليه!

كانت الفضائح المتتالية التي امتدت على مدار عامين من 2017 حتى 2019 نقطة سوداء في تاريخ الوسائط الرقمية المخصصة للأطفال، وتسببت في تعرض موقع «يوتيوب» لأكبر غرامة على الإطلاق في تاريخ لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية التي تتابع قضايا انتهاك قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت، والتي غرمت الشركة 170 مليون دولار.

منذ هذه اللحظة الفارقة، قامت صناعة محتوى الأطفال بمحاولات جادة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وبدأ النمو الضخم لأعمال إنتاج محتوى الأطفال المناسب على يوتيوب مع تحسين واضح في المعايير والممارسات، واتخذت يوتيوب العديد من الإجراءات الحادة، ومنها حظر التعليقات على مقاطع الفيديو التي تظهر أطفالاً قاصرين، وتغيير الخوارزميات لكي تقوم فقط بالترويج للمحتوى «عالي الجودة».

حققت شركة «مون بج» أكبر استفادة من هذه التعديلات، وتحولت إلى شركة إعلامية كبرى وصفها الخبراء بـ«ديزني القرن الحادي والعشرين»، وقال عنها إيان شيبرد المدير التنفيذي السابق لشركة ديزني: «أخذ فريق مون بج قنوات ناجحة بالفعل على يوتيوب وقاموا بتحويلها إلى عملاق عالمي من خلال تطبيق أساسيات بناء العلامة التجارية الدولية استرشاداً بتجربة ديزني». وكان التطور الأبرز هو تحويل الشخصيات التي تمتلك حقوق ملكيتها الفكرية إلى أعمال تجارية ناجحة من خلال أعمال فنية مشتركة مع نتفليكس، وألعاب للبيع في المتاجر وغيرها، تماماً كما يتم إلحاق شخصية ميكي ماوس بالعناصر القابلة للشراء في أنحاء العالم.

متاجر الألعاب

ويبدي خبراء الاقتصاد إعجابهم بالطريقة التي اتبعتها «مون بج» في تسريع وتيرة الإنتاج على العلامات التجارية التي استحوذت عليها، في الوقت نفسه توسيع نطاق الوصول للمحتوى من يوتيوب فقط إلى نتفليكس أيضاً، بالإضافة إلى غزو متاجر ألعاب الأطفال، وعلى سبيل المثال هناك 122 منتجاً مختلفاً معروض للبيع على متجر «كوكو ميلون» الإلكتروني، و92 منتجاً في «بليبي» وغير ذلك، وهو الأمر الذي يبشر ربما بعمليات استحواذ أخرى لقنوات على يوتيوب خاصة مع تحول قنوات الأطفال الأكثر شعبية على المنصة إلى أدوات تسويق هائلة بفضل خوارزميات المنصة.

هذه العناصر هي ما تثير انتباه المستثمرين أكثر من غيرها، حيث إن الملايين التي يدفعونها لا تتعلق فقط بالبرامج الناجحة، ولكن أيضاً بالتسويق على نطاق واسع والملكية الفكرية للشخصيات التي تعيش وتحقق الأرباح أكثر من أي فيديو ناجح.