يرى الباحث أومري ويكسلر أنه من المحتمل أن تواجه تايوان نفس مصير أوكرانيا على يد الصين، وأنه رغم أن هناك الكثير من المتغيرات والظروف التي قد تنقذ تايوان من هذا المصير، ما زال هناك أيضاً الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها وتطبيقها، والتي يمكن أن تساعد تايوان في مواجهة بعض التهديدات التي تلوح في الأفق.
ويقول أومري ويكسلر، أحد كبار الباحثين في مجال العلوم والتكنولوجيا بجامعة تل أبيب في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، إنه في ظل حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا في يناير وفبراير 2022، اعتقد كثير من المراقبين أن العالم على وشك أن يشهد أول حرب سيبرانية حقيقية. ومع ذلك، فإنه رغم هذه التوقعات، لم يكن الصراع الروسي مصحوباً بأي ضربات سيبرانية كبيرة وناجحة للمنشآت الأوكرانية الحيوية، فقد فشلت الهجمات الروسية لحجب خدمات الاتصال ومسح البيانات، إلى حد كبير في تقييد قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
وقبل اندلاع الصراع، حذر كثيرون من أن الصين تراقب عن كثب الأحداث في أوكرانيا، وما إذا كانت العملية الروسية قد تشجعها على مهاجمة تايوان. وفي ظل الكثير من الفشل العسكري الروسي، أوضح المراقبون التحديات التي يمكن أن تواجهها الصين إذا ما قررت مهاجمة تايوان وعندما تقوم بذلك. ورغم أن دراسة الحالة الأوكرانية توضح أنه لا يمكن مقارنة الحرب السيبرانية بالحرب التقليدية، فيجدر التساؤل عما إذا كانت تايوان ستواجه محاولات مماثلة لتخريب المنشآت والخدمات وعرقلتها.
اقرأ أيضاً.. واشنطن: الأمن الدولي على المحك إن أفلتت روسيا من العقاب
ويضيف ويكسلر، الذي خدم في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، أن الجهد الحربي الفاشل من جانب الجيش الروسي أوضح التحديات الشديدة التي يواجهها أي جيش يقوم بعملية عسكرية في محاولته التغلب على المقاومة الضارية التي تحظى بالدعم الدولي. وقد تثبت تايوان أنها أكثر صعوبة في المقاومة.
المنطقة الرمادية
ففي ضوء جغرافيتها، سيتعين على الصين القيام بغزو برمائي. وقد يكون العدد الكبير من السفن، والمعدات، والقوات المطلوبة، إلى جانب المسائل اللوجستية والدعم الأمريكي التام بمثابة رادع أمام تفكير الصين في مهاجمة تايوان. وفي ضوء هذه التحديات، من المرجح أن تلجأ الصين إلى حرب المنطقة الرمادية، التي تشمل الوسائل التخريبية مثل الهجمات السيبرانية، وحملات المعلومات المضللة من أجل إصابة الوحدة والدعم التايواني في الحكومة بالشلل.
ويقول ويكسلر إنه رغم أن هناك اختلافات سياسية وجغرافية وثقافية بين الصين وروسيا وبين أوكرانيا وتايوان، قد تكون هناك بعض الدروس المهمة التي يتعين الاستفادة بها من دراسة الحالة الأوكرانية، والتي يمكن لتايوان وحلفائها تطبيقها.
الدرس الأول
الكثير من قدرة أوكرانيا على إحباط الهجمات السيبرانية الروسية يمكن إرجاعه إلى المساعدة الفنية التي تتلقاها من الولايات المتحدة منذ الهجوم السيبراني الشنيع الذي استهدف شبكة الكهرباء بها عام 2015. علاوة على ذلك، تقوم القيادة السيبرانية الأمريكية بإرسال فرق إلى أوكرانيا كجزء مما يسمى بعمليات «المطاردة المتقدمة».
وهذه الفرق، التي وصل الكثير منها إلى أوكرانيا في أكتوبر 2021، ساعد في كشف ما يسمى ببرنامج «المسح» والتخلص منه من أنظمة شبكة السكك الحديدية العامة بها - وهو برنامج يحذف الملفات المهمة من الأنظمة. وإرسال فرق القيادة السيبرانية يمكن أن يساعد في حماية المرافق والشبكات الحكومية التايوانية المهمة مع تجنب الاستفزاز في مواجهة الصين.
ومع ذلك، فإنه في ضوء اعتماد أوكرانيا على المساعدات الخارجية، يتعين على تايوان أيضاً السعي لشحذ قدراتها السيبرانية. وهذا يقود إلى:
الدرس الثاني
الاحتياطي.. هناك قضية رئيسية وهي اعتماد تايوان على كابلات تحت البحر من أجل توفير اتصالات الإنترنت. ونظراً لإمكانية تعرض هذه الكابلات للضرر أو التخريب من أجل قطع أو عرقلة اتصالات الإنترنت، تحتاج تايوان إلى مصادر إضافية للاتصال مثل الأقمار الصناعية ستارلينك التي تنتجها شركة سبيس إكس، والتي وفرت لأوكرانيا القدرة على استخدام الإنترنت نظراً لانقطاع خدمة الإنترنت في البلاد.
اقرأ أيضاً.. الدوما الروسي يدعو لوقف ضخ الغاز لكل الدول غير الصديقة.. وأوروبا مستعدة
الدرس الثالث
يجب أن يتم التركيز على نجاح أوكرانيا في الدفاع في مواجهة حرب المعلومات المضللة وتحقيق التفوق في مجال المعلومات. ونظر لأهمية رفع الروح المعنوية، والحفاظ على الوحدة الداخلية، وتلقي الدعم الدولي، نجحت أوكرانيا في السيطرة على التصريحات الاستراتيجية والتحكم الكامل في الفضاء الإعلامي عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي.
ويتطلب التفوق في حرب المعلومات تفهما لوسائل الخصم وأساليب عمله والعمل بصورة استباقية. ويمكن إرجاع نجاح أوكرانيا إلى معرفتها بالأساليب الروسية (أو السوفييتية)، وحقيقة أن أوكرانيا تسعى جاهدة في مواجهة حرب هجين وحملات تضليل معلومات منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
جدير بالذكر أن الصين تدرس الأساليب الروسية وتدمجها في أساليبها. ففي أكتوبر 2019، أوضح مدير القيادة السيبرانية ووكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة الجنرال بول ناكاسوني الجهود الصينية لتخريب المظاهرات الموالية للديمقراطية في هونج كونج من خلال حملة تضليل إعلامية.
و اختتم ويكسلر تقريره بالقول إنه نظراً لأن تايوان هي الطرف الأساسي المتلقي لأساليب حرب المعلومات الصينية، فإنه من المهم أن تقوم تايوان بتدريبات تحاكي سيناريوهات حرب المعلومات وأن تركز على التحكم الاستباقي فيما يتردد من تصريحات. وهناك حل آخر طويل المدى يتمثل في زيادة محو الأمية الإعلامية والتفكير الانتقادي بين الأجيال الأصغر في تايوان.