الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

وثائق سريَّة | اتفاق بين أمريكا وطالبان يحظر دعم الجيش الأفغاني بعد الانسحاب

وثائق سريَّة | اتفاق بين أمريكا وطالبان يحظر دعم الجيش الأفغاني بعد الانسحاب

أمريكا نفذت عملية سحب جنودها من أفغانستان بين عشية وضحاها ودون تنسيق مع الحكومة الأفغانية.

الاتفاق يتضمن الابتعاد الأمريكي نهائياً عن مشهد ما بعد الانسحاب من كابول

بايدن رفض منح كابول صفقة طائرات هليكوبتر لمواجهة الإرهاب والتطرف في البلاد

كشفت وثائق أمريكية سرية تم الإفراج عنها خلال الساعات الأخيرة، عن توقيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقاً سرياً مع حركة طالبان يحظر على واشنطن دعم الجيش الأفغاني بأية معدات عسكرية أو لوجستية، والابتعاد نهائياً عن مشهد ما بعد الانسحاب من كابول. وتحت عنوان «تاريخ الولايات المتحدة الدبلوماسي الأسود في أفغانستان»، كشفت مجلة «نيويوركر» جانباً كبيراً من هذا الواقع، أكدت أن التخلي عن الجيش الأفغاني وانسحاب القوات الأمريكية من البلد المضطرب يضاهي إلى حد كبير انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام الشمالية بعد توقيع الرئيس ريتشارد نيكسون اتفاقية في يناير 1973 أطلقت عليها واشنطن «اتفاقية إنهاء الحرب واستعادة السلام في فيتنام»، واستبقتها بمحادثات مع الخصوم في 10 مايو 1968 بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتبرها نيكسون في حينه «غطاءً سياسياً» لانسحاب الولايات المتحدة من الحرب، رغم علمه بأن الخطوة تترك فيتنام الجنوبية – حليف الولايات المتحدة – عرضة للخطر. وبعد هذا التاريخ بعامين، غزا مقاتلو فيتنام الشمالية وما يُعرف بـ«الفيتكونغ» فيتنام الجنوبية، بينما أجلت طائرات هليكوبتر آخر الأفراد الأمريكيين من سطح مبنى السفارة الأمريكية في سايغون، وهو ما ضاهى -إلى حد كبير- مشهد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وتشير المجلة الأمريكية في مقدمة تقريرها إلى ما وصفته بـ«سجل محبط من سوء التقدير والغطرسة والوهم الذي أدى إلى سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب»؛ ففي 14 أبريل، أنهى الرئيس جو بايدن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وأعلن أن آخر القوات الأمريكية المتبقية في أفغانستان ستغادر بحلول 11 سبتمبر.

دوامة الموت

وبعد أسابيع من هذا التاريخ، احتلت «طالبان» عشرات المناطق الريفية وأغلقت المدن الكبرى. وبحلول منتصف يونيو، انزلقت أفغانستان -الدولة الديمقراطية الهشة التي بناها الأفغان وجنود الناتو ودافعو الضرائب الأمريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر- إلى دوامة الموت. مع ذلك، أصر «رئيس الدولة المنكوبة» أشرف غني ومجلس وزرائه على بقاء الجمهورية، ونقل رسائل تحمل هذا المعنى إلى كل الدوائر السياسية والعسكرية في بلاده، حسب وزيرة التربية والتعليم الأفغانية السابقة رانغينا حميدي، التي قالت: «تلقينا في حينه رسائل تطمين وتشجيع من رئيس البلاد». وفي حين فطن الجميع إلى أن تطمينات غني تعتمد بشكل أو بآخر على الدعم والغطاء الأمريكي، لكن الرئيس الأفغاني السابق قال: «أمريكا لم تقدم وعداً بالبقاء في بلادنا إلى الأبد». ما يعني حسب محللون استنطقتهم المجلة الأمريكية أن الولايات المتحدة سترحل حتماً عن أفغانستان، لكنها ستواصل في الوقت نفسه دعمها للجيش ومؤسسات الدولة ضد «طالبان».

نظراً لهذا الاعتقاد، حسب الوثائق السريَّة، استقل غني ومستشاروه في 23 يونيو طائرة مستأجرة من شركة الطيران الأفغانية الخاصة «كام إير» من كابول إلى العاصمة واشنطن للقاء رئيس البيت الأبيض. وبينما كانت الطائرة تحلق فوق المحيط الأطلسي، افترش غني ورفاقه أرضيتها لمراجعة أهم النقاط المزمع طرحها خلال الاجتماع. كان المسؤولون الأفغان على قناعة بأن بايدن يعتبر حكومتهم منقسمة بشكل ميؤوس منه وغير فاعلة. ومع ذلك، أوصى غني بتقديم «رسالة واحدة مرنة إلى الأمريكيين»، يمكن من خلالها إقناع بايدن بمنح الجيش الأفغاني مزيداً من الدعم العسكري واللوجستي في حربة المتواصلة مع «طالبان».وخلال الاجتماع، تجاوب النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح على مضض مع «التمسك بالاعتقاد الوردي» إزاء واشنطن، وقال صراحة أمام محاوريه: «أشعر بإقبالنا على طعنة أمريكية في الظهر».

أرواح الجنود

وحسب الوثائق الأمريكية، استقبل بايدن غني وكبار مساعديه في المكتب البيضاوي عصر يوم 25 يونيو، وقال الرئيس الأمريكي لنظيره الأفغاني حينئذ: «لن ننسحب من أفغانستان». واستل بطاقة من جيب قميصه تحوي جدولاً بعدد أرواح الجنود الذين فقدتهم الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. رد أشرف غني على بايدن بقوله: «نقدر التضحيات الأمريكية». ثم أوضح: «هدفنا خلال الأشهر الستة المقبلة هو استقرار الوضع»، ووصف الظروف في أفغانستان بالمصيرية، وأضاف: «أهم طلب أفغاني في الوقت الراهن هو أن يكون لنا صديق في البيت الأبيض»؛ فرد بايدن: «لديكم صديق مخلص. يمكنكم الاعتماد علينا»؛ وهو ما شجع أشرف غني على طلب مساعدة عسكرية محددة، وقال في طلبه نصاً: «هل تستطيع الولايات المتحدة توفير المزيد من طائرات الهليكوبتر؟ وهل تواصلون تقديم الدعم اللوجستي للجيش الأفغاني؟». إلا أن ردود بايدن، حسب مسؤولين أفغان حضروا المباحثات، كانت غامضة؛ وبدلاً من الرد على الطلب الأفغاني بالإيجاب، انتقل الدبلوماسيون الأمريكيون ومعهم بايدن إلى مناقشة غني ووفده حول إمكانية إبرام اتفاق سلام بين الجمهورية الأفغانية و«طالبان»، وتبين بالفعل لاحقاً أن واشنطن تجري اتصالات سريَّة مع قيادات الحركة الأفغانية منذ سنوات، تمهيداً للانسحاب الأمريكي من البلاد، والتوصل إلى «اتفاق سلام» بين المتمردين وكابول، إلا أن المحاولات الأمريكية باءت بالفشل، وبدا إصرار «طالبان» على استعادة حكم أفغانستان بالقوة حتى ولو كانت مفرطة.

إقرأ أيضاً..جاء من ماضٍ سحيق.. زيلينسكي ينتقد دعوة كيسنجر لأوكرانيا بالتنازل عن أراض

حكمة وعقلانية

على تلك الخلفية، وحسب المسؤولين الأفغان حضروا الاجتماع، استبعد بايدن احتمال إقدام «طالبان» على خطوة تنطوي على حكمة أو عقلانية. وبالتوازي مع لقاء غني ومساعديه الرئيس الأمريكي بايدن، عقد رئيس اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان شهر زاد أكبر اجتماعاً مع كوادر أمريكية ناشطة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية. وتعرض شهر زاد لأكبر صدمة حين وصل إلى قناعة بعد محادثات مطوَّلة مع الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة قد خلصت بالفعل إلى أن «أفغانستان كانت قضية خاسرة، وأنهم عقدوا العزم منذ سنوات على غسل أياديهم من وحل هذا البلد». بعد الزيارة الرسمية، أكد جو بايدن اعتقاد الأفغان حين قال في خطاب عيد الاستقلال: «نحن على وشك رؤية مستقبلنا المشرق»، فأدرك شهر زاد أكبر حقيقة نوايا واشنطن، وقال: «انتهى الأمر ببكائي الشديد في هذا المساء»، وبعدها شرعت الولايات المتحدة في إخلاء جنودها ورعاياها من أفغانستان. إلا أن واشنطن استبقت الخطوة بتصدير فكرة تآكل التحالف بين واشنطن وكابول، الذي طمح في السابق إلى ترسيخ الديمقراطية وحقوق المرأة وبناء الدولة، وشعرت جمهورية أفغانستان بالمرارة حين جعل اتفاق السلام بين الولايات المتحدة و«طالبان» الأمور أسوأ بشكل كبير، إذ احتوى الاتفاق على بنود سريَّة مكتوبة وشفهية بما في ذلك بند مثير للجدل، يمنع الولايات المتحدة من مساعدة القوات الأفغانية في عملياتها الهجومية ضد «طالبان».