السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

الذكاء الاصطناعي يستعيد الفن المفقود

الذكاء الاصطناعي 
يستعيد الفن المفقود

where-is-ai-used-1024x683

في عام 1945، تسبب حريق في القضاء على ثلاث من أكثر لوحات الفنان «جوستاف كليمت» إثارة للجدل، بدأت القصة عام 1894 عندما كلفت جامعة فيينا الفنان بالمشروع، وجاءت «لوحات الكلية»، كما عُرفت بعد ذلك، مختلفة تماماً عن أي من الأعمال الرمزية النمساوية السابقة. وبمجرد أن قدمها ثار الجدل بين النقاد حول خروجها عن جماليات تلك الفترة، ورفضها أساتذة الجامعات على الفور، وانسحب كليمت في النهاية من المشروع. وبعد ذلك بوقت قصير، عرفت اللوحات طريقها إلى مجموعات أخرى، ورغم هذه النهاية المأساوية، فإن العالم اليوم بمقدوره أن يشاهد نسخة طبق الأصل من هذه اللوحات المفقودة، والفضل لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

6 أشهر من العمل





فرانز سيمولا، الخبير في أعمال كليمت، وإيميل والنر الباحث في تقنيات تعلم الآلة، قضيا ستة أشهر من العمل لإعادة إحياء عمل كليمت المفقود، عبر عملية شاقة، بدأت بالصور الأبيض والأسود المتاحة، ثم دمج الذكاء الاصطناعي وعشرات المعلومات حول أسلوب الفنان في محاولة لإعادة إنشاء ما قد تبدو عليه تلك اللوحات المفقودة، لتكون النتيجة صوراً فنية رائعة ذات ألوان جذابة استطاع الذكاء الاصطناعي أن ينتجها.


بطبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن يقول إن الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يعيد أعمال كليمت الأصلية، ويجد سمولا ووالنر هذه العملية ممتعة، ولكن ملء الفراغات الناقصة في عالم الفن من خلال الذكاء الاصطناعي لا تجد دعماً من الجميع، خاصة أن فكرة التعلم الآلي لإعادة إنشاء الأعمال المفقودة مثيرة للجدل، ويقول بن فينو رادين خبير الفن لمجلة «ويرد» التقنية المتخصصة: «ينصب الاهتمام الرئيسي على البعد الأخلاقي لاستخدام التعلم الآلي في سياق الحفظ بسبب الحجم الهائل للقضايا الأخلاقية والمعنوية المرتبطة بقضايا التعلم الآلي».

أين الزمان والمكان؟





من المؤكد أن استخدام التكنولوجيا لإحياء الأعمال الفنية مليء بالأسئلة الشائكة ومثير للجدل، مثلاً في عام 1936، وقبل تدمير لوحات كليمت، جادل الكاتب والتر بنيامين ضد تكنولوجيا النسخ الميكانيكي، حتي في التصوير الفوتوغرافي، قائلاً إنه «حتي الاستنساخ الأكثر كمالاً للعمل الفني ينقصه عنصر واحد وهو وجوده في الزمان والمكان الذي تمت صناعته فيه».

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يمكن تعلمه، ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، كانت «لوحات الكلية» محورية في تطور كليمت كفنان، وهي نقطة حاسمة بين لوحاته الأكثر تقليدية في وقت سابق والأعمال اللاحقة، لكن شكلها بالألوان الكاملة ظل يكتنفه الغموض، وهذا هو اللغز الذي كان يحاول فريق العمل التوصل إليه، والتوصل إلى لمحة عن ما هو مفقود.

خوارزمية من 3 أجزاء





وللقيام بهذه المهمة، طوّر والنر ودرب خوارزمية من ثلاثة أجزاء، أولاً: تم تغذية الخوارزمية بمئات الآلاف من الصور الفنية بالاستعانة بموقع جوجل للفنون والثقافة، وساعد هذا الأمر على فهم العناصر الفنية والتكوين، بعد ذلك تم تدريب النظام على أعمال ولوحات كليمت، وذلك حتى يتعرف النظام بدقة إلى ألوانه وزخارفه خلال تلك الفترة الزمنية، وأخيراً تم تغذية المنظومة بأدلة ملونة لأجزاء معينة من اللوحات، ورغم عدم وجود نماذج ملونة للوحات، فإن كتابات تلك الفترة حفلت بالكثير من التفاصيل بسبب الصدمة من تلك اللوحات؛ حيث مال النقاد إلى وصفها بالتفصيل، وصولاً إلى اختيارات ألوان الفنان.

دقة الخوارزمية جاءت من خلال اقترانها بخبرات سوملا الكبيرة في أعمال الفنان، وكشفت أبحاثه أن أعمال كليمت خلال تلك الفترة كانت تميل إلى الأنماط القوية الثابتة، بالإضافة إلى الأدلة التاريخية مثل استخدام اللون الأحمر في «لوحات الكلية» وكان استخدامه نادراً قبل ذلك، بالإضافة إلى الحديث الكثير عن السماء الخضراء المذهلة في لوحة أخرى، وعند إدخال هذه المعلومات في الخوارزمية، جاءت واحدة من أولى الصور المفاجئة التي أنتجها الذكاء الاصطناعي.

رامبرنت وحراس الليل





لم تكن لوحات كليمت الوحيدة التي أحياها الذكاء الاصطناعي؛ حيث يعمل متحف ريجيكس في هولندا على برنامج شبيه، ويستخدم روبرت إردمان كبير العلماء هناك الذكاء الاصطناعي لحل اللغز المحيط بلوحة رامبرانت «حراس الليل» التي أنجزها عام 1642، ويبلغ عرضها حالياً 15 قدماً وارتفاعها 12 قدماً؛ حيث إنها أصغر كثيراً مما رسمه الفنان، ففي عام 1715 تم اقتطاع أجزاء من اللوحة بلغت قدمين من الجانب الأيسر لتناسب العرض في مكان جديد، ولم يتم العثور على المساحة المقتطعة، ولكن إردمان كان يأمل أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من فك شفرة الرسم الأصلي.

عندما بدأ إردمان العمل، كانت أقوى نقطة بيانات لديه عبارة عن نسخة مصغرة مرسومة في القرن السابع عشر على يد رسام يُدعى لوندينز، كان معروفاً بالنسخ الأصلي لأعمال الكبار، وتضمنت النسخة بعض الأجزاء المفقودة من لوحة رامبرانت. استخدم إردمان سلسلة من ثلاث شبكات عصبية، الأولى برسم نقاط المطابقة المرئية عبر كلتا اللوحتين.



بهذا العمل، كانت اللوحتان متطابقتين للغاية، ولكن في النهاية أصبح لدينا عملان تم إنشاؤهما بواسطة فنانين مختلفين لكل منهما أسلوبه الخاص، وتصحيح ذلك استلزم خطوة ثالثة والتي يسميها إردمان «إرسال الشبكات العصبية إلى مدرسة الفنون»، ومن خلال هذا الأسلوب تم تعليم الآلة تقديم لوندينز بأسلوب رامبرانت، ومع التكرار، اقترب عمل الذكاء الاصطناعي- إلى حد كبير- من العمل المفقود.

ومثل جميع التقنيات الجديدة، يثير الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة أسئلة حول الاستخدام والأخلاق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأعمال الفنية الكلاسيكية، ويرى الخبراء أن دمج الذكاء الاصطناعي مع عالم الفن قد يشير إلى تغير مستقبلي جذري، وأن مفهوم تطبيق التكنولوجيا على الفن هو جزء من الممارسة المقبولة.