تؤمن بأن التمرد أول طريق للإبداع، وأن الإخلاص في العمل والقيم هو السلم الطبيعي لبلوغ سن النجاح. ترى أن حدود التأثير في الآخر تبدأ وتنتهي مع ما تقدمه من آراء وأفكار وجهد لم يعهده الآخرون من قبل.
هي «أول سيدة أولى»، وقبلها كانت «أول سيدة ثانية». تتمرد على «كتالوج الحياة» في البيت الأبيض، وأصرت على أن تعمل بأجر في التدريس ومساعدة أصحاب المشاكل النفسية حتى وإن كانت السيدة الأولى لدولة يبلغ ناتجها القومي نحو 20.4 تريليون دولار سنوياً، فعمل السيدة الأولى خارج البيت الأبيض لم تعرفه واشنطن خلال حكم 46 رئيساً، فهي تؤمن بقيمة العمل، ومنذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها ظلت تعمل من أجل «الاستقلال المالي»، والاعتماد على النفس، وتطوير الذات، وبناء القدرات حتى لو تطلّب ذلك أن تعمل «نادلة» في مطعم صغير، كما قالت الموسوعة الدولية، ويكيبيديا.
طراز إنساني فريد
كل معاييرها في الحياة تقول إنها نموذج لامرأة تؤمن بأنه «لا يستحق أن يولد من عاش لنفسه فقط»، هي صانعة الأمل لكل من حولها، وهي الدعم والمدد عندما تحل الشدائد وتتكاثر الأزمات، ترى بعمق ما وراء القشور، لذلك أول شيء جذب انتباهها في زوجها أنه «رجل نبيل ومحترم» كما قالت لوالدتها عندما عرفتها به قبل أن تتزوجه عام 1977، وعن هذا اليوم الذي التقت فيه بزوجها الذي يكبرها بتسع سنوات قالت: «تعرفت على زوجي من خلال أخي... كان الشباب وقتها يرتدون البناطيل الجينز والصنادل والقمصان القطنية، ثم وصل هو إلى باب بيتنا مرتدياً جاكيت رسمياً وحذاء جلدياً، فقلت لنفسي: يا إلهي، لن نتفاهم ولا حتى بعد مليون سنة» لكنني خرجت معه وشاهدنا فيلم رجل وامرأة في فيلاديلفيا.. وتزوجته في نيويورك عام 1977 بعد أن تقدم للزواج 5 مرات كاملة، وأنجبنا أشلي «ابنتها الوحيدة» عام 1981 «وفق ما نقلت عنها مجلة فوغ».
وفي ظل ثقافة غربية ترفض الإنجاب في سن مبكرة أو إنجاب طفل واحد على الأكثر، قبلت وهي في سن السادسة والعشرين أن تقوم بتربية ولدين «بو، وهانتر» لزوجها من زوجته الراحلة في حادث سيارة عام 1972، وهو ما يؤكد أنها سيدة فريدة، ومن طراز إنساني خاص، ظلت تدعم زوجها دون كلل أو ملل في مسيرته العملية والإنسانية، فكانت زوجة مثالية عندما فشل زوجها مرتين في الانتخابات التمهيدية للانتخابات الرئاسية الأمريكية عامي 1988 و2008، وظلت مؤمنه به وبقدراته وبفرصته حتى نجح وأصبحت هي السيدة الأولى للبيت الأبيض منذ 20 يناير2021، وعندما توفي ابنها «بالتربية» وابن زوجها «بو» عن 46 عاماً في 31 مايو 2015، كانت الوحيدة القادرة على دعم زوجها الذي كان وقتها نائباً للرئيس الأمريكي.
ورغم أنها ظلت السيدة الثانية لفترتين رئاسيتين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما منذ 2009 حتى يناير 2017، إلا أنها فاجأت الجميع خلال الشهور السابقة بأدوارها خارج البيت الأبيض، وهي الأدوار التي لا تتعلق بعملها المعروف في التدريس والجامعة، بل بأدائها لأدوار سياسية عجز رموز السياسة الأمريكية عن القيام بها في الوقت الحالي، خاصة في ملفات مستعصية مثل أوكرانيا والهجرة من دول أمريكا الجنوبية.
سيدة أولى في «ساحة حرب»
إنها «جيل بايدن Jill Biden» التي وصف الرئيس جو بايدن نفسه أثناء جولته الأوروبية الأولى في يونيو 2021 بأنه (زوج جيل)، التي تتمتع بشجاعة وبشفافية غير معهودة... عندما احتضنت أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني في مدرسة بغرب أوكرانيا، قالت جيل بايدن، التي هي أول سيدة أمريكية أولى تزور ساحة حرب: «أردت أن أحضر في عيد الأم، هذه الحرب يجب أن تتوقف... وهذه الحرب وحشية، شعب الولايات المتحدة يقف إلى جانب شعب أوكرانيا». بحسب شبكة «سي إن إن».
هذه الكلمات البسيطة كان لها قوة كبيرة لدى العائلات الأوكرانية وخاصة الأمهات اللاتي قررن البقاء في أوكرانيا وعدم المغادرة، وهي زيارة شكلت البديل السياسي لرفض المخابرات الأمريكية زيارة الرئيس بايدن لأوكرانيا، واكتفت أن يكون الرئيس الأمريكي في الجوار، في بولندا، لهذا شغلت زيارة جيل بايدن لأوكرانيا الصحافة الأمريكية التي وصفتها بأنها أول سيدة أولى - منذ عهد مارثا واشنطن، زوجة الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن- تزور ساحة حرب وتقوم بأدوار دبلوماسية غاية في التعقيد. بحسب موسوعة المعرفة.
قدرات سياسية
جيل بايدن التي تبدأ عامها الثاني والسبعين في 3 يونيو الجاري، والتي حصلت على الدكتوراه في القيادة التربوية من جامعة ديلاوير بعد حصولها على درجتين في الماجستير، كشفت الأسابيع الماضية أن لديها مهارات دبلوماسية و مفردات لغوية أرقى من عدد كبير من الدبلوماسيين الحاليين والسابقين، تجعلها أنجح بكثير من نائبة الرئيس كامالا هاريس في معالجة الملفات السياسية المستعصية، فالسيدة الأولى تتمتع بمهارات اتصال وتواصل غير مسبوقة لأمثالها من سيدات البيت الأبيض، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بالمقارنة بين نتائج زيارة كامالا هاريس للمكسيك وجواتيمالا في يونيو 2021، والنتائج التي حققتها جيل بايدن الشهر الماضي، فالنتيجة الوحيدة لزيارة كامالا هاريس حول ملف الهجرة كانت الفشل بامتياز، بحسب وصف شبكة فوكس نيوز، بينما نجحت جيل بايدن في تغيير نمط الحديث حول هذه الأزمة التي تلقي بظلالها على حظوظ الحزب الديمقراطي الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، فعندما كلف الرئيس بايدن نائبته كامالا هاريس في مارس 2021 بملف الهجرة غير الشرعية ذهبت برسالة صادمة إلى دول أمريكا اللاتينية تقول «لا تأتوا إلينا» وهو ما شكل رسالة سلبية شديدة عن صورة الحزب الديمقراطي الذي يقدم نفسه بأنه ليبرالي ومدافع عن حقوق المهاجرين، وساهمت هذه الرسالة في تدفق الآلاف على الحدود الأمريكية المكسيكية، لكن عندما قامت جيل بايدن بزيارة 3 دول من أمريكا الجنوبية هي الإكوادور وبنما وكوستاريكا، كانت رسالتها مختلفة وهي «ابقَ مكانك وسوف تجني ثمار العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية». بحسب ما نقل بوليتيكو.
حكمة بلاغية
لكن أكثر من لفت الانتباه لما قالته جيل بايدن في جولتها الأخيرة التي استغرقت 6 أيام في أمريكا اللاتينية، أن رسالتها كانت مزدوجة وواضحة وقوية بشكل غير مسبوق، ففي الوقت الذي تشيع البهجة والأمل بكلمات دبلوماسية ناعمة، تتحدث دائماً عن قوة المستقبل وقيمة الشراكة والتعاون مع بلادها، وتعيد على مستمعيها دائماً بأن حجم وقوة ونفوذ الولايات المتحدة قيمة كبيرة يجب أن تكون مصدر حرص شديد من جانب الجميع، فهي التي تقول دائماً «بمفردك يمكنك فقط أن تفعل الكثير... كيف سيكون الأمر عندما نعمل معاً؟ يمكننا أن نجعل دولنا وعالمنا أقوى وأفضل»، ولهذا أصبحت مكانة وأدوار جيل بايدن ذات تأثير إيجابي كبير في مجال الدبلوماسية عالية المخاطر، لأن هناك قبول عام بأن لديها الجاذبية والنفوذ للقيام برحلة إلى منطقة حساسة بحسب كيت أندرسن بروير، مؤلفة كتاب (قوة السيدات الأوائل في أمريكا). المؤكد أن جيل بايدن التي أسست منظمة بايدن غير الربحية لصحة الثدي، وشاركت في تأسيس برنامج أصدقاء الكتاب، لم يمض على بقائها كسيدة أولى في البيت الأبيض سوى أقل من عام ونصف، وهو ما يقول إننا سوف نكون أمام سيدة أولى من نوع ونوعية مختلفة في السنوات المقبلة خاصة لو فاز زوجها بولاية ثانية.
جيل بايدن الآن هي زوجة وأم ولها نشاط اجتماعي لدعم أجندة زوجها السياسية في الداخل، وتحل ملفات معقدة مثل الهجرة في أمريكا الجنوبية، وتذهب بنفسها لساحة الحرب في أوكرانيا، وتواصل عملها في التدريس الذي تقول عنه «إن التدريس ليس عملي.. بل إنه أنا».