الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

«الرؤية» تحاور المصري الوحيد ضمن فريق دولي يبحث عن «بدايات الكون»

في صقيع القطب الجنوبي؛ ونهاره الدائم، يعيش الدكتور أحمد سليمان ضمن فريق علمي ينتمي لمؤسسات علمية راقية تشمل وكالة الفضاء الأمريكية؛ وجامعات: كالتيك؛ ستانفورد؛ وجامعة مينسوتا؛ وهارفارد. وصل الفريق للقطب الجنوبي منذ أشهر للعمل على تجربة علمية تهدف لرصد موجات الخلفية الإشعاعية وموجات الجاذبية التضخمية خلال فترة شتاء القطب الجنوبي للتوصل إلى معلومات من شأنها أن تقربنا أكثر من فهم طبيعة الكون؛ خاصة في لحظات البداية.

«الرؤية» حاورت الدكتور أحمد سليمان لنعرف أكثر عن تلك التجربة؛ ولنعرف أيضاً الطريقة التي يعيش بها العلماء والباحثون في ذلك المكان القصي الذي لطالما أثار خيال الكثيرين.

من هو أحمد سليمان؟

أنا باحث مصري أعمل في جامعة كالتيك الأمريكية. تخرجت في كلية الهندسة بشبرا -جامعة بنها- عام 2009 ثم حصلت على الماجستير من جامعة عين شمس عام2013. في 2015 قُبلت في جامعة كالتيك ومختبر الدفع الصاروخي بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا كباحث دكتوراه. أتطلع لفهم بدايات الكون خاصة في لحظة الانفجار العظيم منذ نحو 14 مليار سنة. قبل أن يحدث الانفجار العظيم بلحظة واحدة كان الكون كله عبارة عن نقطة صغيرة الحجم شديدة الحرارة والكثافة وحدث الانفجار ليصبح كوننا مكاناً كبيراً يمتلئ بمئات المليارات من المجرات والنجوم والكواكب والطاقة المظلمة وغيرها.

وما هي أهم إنجازاتك البحثية؟

نشرت العديد من الأبحاث العلمية حصل أحدها على ثاني أفضل بحث في مؤتمر علوم الراديو في كوريا الجنوبية سنة 2016 وكنت ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المسابقة العلمية. خلال فترة الدكتوراه نشرنا العديد من الأبحاث في المجلات العالمية المرموقة في الفيزياء مثل «فيزيكس ريفيو ليتر». وأهم إنجاز في مشواري البحثي هو مشاركتي في تلك التجربة العلمية التاريخية للبحث في أسرار اللحظات الأولى من عمر الكون. شاركت مع الفريق في تصميم وتصنيع أجزاء من تلك التجربة كما شاركت في نقلها إلى معملنا في القطب الجنوبي عام 2019. حصلت أيضاً على ميدالية الولايات المتحدة الأمريكية «أنتارتيكا للعلوم» من المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم ووزارة الدفاع الأمريكية تكليلاً لجهودنا العلمية المتعلقة بتجربة رصد موجات الجاذبية التضخمية.

إذا ما تحدثنا عن نشأة الكون وبداياته نعرف أن هناك العديد من النظريات الخاصة بتفسير تلك النشأة.. فما هي أهم تلك النظريات؟

خلال فترة الستينيات كانت هناك نظريتان شائعتان لتفسير نشأة وبداية الكون هما «نظرية الحالة الثابتة أو المستقرة» و«نظرية الانفجار العظيم».

كانت النظريتان متضادتين تماماً، ولكنهما كانتا مجرد نظريتين دون إثبات علمي حقيقي.

تفترض النظرية الأولى أن متوسط كثافة المادة في الكون ثابتة لا تتغير بينما تشير نظرية الانفجار العظيم إلى أن الكون له بداية وله عمر يقدر بنحو 13.8 مليار سنة.

تقول نظرية الانفجار العظيم أيضاً إن الكون في عمر الصفر كان مُكثفاً بشدة في نقطة متناهية الصغر شديدة الحرارة ثم انفجرت تلك النقطة وبدأ الكون في التمدد.

انقسم العلماء بالتساوي؛ بعضهم توافق مع النظرية الأولى فيما وافق الآخرون على النظرية الثانية. وفي عام 1964 لاحظ علماء الفلك «روبرت ويلسون» و«ارنو بينزيوس» وجود إشارة مجهولة في مرصدهم يسمعون لها صوتاً، ولكنهم لا يعلمون من أين أتت تلك الإشارة. ظنوا في البداية أنها ضوضاء من مصدر ما من مكان بعيد مثل نيويورك فوجهوا مرصدهم باتجاه آخر، ولكن ظل هذا الصوت موجوداً. ظنوا أنها قد تكون أي مشكلة في مرصدهم فقاموا بتنظيف المرصد، ولكن ظلت الضوضاء موجودة أيضاً وهنا أصبح الأمر لغزاً كبيراً فبدؤوا البحث عن حل هذا اللغز عن طريق الاتصال بعلماء في جامعة برينستون وكانوا يبحثون عن نفس الإشارة لاتصالها المباشر بإثبات صحة نظرية الانفجار العظيم. ليتبين أنها الخلفية الإشعاعية للكون والتي تنبأت بها نظرية الانفجار العظيم.

هنا ثبتت موثوقية تلك النظرية. إلا أن هناك بعض الألغاز في الانفجار العظيم التي أصبحت محيرة للغاية لعلماء الفيزياء. لتظهر بعد ذلك «نظرية التضخم» والتي تفسر ما لم تستطع نظرية الانفجار العظيم تفسيره.

تقول نظرية التضخم إنه من الممكن تولد موجات الجاذبية التضخمية نتيجة انفجار الكون في البداية وإن الموجات لها بصمة على موجات الخلفية الإشعاعية للكون بصورة فيزيائية معينة.

فتلك الموجات سافرت عبر بلايين السنوات في فضاء الكون؛ وهي ذات الموجات التي نحاول رصدها الآن من القطب الجنوبي.

ما هي طبيعة التجربة التي تجريها؟ وكم ستستمر؟

تسمى تجربتنا «بايسيب أراي» وهي تجربة عالية الكفاءة تتكون من 4 مراصد مختلفة تعمل عند 4 ترددات. تم تصميمها من فرق بحثية في جامعات كالتك وستانفورد وهارفارد ومينيسوتا بالإضافة إلى وكالة الفضاء الأمريكية. في عام 2019 تم بناء المرصد الأول والهدف منه رصد ما يُعرف باسم الموجات المجارية «سينكيترون» ونباشر أعمالنا هذا الموسم في نفس المرصد بعد إمداده بكواشف أخرى لمتابعة عمليات الرصد. سوف يتم تركيب المراصد الثلاثة الباقية خلال عامين.



ولماذا تتم التجربة في القطب الجنوبي تحديداً؟

لأنه أفضل مكان على وجه الأرض لرصد تلك الموجات بدقة كبيرة نتيجة البرودة الشديدة التي تصل إلى 90 درجة سيليزية تحت الصفر في فصل الشتاء. وأيضاً نتيجة جفاف القطب الناجم عن ارتفاعه عن سطح البحر بنحو 10 آلاف قدم. كما أن طبقات الغلاف الجوي في القطب تقلل امتصاص هذه الموجات وتسمح لها بالمرور خلال ترددات معينة.

كيف وصلت لذلك المكان القصي؟ وكيف كانت الرحلة؟

كانت رحلة طويلة وشاقة استغرقت شهراً كاملاً بسبب مراحل العزل المختلفة في أمريكا ونيوزيلاندا ومحطة ماكموردوا العلمية في أنتارتيكا. مررنا خلال ذلك بالعديد من الفحوصات وكان العزل تحت إشراف الجيش الأمريكي والنيوزيلاندي. تلك الإجراءات هدفها منع وصول أي فيروس للقطب الجنوبي فحدوث ذلك يعني كارثة كبيرة بسبب طبيعة القطب الفريدة وعدم وجود مستشفيات ووجود إمكانات طبية محدودة. علاوة طبعاً على صعوبة نقل المرضى لأن عمليات النقل تتم عن طريق الجو وفي الظروف الجوية المواتية نادرة الحدوث.

كيف تتواصل مع العالم الخارجي؟

من خلال القمر الصناعي لوزارة الدفاع الأمريكية نستطيع التواصل مع العالم الخارجي في خلال ساعات محددة يومياً. نعيش في مبنى الباحثين والعلماء تحت إشراف المؤسسة الوطنية للعلوم ونمارس حياتنا بشكل طبيعي. نأكل طعاماً مطبوخاً بواسطة طباخين ونمارس الرياضة. خلال التجربة نخرج في الفراغ ونمشي لنحو كيلومتر من مبنى الباحثين.

الحقيقة النوم صعب جداً بسبب وجود الشمس 24 ساعة. أشعر أنني أعيش في ثقب أسود ينيره ضوء الشمي كأن الزمن بلا نهاية. حالياً تعودت على الأمر.



كيف تعمل المعدات العلمية في درجة الحرارة المتدنية؟

التجربة في الأساس مصممة للعمل في البرودة. الجزء الأعلى من التجربة موجه لسماء القطب البارد جداً حتى يتمكن من رصد الموجات. أيضاً الكواشف الإلكترونية داخل التجربة مصممة على أن يتم تبريدها إلى هذه الدرجة.

كم عدد أفراد الفريق؟

نحو 50 شخصاً من مختلف التخصصات العلمية.

كيف تعملون معاً؟

يتقابل أعضاء الجامعات مرتين أسبوعياً من خلال زووم. نناقش البيانات المرصودة في القطب الجنوبي ويقدم كل فريق تقريره.

وماذا عن العائلة؟ كيف تتواصل معهم؟

لدي زوجة عظيمة وطفلان؛ نوح 3 سنوات وهارون عامان. أتواصل معهم من خلال القمر الصناعي لوزارة الدفاع الأمريكية.

وما هي المخاطر التي تتعرض لها في القطب الجنوبي؟

مخاطر كثيرة جداً. يكفي أننا نعيش في حذر شديد بسبب عدم وجود مستشفى في القطب. هناك المخاطر المتعلقة بالبرد التي قد تصيبك بقضمة الصقيع وتؤدي لموت الأطراف. وهناك أيضاً مخاطر النزيف من الأنف والتي تحدث يومياً.