أدت الحرب الروسية الأوكرانية، وما ارتبط بها من أزمة في العلاقة بين روسيا وأوروبا حول الغاز والنفط والفحم واليورانيوم الروسي، وارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، إلى دفع الاتحاد الأوروبي، الذي كان يستورد نحو 40% من احتياجاته من الغاز من روسيا، للبحث عن بدائل جديدة، ويعد غاز شرق المتوسط من أهم البدائل التي سعى الاتحاد الأوروبي للتوسع في استيراده نظراً للقرب الجغرافي من الدول المنتجة، وإمكانية نقله سواء عبر الأنابيب أو شحنات الغاز المسال، حيث توجد محطتا إدكو ودمياط لإسالة الغاز على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ولدى منطقة شرق المتوسط، مخزون هائل من الغاز والنفط، تصل لنحو 3455 مليار متر مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط، تراوح قيمتها التسويقية ما بين 700 مليار، و 3 تريليونات دولار أمريكي، وفق تقرير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية الصادر عام 2010.
مرحلة جديدة
ولهذا جاء الاتفاق الثلاثي الذي جرى توقيعه بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، على هامش اجتماعات الدورة السابعة لمنتدى غاز شرق المتوسط، الأمر الذي يدشن مرحلة جديدة من العلاقة بين الاتحاد الأوروبي، وغاز شرق المتوسط، وهو ما عبرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عندما قالت «إن مذكرة التفاهم بين الدول الثلاث، فرصة لأمن الطاقة والتعاون الإقليمي، والتحول إلى الطاقة النظيفة، سنعمل على إمداد مستقر من الغاز الطبيعي لأوروبا، من منطقة شرق المتوسط، ستسهم هذه الاتفاقية في أمن الطاقة بالاتحاد الأوروبي».
ومن المقرر أن يستمر هذا الاتفاق لمدة 3 أعوام مع التمديد التلقائي لمدة عامين، وفق، وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، التي قالت في بيان «إن الاتحاد الأوروبي سيشجع بموجب الاتفاق الشركات الأوروبية على المشاركة في عطاءات التنقيب في إسرائيل ومصر».
فما الأرقام الجديدة التي يضيفها غاز شرق المتوسط إلى معادلة الطاقة الأوروبية؟ وكيف يمكن أن تكون الاتفاقية الجديدة بمثابة قيمة مضافة لقطاع الطاقة والغاز في منطقة يتعزز حضورها السياسي والاقتصادي على طاولة صنع القرارات الإقليمية والدولية؟
بداية القصة
تنص اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1964، على ضرورة تحديد الجرف القاري لكل دولة كشرط أساسي للبدء في عمليات التنقيب عن الغاز أو النفط، ولهذا كان ترسيم الحدود البحرية بين غالبية دول شرق المتوسط هو البداية الصحيحة لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لكل دولة، حتى تبدأ مشروعات الاستكشاف.
لذلك تم ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003، ومصر وإسرائيل 2005، وبين قبرص ولبنان عام 2007، وقبرص وإسرائيل عام 2010، واليونان وإيطاليا في 2020، واليونان ومصر في 6 أغسطس 2020.
اكتشافات حقول الغاز
وبعد ترسيم الحدود بدأت عمليات البحث والتنقيب التي أسفرت عن اكتشاف حقل ظهر المصري العملاق، من جانب شركة إيني الإيطالية عام 2015، وتقدر احتياطاته بـ850 مليار متر مكعب.
كما تم اكتشاف حقل أفروديت القبرصي أمام سواحل مدينة ليماسول عام 2011، ويقدر مخزونه بـ140 مليار متر مكعب، كما تستخرج إسرائيل الغاز من عدد من الحقول أبرزها حقل تمار، المكتشف في 2009، وتقدر احتياطاته بنحو 280 مليار متر مكعب، وحقل ليفياثان الذي تم التعرف على إمكانياته التجارية عام 2010، وتقدر احتياطاته بـ620 مليار متر مكعب، وحقل تانين في 2012، وتقدر احتياطاته بـ34 مليار متر مكعب، وحقل كاريش (محل النزاع بين إسرائيل ولبنان) في عام 2013، وتقدر احتياطاته بـ51 مليار متر مكعب، وحقل رويي المكتشف 2014، وتقدر احتياطاته بـ90 مليار متر مكعب من الغاز.
حلم يتحول لحقيقة
وفي عام 2018 كان حلم مصر أن تتحول لمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة وفي مقدمتها الغاز، وتؤكد الاتفاقيات الجديدة والمتوقعة خلال الفترة القادمة، أن حلم مصر تحول لحقيقة، خاصة أن مصر هي الدولة الوحيدة في شرق المتوسط التي لديها بنية تحتية لإسالة الغاز الطبيعي، من خلال محطتي إدكو التي تصل قدرتها إلى نحو 8 مليون طن متري في العام، من خلال وحدتين لإسالة الغاز الطبيعي، والمحطة الثانية هي محطة دمياط والتي تصل طاقتها إلى نحو 5 مليون طن متري كل عام، وهو ما يسمح لمصر بتسييل الغاز من دول الجوار مثل قبرص أو إسرائيل، وتعبئته في ناقلات النفط العملاقة، ومن ثم شحنه إلى دول أوروبا، حسب بيانات وزارة البترول المصرية، التي قالت إن مصر تنتج في الوقت الراهن بين 6.6 - 6.7 مليار قدم مكعب بشكل يومي، تصدر منها نحو مليار قدم مكعب يومياً من الغاز، ويمكن أن تزيد إلى 1.5 مليار قدم مكعب) يومياً خلال العامين المقبلين.
وتوقعت وكالة بلومبيرغ أن تبيع مصر8.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام، وهذا سوف يكون أعلى مستوى تصدير لمصر منذ عام 2009، واستثمرت مصر نحو 1.2 تريليون جنيه في قطاع البترول حتى نهاية أبريل 2022، في إطار خطتها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعي، وفقاً لبيانات الحكومة المصرية.
خط بين مصر وقبرص
وبلغت صادرات مصر مستوى غير مسبوق خلال العام الماضي 2021، والأشهر الأولى من العام الجاري 2022، إذ شهدت ارتفاعاً بنسبة 770% عن العام الماضي، بعد إعادة تشغيل مصنعي إسالة الغاز بدمياط وإدكو، واستئناف تصدير الغاز المسال.
وحسب البيانات الحكومية المصرية، "فقد بلغت قيمة تصدير الغاز الطبيعي والمسال من مصر، خلال الفترة من يناير حتى نهاية أبريل 2022، ما إجمالية 3.9 مليار دولار، كما وقعت حكومتا مصر وقبرص عام 2018 اتفاقية تمهد لإنشاء خط غاز بحري بين الدولتين، لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي، إلى مصانع الإسالة في مصر، وإعادة تصديره.
منتدى غاز شرق المتوسط
وسوف تقوم إسرائيل بإرسال الغاز في أنبوب نقل الغاز إلى مصر، التي تقوم بإسالته ونقله في شحنات غاز إلى أوروبا، وهو ما يسمح لتصدير الغاز الإسرائيلي لأول مرة لأوروبا، كما يرفع من حصة الغاز التي تستوردها شركات خاصة مصرية من إسرائيل، وفق ما صرح به مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار، أوليفر فارهيلي الذي وصف مصر بأنها «مورد موثوق وطويل الأمد للطاقة لأوروبا».
وتضيف المتغيرات الجديدة في سوق الطاقة العالمية قيمة جديدة لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تم تدشينه في يناير 2019، وبدأ الخطوات العملية في سبتمبر 2019، وفق ما قاله وزير البترول المصري طارق الملا، والذي قال «المتغيرات العالمية الحالية أوضحت الأهمية البالغة للمنتدى، في ظل ما يتوافر بمنطقة شرق المتوسط من إمكانات لإنتاج الغاز يعلمها الجميع، وهناك قدرة للمنتدى على زيادة التصدير لأوروبا من خلال التسهيلات المتاحة، وأنه يتم تطوير إمكانيات العمل من خلال المنتدى من أجل زيادة إنتاج الغاز».
أهمية كبيرة
هذه الأهمية لغاز شرق المتوسط بالنسبة لأوروبا باتت في غاية الأهمية لدول في الاتحاد الأوروبي نفسه، وهو ما عبرت عنه وزيرة الطاقة القبرصية ناتاشا بيلديس التي قالت «غاز شرق المتوسط سيلعب دوراً كبيراً في تعزيز إمدادات الغاز لأوروبا، كما أن منتدى غاز شرق المتوسط، سوف يلعب دوراً كبيراً أيضاً في تنمية الاحتياطيات ونقل الإمدادات عبر دول العبور إلى السوق الأوروبي، الذي يحتاج لتأمين إمدادات من شرق المتوسط»، وهي وجهة نظر شاطرها فيها وزير البيئة والطاقة اليوناني كوستاس سيكريكاس، عندما قال «غاز شرق المتوسط يمكنه دعم مساعي أوروبا لتأمين موارد طاقة آمنة ومستقرة، وأن مصر وقبرص وإسرائيل سيكونون موردين يعتمد عليهم لإمداد أوروبا».
كميات التصدير
وسوف تتوقف كمية الغاز التي يتم تصديرها من شرق المتوسط إلى أوروبا على حركة السوق والأسعار، ويساعد الاتفاق الثلاثي في زيادة الكميات المصدرة سواء من مصر أو إسرائيل لدول الاتحاد الأوروبي، كما أن الاتفاق الجديد سوف يساهم في توقيع مزيد من اتفاقيات الغاز مستقبلاً، والتوسع في البنية التحتية للغاز، وفق تصريحات أسامة مبارز الأمين العام لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذي أوضح أن الفترة القادمة سوف تشهد الإعلان عن إقرار استراتيجية طويلة للمنتدى.
وسوف تعزز كل هذه الخطوات من تحول مصر إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة، خاصة في ظل النجاح الذي رافق انعقاد منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا وفلسطين والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي كأعضاء مراقبين.