الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

«التصعيد مقابل التصعيد».. 3 سيناريوهات أمام بوتين لاستخدام النووي التكتيكي

«التصعيد مقابل التصعيد».. 3 سيناريوهات أمام بوتين لاستخدام النووي التكتيكي

تتصاعد احتمالات لجوء روسيا في حرب أوكرانيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، لا سيما بعد تهديد موسكو الولايات المتحدة ومعسكر الغرب بـ«عواقب لا يمكن التنبؤ بها» حال مواصلة إمداد أوكرانيا بأسلحة متطورة. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز: «لا يمكننا الاستخفاف باحتمال لجوء بوتين للأسلحة النووية التكتيكية». ورغم مناقشة الكرملين خيار السلاح غير التقليدي أكثر من مرة، إلا أن الضلوع في مواجهة نووية مع موسكو هو الملاذ الأخير بالنسبة لواشنطن أو الناتو، ويتوجَّب على بايدن حينئذ، حسب توصيات البنتاغون والـCIA، مقاومة التحريض على الرد بالمثل، وتفادي خيارات تفضي إلى تبادل نووي متصاعد، وفي المقابل حشد دول العالم لإدانة بوتين بعد كسر المحرمات النووية، أو اقتصار الرد – إذا لزم الأمر – على استخدام وسائل غير حركية مثل الحرب الإلكترونية، وفي الغالب ترتكز العقيدة القتالية الروسية على قاعدة «التصعيد لوقف التصعيد»، وهو ما يؤشر إلى احتمالية لجوء بوتين إلى النووي التكتيكي، للحيلولة دون الاستمرار في إمداد الأوكرانيين بقوافل وجسور الأسلحة؛ لكن اعتماد موسكو لتلك الفرضية يطرح علامات استفهام حول الخيارات المتاحة أمام استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية، التي يطلق عليها «ساحة المعركة»، أو «المسرح» لتمييزها عن الأسلحة النووية الاستراتيجية الأكثر قوة وفتكاً.

الطلقة التحذيرية

وتضع صحيفة «بوليتيكو» تصوراً للسيناريوهات التي تغالب رأس بوتين لتفعيل خيار التكتيك النووي وانفلات «الطلقة التحذيرية» من معقلها، خاصة أن أصغر سلاح تكتيكي لدى الترسانة النووية الروسية يزيد في حجمه على ثلث قنابل جزيرة هيروشيما أو ناجازاكي اليابانيتين، أو ما يعادل 5 آلاف طن من مادة TNT. وخلال الحرب الباردة، كانت تلك الأسلحة تنصهر في عدة أشكال من بينها: قنابل الجاذبية، ورؤوس الصواريخ قصيرة المدى، والصواريخ المضادة للطائرات، وصواريخ جو – جو، وجو - أرض، والطوربيدات المضادة للسفن والغواصات.

أما السيناريو الأول وهو الأقل استفزازاً، حسب تعبير الصحيفة الأمريكية، فيقتصر على إجراء تجارب نووية عن بُعد فوق سطح الأرض عبر تفجير رأس نووي متواضع القوة فوق منطقة «نوفايا زيمليا»، وهى أرخبيل في المحيط المتجمد الشمالي شمال روسيا وأقصى شمال أوروبا الشرقية، وهو أيضاً ذات موقع التجارب النووية السوفييتية القديم.وفي حين لن يفضي هذا النوع من التجارب عن ضرر فعلي أو تساقط إشعاعي كبير، لكن تأثيره النفسي سيصبح هائلاً، لا سيما أنه يعد حينئذ أول انفجار نووي من جانب قوة عظمى منذ انتهاء التجارب النووية في 1992؛ وأول قنبلة يتم تفجيرها في الغلاف الجوي بعد حظر مثل هذه التجارب بموجب معاهدة 1963؛ فضلاً عن إنعاشه ذاكرة العالم بوفرة الأسلحة النووية التكتيكية التي يمتلكها بوتين والتي تقدر بـ2000 رأس، حسب آخر إحصاء.

إقرأ أيضاً..تحذير أممي: 800 مليون شخص يعانون من الجوع

ويدور السيناريو الثاني حول انفجار نووي في غلاف أوكرانيا الجوي، وهو السيناريو الأكثر استفزازاً في تقدير خبراء الحروب غير التقليدية؛ فخلال تجربة أجرتها في 1962، فجَّرت الولايات المتحدة قنبلة هيدروجينية بقوة 1,4 ميغا طن وسط المحيط الهادئ على بعد 250 ميلاً فوق سطح الأرض، وأسفرت النبضات الكهرومغناطيسية الناجمة عن الانفجار في تعطيل إنارة الشوارع، وتعطيل خدمة الهاتف في هاواي على بعد 900 ميل، ويشير خبراء استنطقتهم «بوليتيكو» إلى أن حدوث انفجار قوي مماثل فوق كييف لن يكون مذهلاً من الناحية المرئية فحسب، بل من المحتمل أن يغرق العاصمة في ظلام دامس وصمت طويل عبر إخراس أجهزة الكمبيوتر، والهواتف المحمولة، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية؛ ومن غير المستبعد تمدد التأثيرات الكهرومغناطيسية إلى الدول الأعضاء في حلف الناتو، أما مدى الضرر الناجم عن النبض فلا يمكن التنبؤ به، فضلاً عن إمكانية تأثر شبكات الاتصالات الروسية هي الأخرى.

الأكثر خطورة

السيناريو الثالث والأخير، حسب الصحيفة الأمريكية، هو الأكثر خطورة، وربما الأقل احتمالاً لهذا السبب، ويدور حول استخدام سلاح نووي تكتيكي لتحقيق هدف عسكري ملموس مثل تعطيل تسليم الأسلحة إلى الأوكرانيين الذين يقاتلون في مدينة مثل ماريوبول، بدلاً من ذلك، قد يفجر بوتين رأساً نووياً تكتيكياً ضد أهداف عسكرية أو لوجستية غرب أوكرانيا ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ومنها على سبيل المثال الأراضي الزراعية الواقعة بين مدينتي لفيف وكييف، ورغم أنه من المقرر أن يحذر بوتين، وفقاً للسيناريو، سكان المنطقة المستهدفة من البقاء فيها، إلا أن أصغر سلاح نووي تكتيكي روسي يمكنه حينذاك إشعال النيران في منطقة واسعة إذا تم تفجيره في الهواء.ونظراً لارتفاع الانفجار، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى انتشار التساقط الإشعاعي العالق، وربما يمتد ذلك إلى الدول الأعضاء في الناتو وروسيا نفسها. أما إذا آثر بوتين تفعيل الخيار الثالث مع مدينة أوكرانية غير نائية، فالخسائر الناجمة عن تدمير المدينة قد تضاهي نظيرتها في اليابان بعد إسقاط قنابل نووية على جزيرتي هيروشيما وناجازاكي.

إقرأ أيضاً..الجيش الأمريكي يواجه نقصاً في طائرات «الإنذار المبكر»

مآلات الحروب

وفي حين يستبعد مراقبون لجوء بوتين إلى أي من السيناريوهات الثلاثة – في الوقت الراهن على الأقل -، لكنها ليست مستبعدة، حسب صحيفة «بوليتيكو»، خاصة إذا استشعرت موسكو هزيمة وشيكة في حرب أوكرانيا، أو عند تصاعد سخط الروس من احتدام المعارك. ورغم افتقار بوتين إلى أسباب منطقية للشروع في استخدام الأسلحة النووية، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بمآلات الحروب، لاسيما في ظل السوابق التاريخية التي تؤكد ذلك؛ ففي مايو 1945، وقبل أسابيع من التجربة الناجحة على أول قنبلة نووية في نيو مكسيكو، درس مستشارو الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان إمكانية تفعيل خيار السلاح النووي التكتيكي لإجبار اليابان على الخضوع والاستسلام.وخلال أزمة برلين في 1961، تلقى الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي اقتراحاً بإطلاق صاروخ يحمل رأس نووية على منطقة «نوفايا زيمليا» السوفييتية لاستعراض القوة الأمريكية. ورغم دراسة الإدارة الأمريكية في حينه المقترح بجديَّة، إلا أن كيندي تراجع عنه في اللحظات الأخيرة. وفي مايو 1967، اقترح شيمعون بيرز حينئذ تفجير سلاح نووي تكتيكي في سماء شبه جزيرة سيناء لتفادي اندلاع حرب تقليدية بين إسرائيل والمصريين؛ وفي 1973 تكرر المقترح الإسرائيلي لإجبار المصريين على وقف حرب أكتوبر المعروفة إسرائيلياً بحرب «يوم الغفران». وفي 1981، مع اشتعال الحرب الباردة مجدداً، جنح وزير الخارجية الأمريكي ألكسندر هيغ – القائد الأعلى السابق لحلف الناتو – إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي، وقال حينئذ إن «هناك خطط طوارئ لدى حلف الناتو تتيح إطلاق سلاح نووي تكتيكي».