السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

أوقات عصيبة.. مأزق آسيا جراء الصراع في أوكرانيا

أوقات عصيبة.. مأزق آسيا جراء الصراع في أوكرانيا

دول آسيان في مأزق. (رويترز)

قد يبدو الصراع الأوكراني أمراً بعيداً بالنسبة لكثير من الدول غير المنخرطة بشكل مباشر فيه، وهي مسألة محل جدل من حين لآخر، تدور حول سبب تفضيل بعض الدول النأي بنفسها عن القضية دبلوماسياً.

ففي جنوب شرق آسيا، اختارت دول كثيرة الالتزام بفلسفة عدم الانحياز التقليدية لتجنب أي تورط. وبخلاف سنغافورة التي أدانت بحسم العملية العسكرية الروسية وطبقت العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، اتخذت الدول الأخرى مواقف متحفظة.

وتقول الدكتورة هونج لي ثو، المحللة البارزة بمعهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي، إن هذا يرجع إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك العلاقات الثنائية الإيجابية نسبياً مع روسيا. وتعتبر فيتنام بوجه خاص في موقف صعب، نظراً لأن موسكو تزودها بـ80% من معداتها العسكرية. وبالنسبة لإندونيسيا وماليزيا، تعتبر روسيا دولة مصدرة رئيسية لمثل هذه المعدات لهما رغم أن النسبة أقل كثيراً مقارنة بفيتنام.

وتضيف ثو، وهي أيضاً باحثة غير مقيمة مع برنامج جنوب شرق آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، أن التصرف الذي شهده التصويت مؤخراً على قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع، كشف الخيارات غير المريحة التي تواجهها كل الدول، حتى تلك الدول التي رفضت اتخاذ أي خيار.

موقف سنغافورة

ونظراً لميول حكومات دول جنوب شرق آسيا ونزعاتها، فإنها تتسم بالحساسية تجاه قضايا سلامة الأراضي وأي انتقاد يتعلق بالقيم والأخلاق. فحتى سنغافورة التي أدانت الهجوم، امتنعت عن التصويت على طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وتقول ثو في تقرير نشره معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الأضواء العالمية مسلطة بصورة متزايدة على جنوب شرق آسيا، خاصة الدول التي تقوم هذا العام بدور إقليمي أوسع نطاقاً. فإندونيسيا سترأس مجموعة العشرين، وتايلاند سترأس قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي- الهادئ "آبيك"، وكمبوديا سترأس رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، وقمة شرق آسيا. وهناك ضغط دبلوماسي متزايد لاستبعاد روسيا من هذه التجمعات، ما يضع الدول التي ستترأسها في موقف صعب.

استياء إندونيسيا

ومن المحتمل أن تسفر المطالبات بعدم دعوة روسيا للمشاركة في المنتديات الدولية، لا سيما مجموعة العشرين، عن نتيجة عكسية إذا لم يتم تنفيذ ذلك ببراعة. فمن ناحية، من المتصور أن الضغط مصدره «الغرب»، وإذا ما تم فرضه، فسيفسر على أنه انتهاك لاستقلالية رأي الدول المضيفة. وقد أعربت إندونيسيا، حتى قبل الصراع، في مناسبات عديدة عن استيائها لسعي دبلوماسيين أمريكيين للحصول على دعمها ضد الصين وغيرها من الدول وتعتبر ذلك تدخلاً في السياسة الخارجية المستقلة لجاكارتا.

اقرأ أيضاً.. سقوط كريمينا الأوكرانية.. وروسيا تخطط لحصار مدن أخرى

وتوضح ثو أن إندونيسيا- أكبر ديمقراطية في المنطقة- هي التي ستتحمل الكثير من ذلك التدقيق الدبلوماسي هذا العام، ليس فقط بسبب رئاستها لمجموعة العشرين، ولكن لأنها الدولة الوحيدة المشاركة في قمم الآسيان، وآبيك، ومجموعة العشرين. وحتى إذا ما تم تنفيذ التأثير الدبلوماسي ببراعة، فستكون هناك حدود لمدى استعداد دول جنوب شرق آسيا للاستجابة، ليس فقط بسبب علاقاتها مع موسكو ولكن أيضاً بسبب علاقاتها مع الصين. والسؤال إذن هو ما هي الدولة الأكثر قدرة على التواصل معها بشكل مقنع؟

اليابان. أفضل وضعاً

تقول ثو إن هناك 6 «دول خارجية» تشارك في عضوية مجموعة العشرين والآبيك وقمة شرق آسيا وهي: أستراليا، والصين، واليابان، وروسيا، وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. واليابان من بين هذه الدول هي التي في أفضل وضع للمشاركة في الدبلوماسية البارعة مع الدول المضيفة والضرورية للتحكم في التوترات بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

فوضع اليابان في جنوب شرق آسيا أكثر رسوخاً مقارنة بالدول الخمس الأخرى. كما أن شراكاتها العميقة وطويلة المدى في المنطقة أكسبتها مستوى عالياً من الثقة الدائمة. وأضافت ثو أن العلاقات الاقتصادية القوية والاعتراف المتبادل بالاعتماد المشترك عوامل تجعل جنوب شرق آسيا واليابان أكثر قربا بالمقارنة بالدول الأخرى.

اقرأ أيضاً.. الحوار السعودي- الإيراني.. مضيعة للوقت أم اختراق إيجابي؟

وتختتم ثو تقريرها بالقول إنه وسط الانقسامات العالمية التي تزداد عمقا بشأن الصراع في أوكرانيا وعواقبه، تواجه جنوب شرق آسيا أوقاتاً عصيبة. فالآسيان ليست فقط ممثلاً رئيسياً للدول الأصغر حجماً والمتوسطة الحجم، لكن أيضاً تتمتع الدول الأعضاء فيها بقوة تواجد كبيرة في المنتديات الدولية الأخرى هذا العام. وهذا الوضع البارز سيجعلها تقدر شريكاً متفهماً ومحاوراً بارعاً بدرجة أكبر. ويبدو أن اليابان ستكون مثل هذا المحاور. ورغم أن جهود طوكيو وحدها، أو بالتنسيق مع الشركاء والحلفاء لن تعالج القضية التي تواجهها المؤسسات الدولية، فإنها ربما تمنع المزيد من التصدع.