الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

كيف حققت الهند «نجاحاً استثنائياً» في تصدير الحبوب الغذائية؟

كيف حققت الهند «نجاحاً استثنائياً» في  تصدير الحبوب الغذائية؟

الهند نجحت في توظيف التكنولوجيا الحديثة للتحول إلي واحدة من أكبر مصدري القمح عالمياً

الآثار التراكمية للتكنولوجيا على مدى العقد المقبل تنبئ بتغيير وجه الزراعة

بدأت إعادة هيكلة وتنظيم للعملية الزراعية من خارج الحدود

تنظيم برامج توعوية للشركات الناشئة للتعريف بفرص التصدير للأسواق الجديدة

تخصيص عربات إضافية داخل السكك الحديدية لنقل القمح الزائد إلى الموانئ

أسعار القمح الهندي قادرة على المنافسة بعد زيادة الطلب وخفض إنتاج الأسواق الرئيسية

وضعت العملية العسكرية في أوكرانيا، الهند صوب أنظار العالم فيما يخص الإنتاج الزراعي والحبوب وتحديداً القمح، خاصة بعد أن استطاعت أن تحول التحديات التي تواجهها في المجال الزراعي إلى فرص، الأمر الذي يطرح التساؤل الأبرز في وقت أصبح الأمن الغذائي ضرورة قصوى، كيف استطاعت الهند الانتقال من دولة مستهلكة ومستوردة للحبوب الغذائية إلى مصاف الدول المصدرة؟ «الرؤية» تسلط الضوء على الخطوات التي اتخذتها الهند لتحقيق هذا النمو الهائل، خاصة وأن معدل نمو الصادرات الهندية تجاوز نمو أكبر 10 دول مصدرة للقمح في التجارة العالمية مجتمعة، ما يشير إلى الخطوات السريعة التي تخطوها للوصول إلى أسواق جديدة في جميع أنحاء العالم، لا سيما بعد أن استطاعت رفع المخزون الحكومي اعتباراً من فبراير 2022 إلى 24 طناً من القمح، مع توقعات برفع معدلات التصدير بما يتراوح بين 8 إلى 10 ملايين طن خلال العام الجاري. ورغم المؤشرات الرامية إلى زيادة نسب تصدير الهند من الحبوب في أعقاب العملية العسكرية في أوكرانيا، إلا أن الحقيقة أن الصادرات الهندية ارتفعت قبل الأزمة الراهنة بفضل جائحة كورونا وتداعياتها على سلسلة الإمدادات العالمية، وارتفاع الأسعار، الأمر الذي رفع زيادة تنافسية القمح الهندي في السوق العالمية، التي لم تكن لتنافس الأسواق الرئيسية الأخرى بسبب انخفاض أسعارها، مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة.

إقرأ أيضاً..«سلة يورانيوم العالم».. لماذا تعتبر أوكرانيا بالغة الأهمية للاتحاد الأوروبي؟

استراتيجية الهند الزراعية

خلال العقود الأولى من الاستقلال، واجهت الديمقراطية الهندية الوليدة، مشكلة في تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، وفي منتصف الستينيات، سعت نحو الحصول على مساعدات غذائية طارئة، غير أنه بعد وقت قصير، استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء للتحول في عام 1995 إلى مصاف الدول المصدرة للغذاء في العالم. وأجرت الهند إعادة هيكلة وتنظيم للعملية الزراعية داخلها، وعلى عكس التوقعات بدأت من خارج الحدود، إذ برز دور سفارات الهند داخل كل بلدان العالم في إقامة معارض داخل بلدان مختلفة وإطلاق حملات تسويقية نشطة، ونظمت في مارس 2021 معرضها التجاري الافتراضي الأول بمشاركة مصدري القمح، نظراً لعدم إمكانية إجراء اجتماعات مادية بسبب الظروف التي فرضتها الجائحة، إلى جانب تنظيم برامج توعوية للشركات الناشئة في مجال القمح، للتعريف بفرص التصدير لشق طريقهم داخل الأسواق الجديدة. وبالتزامن مع العمل خارج الحدود، عملت الهند على المحور الداخلي، واعترفت هيئة تنمية الصادرات الزراعية بما يقرب من 220 مختبراً في جميع أنحاء البلاد، لتقديم خدمات اختبار جودة القمح لمجموعة واسعة من المنتجين والمصدرين، بما يعزز من تصدير المنتجات الزراعية، إلى جانب التحقق من الجودة، لمنع الخلاف الدبلوماسي مع الدول المستوردة، في وقت تسعى الهند إلى توسيع قاعدة المستوردين والوصول إلى دول مثل مصر، تركيا، لبنان، السودان، نيجيريا، وإيران، وتعرض استعدادها لمواجهة أي نقص محتمل في الإمدادات. وعملت الهند على تمهيد البنية الزراعية بقوة، وأثرت الإصلاحات التي اتخذتها نحو الخصخصة والعولمة على سوق المدخلات بوتيرة أسرع، إلى جانب الإصلاحات في التسويق الزراعي الذي ساهم في إحداث تغييرات في تسويق المخرجات الزراعية من خلال الاستثمار الخاص في الأسواق النامية والزراعة التعاقدية.

---

تكنولوجيا المعلومات

ولم تتوقف الهند عند حد البنية التحتية، بل وأدخلت تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الجديدة في الزراعة، وأخذت تضخ الاستثمارات في البحث والتطوير، ما ساهم في ظهور عدد من الشركات الناشئة، يديرها شباب على أعلى قدر من التعليم، عكس الفكر السائد بإدارة المساحات الزراعية من قبل القرويين، الأمر الذي يؤكد الوعي بإمكانيات الهائلة التي تنتظر هذا القطاع الحيوي، لا سيما وأن الآثار التراكمية للتكنولوجيا على مدى العقد المقبل تنذر بتغيير وجه الزراعة في الهند، خاصة بالنظر إلى ظروف الطقس والتربة الملائمة، وتزايد ارتفاع الطلب العالمي على الغذاء، ما يجتذب الكثير من الشركات والاستثمارات الأجنبية والمحلية.

تحديث النقل

كما خصصت الهند، عربات إضافية داخل السكك الحديدية لنقل القمح الزائد لدى المزارعين إلى الموانئ، مع تخصيص محطات خاصة داخل تلك الموانئ في محاولة لتسريع وصول القمح إلى الجهات المستوردة. إلى جانب العوامل السابقة التي فتحت الطريق أمام الهند لتصطف على قائمة الدول المصدرة للقمح، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، هناك عامل آخر لا يقل أهمية يتمثل في فتح الهند منفذاً جديداً للمياه العميقة في شرق البلاد، ما مكنها من شحن السفن الكبيرة بانتظام، خاصة إلى غرب أفريقيا، حيث توسعت التجارة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إلى دول مثل بنين والسنغال، إذ تعد تلك الميزة مهمة للغاية لا سيما بعد أن أصبحت تجارة الحاويات تواجه تحديات كثيرة عالمياً، خاصة بالنسبة للمنافسين الرئيسيين للهند، بما في ذلك باكستان، تايلاند، وفيتنام، في وقت أصبحت أسعار الهند قادرة على المنافسة بعد زيادة الطلب، وخفض إنتاج الأسواق الرئيسية.

تأثيرات الأزمة الأوكرانية

واستفادت دول كثيرة حول العالم من الأزمة الأوكرانية، وبالنسبة للمجال الزراعي، وكانت الهند الأوفر حظاً، إذ تحولت أنظار الدول الراغبة في تعويض نقص إمدادات القمح القادمة من روسيا وأوكرانيا، بعد أن تراجعت إجمالي صادراتهما من 25% إلى 6% فقط، وسط توقعات أن يستغرق الأمر، عام على الأقل، لبدء التعافي في حال لم تتدهور الأمور. وشكلت روسيا وأوكرانيا معاً ربع إجمالي صادرات القمح في العالم، ورغم صعوبة أن تغطي الهند وحدها الفاقد التصديري من الدولتين، إلا أن لديها فرصة لتصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في صناعة تصدير القمح، لا سيما وأن الحرب المطولة قد تؤدي إلى زيادة اعتماد البلدان المستوردة على كبار المصدرين وبينهم الهند. وتشير التوقعات إلى إمكانية تصدير الهند ما يصل إلى 12 مليون طن من القمح، خلال الموسم 2022- 2023 مقارنة بـ8.5 مليون طن خلال سابقه، بالتزامن مع ارتفاع أسعار القمح داخل بورصة شيكاغو للمحاصيل إلى أعلى مستوى، إذ سجلت 13.635 دولار للبوشل (أداة لقياس وزن القمح وتعادل 27,2 كيلوغرام) خلال الشهر الجاري، مقارنة بـ5.5 دولار للبوشل خلال السنوات الخمس السابقة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

إقرأ أيضاً..حرب السفراء .. طرد 200 دبلوماسي روسي من أوروبا.. وموسكو: ضيق بصيرة

معوقات داخلية وخارجية

ولا يخلو الأمر من بعض التحديات التي تواجه الهند، بعضها داخلي والبعض الأخر خارجي، وتبرز المعوقات الداخلية في وضع حد أدنى لسعر القمح، وهو النظام الذي اتبعته الحكومة لتحفيز زراعة القمح وتوريده من قبل المزارعين بأسعار مضمونة، لضمان زيادة الإنتاج، غير أن هذا النظام صعب من إمكانية وضع تسعير حقيقي في ظل غياب العرض والطلب، الأمر الذي ساهم في ارتفاع الأسعار المحلية رغم ارتفاع معدلات الإنتاج عن الاستهلاك. فقد فضل المزارعون جني أرباح مضمونة من خلال بيع المحصول للحكومة، الأمر الذي تغير بصورة مؤقتة نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، إذ يستطيع المزارعون بيع القمح مقابل 3.167 روبية / قنطار، وهو سعر أعلى من الحد الأدنى المدعوم حكومياً والذي يبلغ 2.015 روبية/ قنطار، الأمر الذي شجع المزارعين على التصدير بدعم حكومي.

ويمتد الحد الأدنى للدعم الحكومي ليؤثر على صادرات الهند في الخارج، لا سيما وأنه يخالف القواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية (WTO) فيما يخص ضمان أن تلعب الدول دوراً عادلاً أثناء الانخراط في التجارة الدولية، لذا فإن السلع المدعومة حكومياً باستخدام حوافز مالية، غالباً ما تؤدي إلى انخفاض الأسعار بما يجعل المنتجين الدوليين في وضع غير مواتٍ، والهند لديها سابقة حول الأمر عندما سجلت البرازيل وأستراليا وغواتيمالا، شكاوى رسمية ضدها، مفادها أن الحكومة الهندية قدمت دعماً مالياً كبيراً لمنتجي السكر، بما يتجاوز القواعد المنصوص عليها في الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، الأمر الذي وافقت عليه منظمة التجارة العالمية في تقييمها. ومع إمكانية تخطي عقبة الدعم الحكومي، تواجه الهند عقبة أخرى تتمثل في استيفاء القمح شروطاً معينة، مثل محتوى البروتين ومستوى مبيدات الآفات، وتلك الاشتراطات التي تتغاضى عنها بعض الدول حالياً، نتيجة الأزمة الأوكرانية، إلا أنها تظل تحت المرصاد إذا قررت الهند أن تضع موطئ قدم في قائمة مصدري القمح العالمية.