الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

مراكز التسوق في موسكو تتحول لساحات أشباح

مراكز التسوق في موسكو تتحول لساحات أشباح

مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 فبراير الماضي بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، بدت الأزمة بعيدة عن الأراضي الروسية، لكن في غضون أيام، عاد الصراع إلى موسكو - ليس بصواريخ كروز ومدافع الهاون، ولكن في شكل وابل واسع وغير مسبوق من العقوبات الغربية التي طالت الاقتصاد وعطَّلت مفاصل الدولة.

مظاهر الخراب

وقالت وكالة الأسوشييتد في تقرير لها إن عشرات الآلاف من الوظائف التي كانت آمنة قديماً أصبحت الآن موضع تساؤل في وقت قصير جداً، بعدما تحولت مراكز التسوق الضخمة في موسكو إلى ساحات أشباح خالية من المارة والباعة الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية على إغلاق محالهم، فضلاً عن هجرة الشركات الدولية للأراضي الروسية اعتراضاً على العملية العسكرية، والتي كان من بينها شركة ماكدونالدز «تم افتتاحها في روسيا عام 1990» وشركة «إيكيا».

هجرة رؤوس الأموال

وأشار التقرير إلى أن هجرة رؤوس الأموال طالت كبار اللاعبين الصناعيين في روسيا بما في ذلك عمالقة النفط «بي بي» و«شل» و«رينو» الذين أعلنوا انسحابهم من السوق الروسية رغم استثماراتهم. وقدرت شركة شل خسارة تصفية نشاطها في روسيا بنحو 5 مليارات دولار.

وفي الوقت الذي كانت تغادر فيه الشركات متعددة الجنسيات البلاد، يسعى الآلاف من الروس الذين يمتلكون رؤوس الأموال إلى الفرار أيضاً من البلاد خوفاً من التحركات الحكومية القاسية المرتبطة بالحرب، في وقت هاجر فيه الكثير من الشباب خوفاً من أن يفرض الكرملين تجنيداً إلزامياً لتغذية آلته الحربية.

وحظرت دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، إلى جانب الولايات المتحدة وكندا، الرحلات الجوية من وإلى روسيا، وأضحت العاصمة الإستونية، تالين، التي كانت ذات يوم وجهة سهلة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع الطويلة على بعد 90 دقيقة بالطائرة من موسكو، أضحت تستغرق فجأة 12 ساعة على الأقل للوصول إليها عبر إسطنبول.

وتقلص السفر غير المباشر عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للروس، حيث حظرت روسيا في مارس فيسبوك وإنستجرام، وأغلقت الوصول إلى مواقع وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك BBC و Voice of America الممول من الحكومة الأمريكية وراديو Free Europe / Radio Liberty وشبكة الإذاعة الألمانية Deutsche Welle.

وبعد أن أصدرت السلطات الروسية قانوناً يدعو إلى السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً حال نشر أخبار كاذبة عن الحرب، أغلقت السلطات العديد من وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة أو أوقفت عملياتها، ومن بين هؤلاء إذاعة Ekho Moskvy وصحيفة Novaya Gazeta، التي تقاسم محررها ديمتري موراتوف جائزة نوبل للسلام.

كلفة نفسية

وأشار التقرير إلى أن الكلفة النفسية للقمع والقيود وتقلص الفرص، كبيرة جداً على رجل الشارع الروسي، وأنه رغم إشارة بعض استطلاعات الرأي العام في روسيا إلى وجود دعم قوي للحرب في أوكرانيا، إلا أنه من المحتمل أن تكون تلك النتائج محرّفة ولا تعبر عن الواقع في ظل التزام الكثيرين بالصمت والخوف من التعبير عن آرائهم الحقيقية.

وقال أندريه كوليسنيكوف من مركز كارنيجي في موسكو، إن المجتمع الروسي في الوقت الحالي يسوده «الخضوع العدواني» وإن تدهور الروابط الاجتماعية يمكن أن يتسارع، مشيراً إلى أن الشخص الذي لديه رأي مختلف يعد «خائناً»

عواقب اقتصادية

في الأيام الأولى من الحرب، فقد الروبل الروسي نصف قيمته، لكن جهود الحكومة لدعمه رفعت قيمته في الواقع إلى أعلى من مستواه قبل اندلاع الصراع، ولكن فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي فالأمر مختلف تماماً، كما قال محلل الاقتصاد الروسي المخضرم في Macro-Advisory، كريس ويفر.

وأشار ويفر في حديثه لوكالة أسوشيتد برس إلى أن الاقتصاد الروسي يشهد مرحلة ضعف ووهن كبيرة «نرى تدهوراً في الاقتصاد الآن عبر مجموعة واسعة من القطاعات.. تحذر الشركات من نفاد مخزون قطع الغيار لديها.. الكثير من الشركات تشغل عمّالها في عمل بدوام جزئي وآخرون يحذرونهم من أنهم مضطرون للإغلاق كلياً، لذلك هناك خوف حقيقي من ارتفاع معدلات البطالة خلال أشهر الصيف، وانخفاض الاستهلاك ومبيعات التجزئة والاستثمار».

وقال ويفر إن المتعاملين مع موسكو يتلقون عائداتهم بعملة أجنبية من المصدرين في حين تكون مدفوعاتهم بالروبل، لذا فكلما كان الروبل أقوى، كان ذلك يعني أنه يتعين عليهم إنفاق أموال أقل، وهذا يجعل المصدرين الروس أقل قدرة على المنافسة، لأنهم أغلى ثمناً على المسرح العالمي.

اقرأ أيضاً.. قطر تتسلم مقاتلات تايفون في أغسطس

وأضاف أنه إذا استمر الصراع، فقد تخرج المزيد من الشركات من روسيا، مشيراً إلى أن الشركات التي علَّقت عملياتها قد تتراجع في قرارها حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وعودة السلام لأوكرانيا.

وأضاف: «إذا كنت تتجول في مراكز التسوق في موسكو، يمكنك أن ترى أن العديد من متاجر الأزياء، ومجموعات الأعمال الغربية، قد أزالت أبوابها ببساطة.. أرففهم ما زالت ممتلئة، والأنوار ما زالت مضاءة، إنهم ببساطة لم ينسحبوا بعد.. هم ينتظرون ليروا ما سيحدث بعد ذلك».