لكلِ نظامٍ «حرس». لكنهم ليسوا مجرد حرس. يمتلكون قوات عسكرية براً وبحراً وجواً. بحكم الدستور، يسهرون على حماية «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» في الداخل والخارج، ومنع التدخل الأجنبي أو الانقلابات العسكرية أو «الحركات المنحرفة والمتطرفة». بل ويتولون مسؤولية إنفاذ القانون، فيما يعكف جيش البلاد - فقط - على الدفاع عن حدود إيران وحفظ نظامها الداخلي، بحكم الدستور أيضاً (المادتان 143 و150).
يرى الغرب أن سلطتهم السياسية لم تتجاوز الجيش فحسب، لا بل وولاية الفقيه. كما يتردد في التقارير الغربية أنه يدس عناصره في السفارات الإيرانية عبر العالم، ليقوموا على تنفيذ العمليات الاستخباراتية المطلوبة منهم. والخميس، أفادت تقارير إخبارية بأن الإدارة الأمريكية للرئيس جو بايدن تدرس رفع اسمهم من قائمة الإرهاب، إلغاءً لقرار الرئيس السابق دونالد ترامب، رغم تبنيهم قبل بضعة أيام فقط مسؤوليته الضربات الصاروخية الباليستية على أربيل العراق.
إنه «الحرس الثوري الإيراني»، بالفارسية «باسداران». الذراع العسكري الأكثر إثارةً للرعب في بلاده من جيشه الوطني. تأسس في أعقاب الثورة الإيرانية 1979 بأمرٍ من المرشد الأعلى آية الله روح الله الخميني، في مسعى لدمج المسلحين المتشرذمين في البلاد آنذاك ضمن قوة واحدة موالية لنظام الخميني، لإحداث توازنٍ في مواجهة الجيش الوطني للبلاد، والذي كان لم يزل حينئذٍ موالياً للنظام السابق للشاه محمد رضا بهلوي المُطاح به على يد «الثورة الإسلامية». فما شكل العلاقة بين الطرفين الآن بعد نحو 4 عقود على «الثورة»؟
بورصة طهران
منذ سبعينيات القرن الماضي وبشكل مستمر، يعزز الحرس الثوري قواه حتى تحول إلى قوة عسكرية وسياسية بل واقتصادية، إذ يسيطر على نحو ثلث الاقتصاد الإيراني، من خلال بسط نفوذه على مؤسسات وشركات وصناديق خيرية، بحسب تقرير لـ«بي بي سي». ويضم الحرس الثوري قوات تسمى «البسيج» معنية بالتعبئة الشعبية الداخلية، كما يضم قوات «فيلق القدس» المنوط بتنفيذ المهام الحساسة في الخارج.
يشارك الحرس الثوري في أنشطة اقتصادية قانونية وغير قانونية، ما جعله أحد أهم الجهات الفاعلة في «بورصة طهران»، في حين تقتصر الأنشطة الاقتصادية للجيش على امتلاك منافذ بيع تجارية.
صحيح أن عدد أفراد الحرس الثوري يقل عن عناصر الجيش، لكن ينظر إليه باعتباره «المهيمن»، لا سيما أن الجيش لا يحصل على تمويل جيد مثلما يحصل الحرس الثوري.
علاقة غامضة
في 2020، وصف تقرير لمركز «المستقبل» الإماراتي للأبحاث والدراسات المتقدمة العلاقة بين الجيش الإيراني والحرس الثوري بأنها تتسم بـ«الغموض». ورغم حساسية البدايات التي تأسس في سياقها الحرس الثوري، «هناك حرص دائم على تأكيد التوافق والوحدة والتنسيق بين الطرفين»، في مواجهة «مؤامرات تحاك ضد طهران».
كان المساعد المنسق لقائد الجيش الإيراني الأدميرال حبيب الله سياري قد أدلى بتصريحات آنذاك لوكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» أثارت في حينها جدلاً إعلامياً واسعاً، لما فضحته من خلافات عميقة ظهرت للعلن بين المؤسستين العسكريتين.
شن سياري في حواره هجوماً غير مسبوق ضد الحرس الثوري، حتى وإن لم يأتِ على ذكر اسمهم صراحة، وهو ما كشف عن «حالة من الاحتقان داخل الجيش»، تجاه تصاعد نفوذ الحرس الثوري في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية.
كان من ضمن ما قاله سياري، «نحن (الجيش) لا نتدخل في السياسة».. «التسييس مضر للقوات المسلحة».. «ليس من مصلحة القوات المسلحة التدخل في الاقتصاد».. «قوات الجيش تتجنب العمل الموازي»، ذلك في جملة من الإشارات الجلية للمُستهدف من سهام انتقاداته.
وبحسب تقرير ثانٍ لمعهد الشرق الأوسط، فإن التنافس بين المؤسستين يعود إلى تداخل المسؤوليات بينهما في نص الدستور، فضلا عن «اختلافات أيديولوجية»، ورغبة القيادة المدنية «في الإبقاء على التنظيمين العسكريين في حالة تنافس دائم». كما عزا حالة التنافس إلى «عدم المساواة في الحصول على التمويل وفرص التوظيف»، و«التباين في فرض الهيبة المدنية» في الشارع الإيراني.
تطهير وحشي
الحرس الثوري يتمتع بقدرة أكبر في الولوج إلى القيادة السياسية، كما يتمتع بميزانية أعلى. وباستثناء البرنامج النووي، يتسنى له الوصول إلى معدات عسكرية متطورة نوعاً. ومقابل كل ذلك، يخضع لدرجة أقل من الرقابة.
أما الجيش فتعرض عقب الثورة لعملية «تطهير وحشية»، للقضاء على أي نوازع ولاء للشاه الذي احتضنه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات. وبحسب التقرير، لم يتح للجيش الفرصة لإثبات ولائه للنظام الإيراني الجديد سوى في عام 1980 في أعقاب الغزو العراقي لإيران.
ولفت التقرير إلى أنه في أعقاب الغزو العراقي أيضاً، تكرست حالة التنافس بين المؤسستين في شكل صراعات بين العقيدة العسكرية لكليهما، وتنافس على الموارد القليلة، وهو الصراع الذي استمر لسنوات طويلة.
فمن ناحية، الجيش يعتنق عقيدة عسكرية كلاسيكية، فيما نشأ الحرس الثوري الإيراني - ولا يزال - على أساس عقيدة «ثورية»، ما يكرس حالة الغليان المستمرة بين المؤسستين، التي تشعر إحداها، رغم مرور 4 عقود على الثورة، بالتهميش لحساب سطوة رجالات الحرس الثوري و«شبيحة» الباسيج.