جسدت الجولة الآسيوية الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى كوريا الجنوبية واليابان رغبة أمريكية واضحة في مزيد من التنافس مع الصين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
فعلى الصعيد العسكري، أكدت الولايات المتحدة جاهزيتها للدفاع عسكرياً عن تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من الأراضي الصينية، بالإضافة إلى تدشين ودعم الولايات المتحدة لعدد من التحالفات العسكرية التي تستهدف الصين منها «الأوكوس» و«الكواد» و«الكواد بلس» و«العيون الخمس»، ناهيك عن كشف الخارجية الصينية أن الولايات المتحدة باعت لتايوان أسلحة بنحو 70 مليار دولار.
وكان من النتائج العسكرية المباشرة لهذه الزيارة إعلان اليابان الجمعة الماضي زيادة الميزانية العسكرية إلى نحو 60 مليار دولار، وهي بذلك تقترب من الإنفاق الروسي لعام 2021 الذي قارب 65 مليار دولار، بحسب معهد ستوكهولم للسلام. كما أن الشراكات الاقتصادية التي أعلن عنها بايدن خلال زيارته للمنطقة خاصة الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، الذي يضم 13 دولة، تفرض تحدي جديد على الصين، فرغم عدم ارتقاء الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ إلى مرتبة اتفاقيات التجارة الحرة، فإنه يتحدى الصين في 4 مجالات حيوية هي: سلاسل الإمداد، والطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي.
بدأت بالفعل البوادر العملية لزيارة بايدن الآسيوية، الذي تمثل في اتفاقيات التصنيع المشترك لـ«أشباه الموصلات» وإعلان الشركات الكورية واليابانية العملاقة ضخّ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي، منها إعلان شركة هيونداي الكورية الجنوبية بأنها سوف تستثمر في الولايات المتحدة 5 مليارات دولار.
وفي المجال السياسي، تطرح الولايات المتحدة نفسها كبديل عن الصين، ويقول بايدن منذ دخوله للبيت الأبيض، إن تحالفات واشنطن تقوم على الشراكة في القيم، والاقتصاد الحر، والشفافية الاقتصادية، والحفاظ على الملكية الفكرية، ولهذا عززت الولايات المتحدة علاقاتها مع دول المحيطين التي لها خلافات حول المناطق الاقتصادية البحرية أو خلافات تجارية ومشاكل الصيد البحري مع الصين مثل دول بحر الصين الجنوبي، ومنها فيتنام والفلبين وسنغافورة وإندونيسيا.
اقرأ أيضاً.. ولاية نبيه بري السابعة.. أكثرية حزب الله مبعثرة وتحالفات في «حدها الأدني»
أمام كل هذه التحديات والمنافسة الثلاثية السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما هي خيارات الصين للتعامل مع كل هذه التحديات؟ وهل التنين الصيني جاهز للمنافسة مع واشنطن الغربيين أو الآسيويين؟
تخطط الصين منذ فترات طويلة لإيجاد أفضل الطرق للتعامل مع هذه التحديات بمستوياتها المختلفة، لهذا تعمل على 5 مسارات بشكل متوازٍ وهي:
أولاً: عدم المشروطية السياسية
أقوى الأوراق التي تملكها الصين في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والآسيويين هي عدم وضع أي شروط سياسية من ناحيتها للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني مع مختلف دول العالم، فبحسب صحيفة «تشاينا مورينج» الصينية تصنف الولايات المتحدة العالم إلى «أشرار وأبرار»، ودول ديمقراطية وأخرى استبدادية، ويضع الكونغرس شروطاً لا نهائية لبيع السلاح والتعاون التجاري، بينما الصين لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
ثانياً: مبادرة مقابل مبادرة
الصين تطرح الآن مبادرة لجيرانها الآسيويين ودول المحيط الهندي والهادئ تنافس بها الخطط والمقترحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة وأستراليا، وتعمل على عقد اتفاقيات أمنية وعسكرية طويلة المدى مع 10 دول في المحيط الهادئ، تشمل التعاون في مجالات الشرطة والأمن واتصالات البيانات، وهي خطة يروّج لها حالياً وزير الخارجية الصيني وانج يي الذي بدأ في 30 مايو 2022 زيارات إلى دول المحيط الهادئ تستمر حتى 4 يونيو من العام الجاري، وفق المتحدث باسم الخارجية الصينية وانج ونبين، الذي قال «إن الصين ودول جنوب المحيط الهادئ صديقة وشريكة، في إطار احترام متبادل ومساواة ومنفعة متبادلة وتنمية مشتركة.. لا أتفق إطلاقاً مع الحجة القائلة بأن التعاون بين الصين ودول جزر جنوب المحيط الهادئ، سيثير حرباً باردة جديدة».
ولا تريد أستراليا والولايات المتحدة تمرير زيارة وزير الخارجية الصيني للجزر في المحيط الهادئ دون توجيه مزيد من الانتقادات للصين، حيث تتزامن زيارته مع زيارة وزيرة الخارجية الأسترالية الجديدة، بيني وونج للمنطقة، والتي قالت إن أستراليا تريد المساعدة في بناء أسرة أكثر قوة في المحيط الهادئ، وجلب طاقة جديدة ومزيد من الموارد إلى المحيط الهادئ.ثالثاً: الاقتراب من الحدائق الخلفية
أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لمنطقة الخليج منذ عام 2019، بعد أن زادت معدلات التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست من 68 مليار دولار عام 2009 إلى نحو 190 مليار دولار عام 2019، بنسبة زيادة تصل إلى 181%، وبهذا أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج، حسب بيانات «الأونكتاد» التي قالت إن المجلس أصبح سابع شريك تجاري للصين في العالم، وإنه يشكّل 66% من التجارة الصينية العربية.
نفس السيناريو تكرر مع دول أمريكا اللاتينية التي عززت علاقاتها التجارية مع الصين على حساب العلاقات التاريخية والتجارية مع واشنطن. وأصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول لأمريكا اللاتينية. ففي عام 2018 بلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي نحو 306 مليارات دولار أمريكي، كما بلغ إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي في نفس العام نحو 129.8 مليار دولار أمريكي.
اقرأ أيضاً.. جونسون يدافع عن «فضيحة الحفلات»: أخطأت واعتذرت
وفي الوقت الذي تحوم الشكوك حول نجاح قمة الأمريكتين في لوس أنجلوس أوائل شهر نوفمبر المقبل، نجحت الصين في تعزيز علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية خاصة كوبا وفنزويلا والبرازيل الدولة العضو في مجموعة البريكس مع الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا. وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ أمريكا اللاتينية 11 مرة منذ عام 2012، بينما ذهب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبق إلى هناك 12 مرة، ولم يذهب دونالد ترامب سوى مرة واحدة، وجو بايدن لم يزُر أمريكا الجنوبية على الإطلاق حتى الآن. كما كانت الصين أكثر سخاء في توزيع اللقاحات على شعوب أمريكا اللاتينية من الولايات المتحدة التي ظلت تعاني عامي 2020 و2021 من تداعيات الجائحة.
رابعاً: حان وقت الفيتو
منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، كانت مواقف الصين حول الكثير من القضايا الدولية لا تتعارض كثيراً مع الولايات المتحدة، وكانت الصين تستخدم حقها في النقض «الفيتو» في حدود ضيقة للغاية، لكن مع نهاية جولة بايدن الآسيوية وحديث الصين الصريح عن خياراتها الاستراتيجية ومصالحها الوطنية ورفضها الأجندة الأمريكية والغربية في المحيطين، أعلنت الصين بوضوح أنها ضد الموقف الأمريكي من كوريا الشمالية، واستخدمت حق «الفيتو» ضد مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن يوم 26 مايو الجاري، ما أوقف عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية التي عادت للإطلاق الصواريخ البالستية والعابرة للقارات.
خامساً: تحالفات غير معلنة
رغم أن الدوريات المشتركة بين القاذفات الاستراتيجية الصينية والروسية بدأت منذ عام 2019، فإن الصين أظهرت موقفاً سياسياً وعسكرياً قريباً جداً من روسيا عندما أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 24 مايو 2022 أن القاذفات الاستراتيجية طراز «تو-95 أم أس» و«خون-6 كا» قامت بدورية جوية مشتركة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الذي تزامن مع عقد الرئيس الأمريكي في طوكيو قمة كواد مع قادة الهند واليابان وأستراليا، وهو أول عمل عسكري صيني روسي مشترك منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا. فالرسالة هي أن بكين مستعدة لمزيد من الخطوات التصعيدية ضد واشنطن، بحسب «فورين أفيرز».