- تدهور المناخ ونقص معدلات تطعيم كوفيد-19 يتصدران التحديات
- السياسة الهندية ما زالت رهينة الاقتصاد الزراعي
- الصناعة غير قادرة على المنافسة المتكافئة
- العجز مع الصين يصل لـ60 مليار دولار سنوياً
- عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بأنماط التحالفات مع أمريكا وبريطانيا
- يجب إعادة توجيه سياسة الهند الصناعية نحو تقليل الحواجز التجارية
تشير تقارير دولية عديدة، إلى أن عام 2022 سيكون عاماً إشكالياً للهند، أكثر من أي عام آخر في العقود الثلاثة الأخيرة، اقتصادياً وسياسياً، مع بدء تطبيق اتفاق التجارة الحرة المسمى شراكة آسيا والباسيفيك، الذي انسحبت منه الهند في نوفمبر 2019، أي قبل توقيعه بعام، ومع ما تكشف من جوانب ضعف في الأداء الاقتصادي والاجتماعي الهندي في أعقاب كورونا، وعوامل أخرى داخلية وخارجية، بحيث يمكن القول إنه سيتحدد في العام المقبل اتجاه بندول الحركة بين قطب استمرار الصعود الاقتصادي للبلاد، الذي بدأ مع إصلاحات التسعينات، وتراجع بشدة في أعقاب أزمة 2008، وما كاد يعاود الصعود مع توجهات ناريندرا مودي التحفيزية، حتى صدمته جائحة كورونا، بمعنى بقاء الهند بلداً كبيراً لكن دون أن يشارك في قيادة الاقتصاد العالمي، ودون أن تكون الهند ذلك العملاق القائم على مزيج النمو السريع والديمقراطية، القريب من الغرب، والمغاير للنظام الصيني الشمولي.
فما هي العوامل التي ستحدد اتجاه الهند في الفترة المقبلة؟ وعلام تراهن الهند لتعوض عدم التحاقها باتفاق الشراكة؟ وكيف توفق الهند بين حاجتها للحفاظ على درجة مرتفعة من الحمائية المتفق عليها بين الحزبين الحاكم والمعارض، وبين وجوب تحقيق اندماج أعلى في الاقتصاد العالمي؟
تداعيات الجائحة
أول عوامل التحدي أمام الهندي يتمثل في أثار بدء تطبيق اتفاقية التجارة الحرة الجديدة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في أول يناير 2022، ما سيتيح لأكبر كتلة تجارية في العالم من حيث الحجم الاقتصادي، فرصة تحقيق زيادة في التجارة البينية بواقع 42 مليار دولار، طبقاً للأونكتاد، وإزاحة 90% من الرسوم الجمركية تدريجياً بينما الهند خارجه.
راهنت الهند وما زالت تراهن على تعويض ابتعادها عن هذا التكتل الضخم على إبرام اتفاقات تجارة ثنائية، مع بعض دول الاتفاق ذاتها وغيرها، وتنشيط فاعليتها في الاتفاقيات التي هي طرف فيها بالفعل، وعلى عقد اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، لكن لم يحدث تقدم يذكر في تلك الاتجاهات.
الاقتصاد الزراعي
تجمع التقارير على أن السياسة الهندية ما زالت رهينة الاقتصاد الزراعي وأن الصناعة الهندية لا تزال بعد 30عاما من الإصلاحات غير قادرة على المنافسة المتكافئة، لكن ذلك لا يعني أن الهند لا تمتلك أوراق قوة، فلديها تفوق قوى في مجال التكنولوجية والرقمنة، وخدمات عالم الأعمال، لكن الجزء المتفوق من الاقتصاد عجز عن دفع الحكومة إلى الدخول في اتفاق الشراكة من ناحية، ولا يزال من ناحية أخرى غير قادر على كسب جمهور كبير من الأوسط التي اعتادت أن ترى الرأسمالية الهندية رأسمالية موصومة بحسب فورين بوليسي كما لا يزال أيضاً عاجزاً عن تغيير الموازين الخارجية للهند التي تعانى عجزاً تجارياً على سبيل المثال مع 11 دولة من دول اتفاق الشراكة، أو تحسين العجز مع الصين الذي يصل إلى 60 مليار دولار سنوياً.
التحالفات المحتملة
وإلى ما تقدم فان آراء تشير إلى أن مساهمة الهند في رسم الخرائط الجديدة في آسيا وخارجها، قد تكون أقل كثيراً مما تمثله الهند بثقلها السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي، ويعمق من تأثير هذا العامل، عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بأنماط التحالف المحتمل بين الهند والولايات المتحدة وبريطانيا، وبروز دور قوي لدولة خصم وجارة مثل باكستان حيث علاقتها بكل من الصين والولايات المتحدة وثيقة، على الأقل حتى الآن، وهناك أيضاً إرباك أمريكا للجميع بانسحابها من أفغانستان ما قد يضر من جانب خطط طريق الحرير الصيني الذي تتخوف منه الهند، لكنه أيضاً يصيب ساسة الهند بصداع مخافة انتقال أشكال من التطرف الديني إلى أراضيها، وفي كل تلك الأجواء تبدو النقطة المنيرة، هي علاقة الهند ببنغلاديش التي تقوى استراتيجياً يوماً بعد آخر، لكن الظروف الاقتصادية لبنغلاديش ليست مما سيفيد الهند كثيراً.
وهناك تحديات أخرى أمام الهند تخص تدهور المناخ، ونقص معدلات تطعيم كوفيد-19، وتراجع مؤشرات دور المرأة وحماية الطفولة، وكذا مؤشر ثقة المستهلكين الذي بلغ في يونيو 2021 أدنى مستوياته، والسؤال لا يزال قائماً إلى أين تتجه الهند في 2022.
تفاوض دون تعقيدات
بالعودة إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة آر سي آي بي التي تشمل 15 دولة من شرق آسيا والمحيط الهادئ، أهمها أستراليا والصين وإندونيسيا واليابان وكوريا ولاوس وماليزيا والفلبين ونيوزيلندا وسنغافورة وتايلاند وفيتنام. وتدل تشكيلة الدول، على وجود أطراف أقل من ناحية التطور الصناعي من الهند بكثير، وبذا فإن المبرر الذي قدمه مودي لدي الانسحاب وهو خشية تأثير تدفق الواردات على الصناعة الهندية، سيكون محل تساؤل.
يشار أيضاً إلى أن الاتفاقية قد تركت الباب مفتوحاً لعودة الهند إلى التفاوض دون تعقيدات إجراءات، لكن يبدو أن حكومة الهند تريد من جانب أن تختبر تأثير سريان الاتفاقية على الأرض أولاً، ومنح نفسها مهلة زمنية ريثما تؤتى سياسة تصنيع الهند التي يتبعها مودي نتائجها المأمولة.
انسحاب مودي
ومن المفارقة، أن التوقيع على الاتفاقية تم بعد عام من انسحاب مودي، ودفع إلى تسريع التوقيع على أمل أن تساعد في التعافي من صدمات وباء كوفيد-19 غير أهدافها الأخرى، وكان الأولى أن يستفيد من أمر كهذا هو البلد الذي أضير آسيوياً أكثر من غيره وهو الهند، ولكن السبب الأكبر، وربما الوحيد، لإحجام الهند عن الانضمام إلى شراكة آسيا والباسيفيك، يتمثل في الصين، حيث سبق وأن قررت نيودلهي عدم الانضمام إلى أي اتفاقية تجارية تكون فيها بكين عضواً، حيث ساءت الأمور بالنسبة للهند، خاصة بعد الجائحة والمواجهة الحدودية المستمرة مع الصين و العجز التجاري المشار إليه، حيث انكمش اقتصاد الهند بأكثر من 7%، في 2020، ما يعد الأسوأ في البلدان النامية الرئيسية.
توقعات دولية
يرى المراقبون أن الاقتصاد الهندي لن يتمكن من وضع وباء كورونا وراءه إلا بشروط، وقد استعاد إجمالي الناتج المحلي للهند بالفعل مستواه الذي كان عليه قبل انتشار الوباء، ويتوقع صندوق النقد الدولي أنه سينمو بنسبة 8.5% في عام 2022، أي حوالي 3 نقاط مئوية أكثر من الصين. ويتساءل إيرفند سوبرانيان وجوزيب فيلمان في مقال شهير لهما في فورين بوليسي، هل الحكومة الهندية ستكون قادرة على استغلال تفوقها النسبي على الصين في القوى العاملة وكون ثورة الهند في مجال البنية التحتية التكنولوجية في البداية فقط خلافاً للصين التي شارفت الذروة، ومن كون الصين دولة شمولية وبدأت في تقويض روح المبادرة والابتكار في القطاع الخاص كما تقول دراسات غربية؟
طبقاً لفورين بوليسى يجب إعادة توجيه سياسة الهند الصناعية نحو تقليل الحواجز التجارية وزيادة الاندماج في سلاسل التوريد العالمية، ومعاملة جميع الشركات على قدم المساواة، كما تحتاج عملية صنع السياسات نفسها إلى التحسين، حتى تتمكن الحكومة من إنشاء بيئة اقتصادية مستقرة تنعش التصنيع والصادرات، لكن الكاتبين يقولان إن هناك القليل من الدلائل على حدوث أي من هذا.