الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

الذكاء الاصطناعي يرسم الخريطة الجينية للمجتمع الإماراتي

تعد دولة الإمارات من الدول صاحبة الريادة إقليمياً في التوسع باستخدام الذكاء الاصطناعي، في مختلف مناحي الحياة، إذ تنبأت الدولة منذ سنوات بعيدة بأهمية الاستثمار في هذا المجال، باعتباره بوابة العبور إلى عصر الرقمنة، لذا سارعت إلى اعتماد استراتيجيات هادفة في كافة القطاعات من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة. هذه الاستراتيجيات مكنت الدولة من مواجهة جائحة كوفيد-19 التي ضربت العالم مؤخراً، وذلك عن طريق التنبؤ بمدى تسارع انتشار الوباء، ومراحل التطور الجيني للفيروس، وفهم وتقدير احتياجات القطاع الصحي، بالإضافة إلى تنظيم الحركة أثناء فترات التعقيم الوطني.

لتسليط الضوء أكثر على مستقبل الذكاء الاصطناعي، وكيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من تقنياته، التقت «الرؤية» الدكتور محمد يعقوب، أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، الذي أزاح الستار عن عدد من الموضوعات المهمة في القطاع: منها أن الباحثين داخل الجامعة يستخدمون التقنيات الحديثة في رسم خريطة التركيبة الجينية للمجتمع الإماراتي، وأن الاكتشافات البحثية تساهم في التخلص من الشكوك حول التقنيات الحديثة، وأن التطوير المسؤول لحلول الذكاء الاصطناعي يحمل وعوداً بحياة أفضل للأجيال، وأنه دائماً ما يصاحب الثورات التكنولوجية ظهور العديد من الوظائف الجديدة بالإضافة إلى أن الجامعة تحظى بشرف قيادة المسيرة نحو العصر الرقمي.



* الذكاء الاصطناعي قوة للتقدم برز خلال الجائحة.. فماذا عن المستقبل؟


الذكاء الاصطناعي كمصطلح بات روتينياً في حياتنا اليومية، ويعتمد عليه أسلوب حياتنا إلى حد كبير، فهو الذي أدخل العديد من الآليات المتطورة التي سهلت الحياة في كافة مجالاتها. ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي «AI» إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، التي يمكنها أن تحسن من نفسها استناداً إلى المعطيات التي تجمعها، ويظهر في عدة أشكال كالروبوتات التي نراها في مهام حل مشكلات المتعاملين بشكل أسرع، وتقديم إجابات أكثر كفاءة.

* بمناسبة الروبوتات.. كثيرون يرون أن التقدم التكنولوجي قد يؤدي لاختفاء وظائف محددة؟

من الطبيعي أن يصاحب الثورات التكنولوجية، اندثار العديد من الوظائف، لكن في المقابل أيضاً ستنشأ وظائف جديدة، وهذا ما شاهدناه في الثورات التكنولوجية السابقة كمواقع التواصل الاجتماعي.

* بالعودة للجائحة.. ماذا عن دور التقنيات الحديثة في مواجهة كوفيد-19؟

خلال الجائحة برز دور الذكاء الاصطناعي، بشكل كبير في القطاع الصحي، حيث ساهمت تقنياته المتطورة في تقليص الوقت الزمني في الكشف عن الجينيوم الجيني للفيروس، وعمليات تطوير اللقاح التي كانت تستغرق سنوات، وحتى التتبع وحصر المصابين والمخالطين، وبات الذكاء الاصطناعي يدرس في العديد من الجامعات حول العالم، نظراً لأهميته المستقبلية، وضرورة دعم مسيرة البحث، والتطوير العلمي، وخلق المعرفة، والوصول إلى المستوى الفكري المطلوب، ومواكبة البيئة الحديثة، ومنها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وهي أول جامعة للدراسات العليا المتخصصة ببحوث الذكاء الاصطناعي عالمياً، التي تم تأسيسها في الدولة أكتوبر 2019.



محاكاة البشر

* لكن تظل محاكاة الذكاء الطبيعي للإنسان والحيوان مثار جدل كبير؟

بطبيعة الحال، تبقى محاكاة الذكاء الطبيعي للإنسان والحيوان مثار جدل كبير فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلّم الآلة المتفرعة عنه (تصميم التقنيات الإحصائية لبناء أنظمة حاسوبية تتعلم من التجربة)، ومع ذلك، تظهر الحقائق على أرض الواقع أن الذكاء الاصطناعي بات بالفعل يمهد الطريق أمام تقدم تقني غير مسبوق لما فيه فائدة للبشرية جمعاء. ومن الأمثلة على ذلك، قطاع الرعاية الصحية، حيث تُحدث الخوارزميات الدقيقة القائمة على الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية على مستوى رعاية المرضى في الوقت الراهن.

* كيف يتم توظيف التقنيات الحديثة في عمليات تطوير اللقاحات كورونا؟

الذكاء الاصطناعي يجري حالياً استخدامه لتحسين عمليات تطوير اللقاح عبر المساعدة في التنبؤ بحالات تحول الفيروس، واكتشاف العلاجات الفعالة مثل عقار «باريسيتينيب» المستخدم عادةً لعلاج التهاب المفاصل الروماتيدي.

ولا تنحصر المجالات التي يبرهن فيها الذكاء الاصطناعي على قدراته العالية بالجهود الرامية لمكافحة جائحة كوفيد-19، حيث يعمل خبراء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على تطوير حل قادر على التنبؤ بمدى تطور رئة الجنين باستخدام صورة الموجات فوق الصوتية. ويقود فريق آخر مشروعاً في مجال تعلم الآلة بهدف تحديد متلازمة الضائقة التنفسية لدى الأطفال الخدّج عبر تحليل صور الأشعة السينية للصدر عند الأطفال حديثي الولادة.

ويعمل فريق آخر على التوصل إلى تشخيص مبكر للقصور الكلوي الحاد، وهو عامل مساهم في الإصابة بمرض الكلى المزمن والمرحلة الأخيرة من المرض الكلوي.

* في اعتقادك إلى أي مدى ساهم الذكاء الاصطناعي في حدوث تغييرات جذرية؟

الذكاء الاصطناعي، يساهم في عصرنا الحالي، بجملة واسعة من التغييرات الجذرية في أسلوب حياتنا، ومزاولتنا لأعمالنا في جميع أنحاء العالم، بداية من محركات البحث، وروبوتات الدردشة وصولاً إلى السيارات ذاتية القيادة والتحليلات الطبية، حيث يمكننا ببساطة، إدراك الدور الجوهري، الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي خلف العديد من التقنيات، والحلول التي باتت تشكل جزءاً لا يتجزأ من واقعنا اليوم، وبالرغم من تأثيره على مجموعة متنوعة من القطاعات بما فيها الخدمات اللوجيستية، والأمن الرقمي، والرعاية الصحية، والتمويل، والتصنيع، ما زلنا حتى اليوم بعيدين كل البعد عن إطلاق إمكاناته الكاملة.

* ماذا عن أبرز القطاعات استفادة من الذكاء الاصطناعي؟

بوسعنا القول إن قطاع التجارة الإلكترونية يعد من أبرز المستفيدين من الخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي، حيث باتت تجربة التسوق عبر الإنترنت تتمتع بطابع شخصي أوضح، وتتركز حول المتعاملين بفضل هذه التكنولوجيا، ومن جهة أخرى، يتوقع لجميع القطاعات أن تجني ثمار ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة.

* ماذا عن الأثر الإيجابي لتوسع الدولة في استخدام التقنيات الحديثة؟

تشير توقعات دولة الإمارات إلى مساهمة الذكاء الاصطناعي بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وهي الحصة الأكبر مقارنة بجميع بلدان منطقة الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، تهدف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر بأبوظبي للمساعدة في دخول هذه الحقبة الجديدة من الابتكار والإنتاجية والنمو القائم على الذكاء الاصطناعي، في الدولة والمنطقة والعالم أجمع.

* ماذا عن باقي الآثار الإيجابية؟

باختصار، تتركز رسالتنا حول التنمية المتواصلة لقدرات البحوث، والتطوير متعددة التخصصات في المجال، وتزويد طلاب الدراسات العليا بالمهارات اللازمة لتطوير تخصص الذكاء الاصطناعي والرؤية الريادية لطرح الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي في السوق. وفي أبوظبي على سبيل المثال، من شأن ذلك أن يساعد على ضمان امتلاك الحكومة وقطاعات الأعمال المختلفة للمعارف والقوى العاملة والموارد اللازمة لإرساء مكانة الإمارة كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، أو بعبارة أخرى، مركز الثقل في مجال

تصميم الآلات القادرة على أداء الوظائف المعرفية المرتبطة بالعقل البشري.

* هل يمكن تسخير التقنيات الحديثة في التنبؤ واكتشاف الأمراض المزمنة في المجتمع؟

في مختبر يقع أسفل جامعتي هنا في دولة الإمارات، يستخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لرسم خريطة التركيبة الجينية للمجتمع الإماراتي بهدف تطوير وسائل أكثر فاعلية لعلاج الأمراض الوراثية والمزمنة والتنبؤ بها والوقاية منها. وتتسم البيانات المستخدمة في هذا المشروع بطابعها المعقد، وسيتم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة لفك رموز هذا العالم المليء بالغموض. ومما لا شك فيه، أن جائحة كوفيد-19 أتاحت للذكاء الاصطناعي فرصة الظهور بصورة جديدة أكثر إيجابية، فقد أصبح تنفيذ المهام الحرجة مثل التنبؤ بمعدلات العدوى وتتبع حالات الاختلاط وتحديد قطاعات انتشار المرض ومراقبة حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 يتم بصورة أكثر فاعلية بفضل الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، ما يخفف العبء عن العاملين في الخطوط الأمامية ويساهم في إنقاذ الأرواح.

* هل بات المجتمع يثق بشكل كامل بالتكنولوجيا الحديثة أم لا تزال هناك شكوك؟

من شأن الاكتشافات البحثية ضمن هذه المجالات وغيرها أن تسهم في تغيير انطباعات الناس حول الذكاء الاصطناعي والتخلص من الشكوك التي تحيط بتخصص مصمم لدعم النمو الاقتصادي المتوقع في أعقاب جائحة كوفيد-19، وبكل تأكيد، ليس الذكاء الاصطناعي حلاً سحرياً لجميع المشكلات، فما من نظام تقني يخلو من العيوب، وهناك العديد من المخاطر المصاحبة لزيادة اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعرض المحتمل للهجمات الإلكترونية.

* كيف سيحسن الذكاء الاصطناعي نمط حياة الأجيال القادمة؟

لا شك أن التطوير المسؤول لحلول الذكاء الاصطناعي يحمل وعوداً بحياة أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية، وهي حقيقة أدركتها الإمارات مبكراً عبر تأسيس أول جامعة متخصصة بالذكاء الاصطناعي في العالم، التي بدأت في شهر يناير الماضي بقبول الدفعة الأولى من طلابها.

وبالتأكيد، ستصبح معالم التأثير الإيجابي الكامل للذكاء الاصطناعي أكثر وضوحاً نتيجة إقبال المزيد من القطاعات على قدراته في المستقبل القريب.

وعبر مساهمتنا في إطلاق إمكانات الذكاء الاصطناعي كقوة للتقدم الإيجابي، نحظى في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بشرف قيادة المسيرة نحو العصر الرقمي.

الدكتورمحمد يعقوب

يدير قسم الأبحاث المتخصص في مجال الذكاءِ الاصطناعي لإيجاد حلول في قطاعات الرعاية الصحية في جامعة محمد بن زايد للذكاءِ الاصطناعي. على سبيل المثال، يقوم د. يعقوب وفريق عمله على البحث والتطوير لحلول لعدة مشاكل صحية، منها الكشف عن بنية دماغ الجنين وتقسيمها باستخدام تقنيات الموجات فوق الصوتية الثنائية وثلاثية الأبعاد، ودمج صور تخطيط القلب رباعية الأبعاد، والتصنيف الآلي وضبط جودة صور الفحوصات الجنينية الروتينية. بالإضافة إلى ذلك يعمل فريق العمل لإيجاد حلول للمشاكل الطبية المتعلقة بأمراض القلب والرئة والدماغ.

وعمل الدكتور يعقوب في جامعة أوكسفورد لما يزيد عن 13 عاماً كباحث في علوم الذكاء، بالإضافة إلى شغله منصب نائب الرئيس لقطاع الهندسة في شركة «إنتيلجينت ألترا ساوند» المحدودة بين عامي 2016 و2020، إذ قاد فريقاً لتطوير الأجهزة الطبية قائمة على الذكاء الاصطناعي. ونجح الدكتور يعقوب في تحويل أفكاره البحثية من مراحلها الأولى في جامعة أوكسفورد إلى حقيقة على أرض الواقع، وذلك عبر دمج المنتج الطبي (ScanNav) في آلات الموجات فوق الصوتية لصالح إحدى الشركات المتخصصة عالمياً في مجال تصنيع المعدات الطبية.