الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين

تتزايد المخاوف حول احتمالية تطور التلاسن بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول تايوان، إلى صراع عسكري جديد يدخل قُوى نووية أُخرى داخل دائرة الصراع العالمي، بما يؤدي إلى اتساع دائرة الخطر العسكري والاقتصادي، لا سيّما أن القوتين تمثلان أقوى اقتصاد في العالم، وكلٌّ منهما لديه حلفاء، حال اصطفاف كليهما إلى جانب حليفه، ربما يجد العالم نفسه على شفا حرب عالمية.

يقول تقرير لـ«بي بي سي» إن أحد المخاوف الرئيسية يتركز حول إمكانية اندلاع الحرب حال أقدمت الصين على ضم تايوان، لا سيّما أن بكين أكدت في الماضي أنها قادرة على استعادة الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر، غير أن معظم المحللين لا يرجحون هذا الأمر في الوقت الراهن، خاصة أن الصين تدرك أن تلك الخطوة مكلفة وكارثية، ليس للصين فحسب بل للعالم أجمع، لا سيّما أن الاقتصاد الصيني مرتبط بالاقتصاد العالمي بدرجة أكبر بكثير من الاقتصاد الروسي.

الموقف الصيني لا يزال ثابتاً حيال «إعادة التوحيد السلمي» مع تايوان، الأمر الذي أكّده وزير الدفاع الصيني، وي فينغ خلال تصريحاته الأخيرة، لافتاً إلى أن بكين لن تتحرك إلا في حال واجهت استفزازاً، ويرجّح التقرير أن إعلان تايوان استقلالها رسمياً ربما يشكّل أحد أوجه الاستفزاز للجانب الصيني، إلا أن رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، لطالما تجنبت هذا الأمر رغم إصرارها على أن تايوان دولة ذات سيادة، خاصة أن غالبية الشعب التايواني لا زال يدعم المبدأ الذي يعُرف باسم «الحفاظ على الوضع الراهن».

في المقابل، تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في الدخول في صراع عسكري مكلف في آسيا، إذ أشارت خلال مرات عدة أنها لا تؤيد الحرب، في حين أن لقاء وزراء دفاع البلدين على هامش منتدى «شانغريلا» يعطى إشارة إيجابية، لا سيّما أن ذلك شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المناقشات العملياتية بين الجيشين بما يقلل من احتمال حدوث أخطاء في الحسابات على الأرض قد تؤدي إلى صراع، فضلاً عن إعادة تنشيط الحوار بشكل عام، والذي كان مفقوداً خلال إدارة دونالد ترامب.

بالنسبة للولايات المتحدة والصين على الأقل، لا توجد إرادة سياسية لتغيير مواقفهما في الوقت الحالي، لا سيما مع الأحداث المهمة التي تلوح في الأفق داخل كل من الدولتين، إذ تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، بينما تعد الصين المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي، يُقام خلال النصف الثاني من العام الجاري، الأمر الذي يضعف احتمالية إقدام أي من الطرفين على التصعيد.

المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، دكتور علي العنزي، يقول في تصريحات لـ«الرؤية» إن العالم يراقب حالة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بكثير من القلق لما لها من انعكاسات وارتدادات قوية للغاية على الاستقرار والسلم العالمي، خاصة أن الدولتين تمثلان أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، فضلاً عن كونهما عضوين دائمينِ داخل مجلس الأمن الدولي، ويملكان سلاحاً نووياً، ما يجعل التوتر الحالي -والذي يمكن أن يؤدي إلى نزاع مسلح في حال غزت الصين تايوان- في غاية الخطورة.

الردع المتكامل

وبدوره يشير تقرير لصحيفة «جلوبال تايمز» إلى احتمالية تحويل الولايات المتحدة جزيرة تايوان إلى «صراع أكبر» خلال محادثات «مونتيري» العسكرية في واشنطن حول التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان، التي تبدأ الأربعاء المقبل وتستمر حتى الجمعة، والتي جاءت بعد تحذير وزير الدفاع الصيني، من أن القوات المسلحة الصينية ستقاتل حتى النهاية إذا تجرأ أي شخص على فصل تايوان.

نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان، شين تشيانغ، يقول إن الولايات المتحدة تعزز «الردع المتكامل» للصين، عبر تعزيز الانتشار العسكري المتقدم في سلسلة الجزر الأولى وجعلها مرنة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لديها بالفعل عمليات انتشار عسكرية في اليابان، غير أنها لا تمتلك حامية في جزيرة تايوان حتى الآن، لذا فإن المحادثات تشكل فرصة لدفع التعاون المحتمل، منوّهاً بأن التعزيز المستمر للتعاون الجوهري بين تايوان والولايات المتحدة يُعدُّ استفزازاً لمبدأ «صين واحدة»، لا سيّما أن الضجة الدعائية تظهر أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان أصبحت أكثر انفتاحاً وجرأةً، محذراً من أن عدم قدرة الولايات المتحدة الالتزام بكلمتها فيما يخص مبدأ صين واحدة، يحملها مسؤولية التدهور المحتمل للعلاقات الثنائية بحسب التقرير.

ويري «العنزي» أن العالم يراقب ما يحدث في أوكرانيا، خاصة الصين التي أيدت ضمناً روسيا ورفضت إدانتها ومقاطعتها، وشكّلت معها جبهة واحدة ضد الهيمنة الأمريكية، لافتاً إلى أن الصين تطمح من وراء ذلك في تأييد روسيا حال أقدمت على ضم تايوان، مشدداً على أن المسألة التايوانية تعوم على صفيح ساخن في ظل التجاذب الأمريكي الصيني، مرجحاً أن إقدام تايوان على إعلان الاستقلال يشكّل أحد مسارات المواجهة بين البلدين، متوقعاً أن تتخذ الصين الخطوة التي أعلنتها والتي تتمثل في ضم الجزيرة، لافتاً إلى أن رد الفعل الأمريكي حينها لن يتعدى العقوبات والشجب والإدانة، لا سيّما أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الأزمة الأوكرانية والتايوانية في آن واحد.

مراجعة استخباراتية

في الأثناء، كشف تقرير لـ«بوليتيكو» عن أن عدم قدرة الولايات المتحدة على التنبؤ بشكل صحيح بكيفية أداء الجيشين الروسي والأوكراني خلال المراحل الأُولي من حربهما المستمرة يغذي المخاوف من أن يكون لدى الولايات المتحدة نقاط عمياء كبيرة عندما يتعلق الأمر بالقوة القتالية لخصم قوي بشكل متزايد مثل الصين، إذ شكلت تلك المخاوف عاملاً رئيسياً وراء مراجعات التقييمات الأمريكية للقوات المسلحة الأجنبية، لا سيّما بعد انهيار الجيش الأفغاني الذي دربته الولايات المتحدة، والذي كان يحظى بتقييمات متفائلة.

ويقول التقرير إن تزايد مخاوف الولايات المتحدة من إقدام الصين على ضم تايوان كجزء من جهد أوسع لتجاوز القوة الأمريكية في المحيط الهادئ يجعل موضوع القوة العسكرية لبكين أكثر بروزاً من أي وقت مضى، إذ تتفاقم المخاوف بشأن عدم فهم الولايات المتحدة للجيش الصيني خاصة أنه لم يَخُضْ حرباً منذ أكثر من 40 عاماً.

الصين.. تحدي السرعة

يشير التقرير إلى وصف الصين داخل مؤسسة الدفاع الأمريكية بأنها «تحدي السرعة»، ورغم أن البنتاغون يصدر تقريراً غير سري كل عام يشرح بالتفصيل التطورات العسكرية والأمنية في الصين، لا تزال نظرة الولايات المتحدة إلى جيش بكين غير مثالية، بدليل أن الصين استطاعت أن تفاجئ مسؤولي وزارة الدفاع الصيف الماضي عندما اختبرت صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت ذا قدرة نووية.

يقول محللون ومسؤولون سابقون إن غزو تايوان سيبدأ على الأرجح بهجوم جوي وهبوط برمائي، غير أن ما سيحدث بعد ذلك يظل لغزاً، إذ إنه على عكس روسيا، التي كانت تقاتل في أوكرانيا وسوريا على مدار العقد الماضي، هناك تاريخ أقل حداثة يمكن الاستفادة منه بالنسبة للصين، لا سيّما أن بكين لم تخض حرباً منذ عام 1979، ولم تشارك قواتها الجوية في صراع كبير منذ عام 1958.

ويوضح التقرير أن أحد المجالات التي توليها المراجعات الحالية للتقييمات العسكرية الأجنبية اهتماماً وثيقاً هو خطوط الإمداد الصينية إذا هاجمت تايوان، لا سيّما أن إعادة إمداد القوات العسكرية مهمة أصعب بالنسبة لجزيرة عكس ما تواجهه روسيا في طرقها البرية إلى أوكرانيا.