لأول مرة، جاء الترتيب السنوي الخاص بـ«أكثر عشر أزمات مهملة» حول العالم بالكامل من بلدان في القارة الأفريقية، بحسب ما كشفه تقرير إخباري موسع نشره الموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة «لوموند» الفرنسية. وذكر الموقع الإخباري أن التصنيف، الذي أصدره الأربعاء، المجلس النرويجي للاجئين "منظمة غير حكومية"، وضع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوركينا فاسو، والكاميرون، على رأس «الأزمات الأكثر إهمالاً»، وأن أزمات تلك البلدان الأفريقية الـ10 ترتبط، بالإضافة إلى النزاعات، بالغذاء، كما هو الحال في منطقة الساحل وغرب أفريقيا؛ حيث يعاني 27 مليوناً من الأشخاص من المجاعة، وهي حالة من القسوة غير المسبوقة على مدى 10 سنوات، تفاقمت بسبب الآثار التراكمية للحرب في أوكرانيا، وتغيّر المناخ، ووباء «كوفيد-19»، إضافة إلى أن هناك «شكلاً من أشكال المركزية الأوروبية، وحتى العنصرية، في توزيع المساعدات الدولية».
الكونغو الديمقراطية تتصدر
وأضاف الموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة «لوموند» الفرنسية، أنه كما في العام الماضي، جاءت جمهورية الكونغو الديمقراطية في الصدارة، مبرزاً أن هذا البلد يواجه اشتداد النزاعات المسلحة، والتوترات بين المجتمعات المحلية، إذ نزح 5.5 مليون كونغولي في البلاد، بينما فضّل مليون شخص الفرار إلى الخارج، وأن المجلس النرويجي للاجئين يأسف لغياب اهتمام وسائل الإعلام بهذا البلد الموجود في حالة حرب منذ أكثر من 20 عاماً، وكذا غياب التزام دبلوماسي قوي.
بوركينا فاسو ثانياً
وجاءت بوركينا فاسو، بحسب «لوموند»، في المرتبة الثانية، إذ تسجل واحدة من أسرع أزمات النزوح في العالم، حيث أجبر ما يقرب من واحد من كل 10 سكان على مغادرة منازلهم بسبب هجمات الجماعات الإرهابية منذ عام 2015 في الشمال والشرق. ومع اقتراب موسم العجاف، من يونيو إلى أغسطس، تشعر الجهات الفاعلة الإنسانية، وفق «لوموند»، بالقلق من خطر المجاعة في بعض المناطق غير الساحلية بسبب العنف، بينما من المتوقع أن يعاني 3 ملايين شخص في بوركينا فاسو من المجاعة.
الكاميرون ثالثاً
وأدى انعدام الأمن، وآثار تغيّر المناخ، وتأثير وباء «كوفيد-19»، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في الكاميرون، التي احتلت المرتبة الثالثة، حيث القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات، وكثرة الاعتقالات التي تعقد عمل الصحفيين. وشمل التصنيف جنوب السودان، الذي عانى من فيضانات كبيرة في عام 2021، حيث من المتوقع أن يتضرر أكثر من 60% من السكان من الجوع، إلى جانب تشاد، حيث يتجاوز معدل سوء التغذية الحاد في عدة مناطق عتبة معدل الطوارئ البالغ 2%، الذي حددته منظمة الصحة العالمية. كما يضم التصنيف، بحسب «لوموند»، مالي، والسودان، ونيجيريا، وبوروندي، وإثيوبيا.
مركزية أوروبية
ويأسف المتحدث باسم المجلس النرويجي للاجئين في غرب ووسط أفريقيا، توم بير-كوستا، بحسب ما قاله في حوار أجرته معه «لوموند» بمناسبة صدور التصنيف، على وجود «شكل من أشكال المركزية الأوروبية، وحتى العنصرية، في توزيع المساعدات الدولية». كما يدعو إلى مضاعفة سرعة استجابة المجتمع الدولي للحروب في كل الأماكن كما هو الحال في أوكرانيا.
معايير التصنيف
وأوضح توم بير-كوستا، في حواره مع «لوموند»، أن المجلس النرويجي للاجئين قام بهذا الترتيب بناءً على ثلاثة عوامل؛ وهي: غياب التمويل، والمشاركة السياسية، واهتمام وسائل الإعلام، وأن هناك قانوناً يسمى «الكيلومتر الميت»، مفاده أنه كلما ابتعدت هذه الأزمات عن الغرب، قل الاهتمام والتعاطف هناك، موضحاً: «الحرب في سوريا تصدرت عناوين الصحف عندما بدأ اللاجئون السوريون في الوصول إلى أوروبا، وأن الأزمات في أمريكا اللاتينية تستحوذ على الاهتمام حين يحاول المهاجرون عبور حدود الولايات المتحدة، لكن معظم النازحين المتأثرين بالصراع في القارة الأفريقية لا يظهرون عند أبوابنا، وليس لديهم خيار سوى الفرار في بلدهم، أو إلى بلد مجاور».
إرهاق الجهات المانحة
وبيّن توم بير-كوستا أنه يضاف إلى ذلك إرهاق الجهات المانحة، ووسائل إعلام، تجاه هذه الأزمات التي تستمر أحياناً لأكثر من عقد، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تهاجم الجماعات المسلحة المدنيين باستمرار، وكثيراً داخل مخيمات النازحين نفسها، التي تعتبر مساحات محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، مردفاً أنه يجب أن تكون وحشاً لتقتل نساء وأطفالاً أبرياء، لكن مشاهدة وحوش تقتلهم مراراً وتكراراً دون فعل أي شيء، يعد أمراً غير إنساني أيضاً.
ازدواجية المجتمع الدولي
وأكد المصدر نفسه أن الحرب في أوكرانيا أظهرت الفجوة الهائلة بين ما هو ممكن عندما يحتشد المجتمع الدولي، والواقع اليومي لملايين الأفارقة الذين يعانون في الظل، موضحاً أنه على سبيل المقارنة، تم تمويل النداء الإنساني من أجل أوكرانيا بنسبة 100% في اليوم نفسه، وتم جمع أكثر من 6 مليارات يورو في مؤتمر المانحين الدولي في وارسو في 5 مايو، بينما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يعاني ما يقرب من ثلث السكان من المجاعة، كان أكثر من نصف الأموال المخصصة لخطة الطوارئ الإنسانية ناقصاً في عام 2021، إذ تم دفع 876 مليون دولار من أصل 1.98 مليار دولار مطلوبة.
وأبرز توم بير-كوستا، في حواره مع «لوموند»، أن الارتفاع الشديد في أسعار الغذاء والوقود، يؤثر على الفئات الضعيفة، وأنه في جمهورية الكونغو الديمقراطية تضاعف سعر السكر وزيت الطهي، بينما زاد الخبز بنسبة 20%، مردفاً: «تخيل تأثير هذه الزيادات في بلد يعاني فيه بالفعل 27 مليون شخص من المجاعة. كما أن العمليات الإنسانية أكثر كلفة، في حين أعلنت العديد من الدول المانحة عن خفض مساعداتها لأفريقيا، لإعادة توجيه الأموال إلى أوكرانيا، كما هو الحال في مالي، حيث قررت الدنمارك خفض تمويلها بنسبة 40%».