الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

أزمة الطاقة.. هل يعصف «الاستثناء الأيبيري» بوحدة أوروبا؟

أزمة الطاقة.. هل يعصف «الاستثناء الأيبيري» بوحدة أوروبا؟

الاستثناء قد يجعل من إسبانيا والبرتغال «جزيرة معزولة عن أوروبا في مجال الطاقة».

يبدو أن تداعيات أزمة الطاقة التي تواجه أوروبا لن تقتصر على الارتفاعات الكبيرة في أسعارها وانعكاس ذلك على معدلات التضخم وأداء الاقتصاد ككل، وإنما ستمتد إلى طبيعة العلاقات التي تربط بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها.

انقلاب دبلوماسي

ففي تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، تحدث المحلل الفرنسي ليونيل لوران عما سماه بـ«الانقلاب الدبلوماسي» الذي نفذته إسبانيا والبرتغال من خلال تحالف جديد بينهما لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة. فهذا التحالف ليس موجهاً فقط ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحاول خنق مستوردي الطاقة الأوروبيين، وإنما ضد شركاء الدولتين في الاتحاد الأوروبي نفسه.

ويقول لوران إن التحالف الإسباني البرتغالي يمكن أن يوفر على المدى القصير حماية للإسبان والبرتغاليين الغاضبين بشدة من معدلات تضخم الأسعار والذين احتجوا بكثافة عليه في مظاهرات يوم العمال في الأول من مايو الحالي. لكن على المدى الطويل سيؤدي هذا التحالف إلى تصدعات في جدار الوحدة الأوروبية.

الاستثناء الأيبيري

حصلت الدولتان في الأسبوع الماضي على ما يسمى «الاستثناء الأيبيري» الذي يتيح عزل أسعار الكهرباء في شبه جزيرة أيبيريا، حيث تقع الدولتان، عن الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي في باقي دول الاتحاد الأوروبي، حيث تمتلك الدولتان موارد واسعة في مجال الطاقة المتجددة.

ووصف رئيس وزراء البرتغال أنطونيو كوستا هذا الاتفاق الذي يتيح لبلاده وضع حد أقصى لأسعار الكهرباء قدره 50 يورو (55ر52 دولار) لكل ميجاوات/ساعة وهو يخفض قيمة فاتورة استهلاك الكهرباء بالنسبة لنحو 40% من المستهلكين في شبه جزيرة أيبيريا بمقدار النصف تقريباً، بأنه «إنجاز عظيم».

وبالنظرة الأولى، لا يبدو أن هذا الاتفاق أو الإجراء الموصوف بـ«المؤقت» مختلف كثيراً عن قيام دول أخرى في الاتحاد الأوروبي برصد مليارات اليورو لحماية المستهلكين ومن الأسر والشركات من تأثيرات ارتفاع أسعار الطاقة، في أعقاب انحسار جائحة فيروس كورونا المستجد، ولكن في الوقت نفسه، فإنه يؤكد عمق الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي في قطاع الطاقة، في الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد تبني موقف موحد ضد روسيا.

جزيرة معزولة

فمن ناحية، تعتبر هذه الخطوة كبحاً لتحرك الاتحاد الأوروبي نحو توحيد أسواق الطاقة، في وقت تتبنى فيه السلطات التنظيمية إجراءات مثل استراتيجيات التحوط ضد ارتفاع الأسعار أو توزيع كوبونات شراء مخفضة بدلاً من التدخل الجذري في السوق. كما أن هذه الخطوة تجعل من إسبانيا والبرتغال «جزيرة معزولة عن أوروبا في مجال الطاقة»، خاصة وأن ارتباط الدولتين بسوق الاتحاد الأوروبي في هذا المجال محدود، وهو ما يعني العودة بالأمور سنوات إلى الوراء بالنسبة لملف التكامل الأوروبي في سوق الطاقة.

ويسلط «الاستثناء الأيبيري» الضوء على التحولات في آليات سوق الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي حيث يتراجع نفوذ «النموذج» الاقتصادي لألمانيا نتيجة اعتماده على الغاز الروسي الرخيص. في المقابل يشهد الاتحاد تناميا في الدور القيادي لفرنسا. كما أن إسبانيا والبرتغال اللتين كانتا يطلق عليهما، على سبيل السخرية، وصف اقتصادات «نادي المتوسط» تسجلان حالياً نمواً اقتصادياً بعد جائحة كورونا، في حين تتباطأ اقتصادات أغلب دول الاتحاد نتيجة اضطراب إمدادات الطاقة.

اقرأ أيضاً.. الناخبون يدلون بأصواتهم في الانتخابات المحلية عبر المملكة المتحدة

شمال وجنوب

ويقول رومانو ماتيو إسكوبار مدير شركة «بي بارتليت» للاستشارات إن عودة تقسيم أوروبا إلى شمال وجنوب في ملف الطاقة ستكون لها تداعيات أعمق، مضيفاً أنه إذا ظلت أسعار الطاقة في شبه جزيرة أيبيريا أقل نسبياً من باقي دول الاتحاد، فقد تنتقل الاستثمارات إليها بحثا عن الطاقة الأرخص. ويمكن أن تستغل إسبانيا والبرتغال نفوذهما لدفع الدول الأوروبي إلى الضغط من أجل الحصول على حزم التحفيز المالي من أموال مواجهة تداعيات الجائحة، وهو النموذج الذي تروج له حاليا فرنسا وإيطاليا.

وفي المقابل هناك نظرة متفائلة تقول إن «الاستثناء الأيبيري» يمكن أن يقدم مبادرات لباقي دول الاتحاد. إسبانيا تريد القيام بدور أكبر في سوق مصادر الطاقة البديلة، وزيادة الحوافز للاستثمار في مشروعات إنتاج وتخزين الطاقة المتجددة. كما يمكن للجارتين الأيبيريتين قيادة الطريق نحو توفير الطاقة إلى جانب دعمها، كما هو الحال في المباني منخفضة استهلاك الطاقة.

فرق تسد

لكن على المدى الطويل، تتزايد المخاطر التي تواجه الاتحاد الأوروبي في هذا السياق. فالدعم الحكومي لأسعار الطاقة بمثابة مخدر للمستهلكين في مواجهة تداعيات حرب بوتين. وقد يصبح من الصعب سحب هذا الدعم بعد اختفاء أسبابه. وإذا كانت هذه هي البداية لتشجيع دول الاتحاد الأوروبي على التصرف بشكل منفرد، فقد يصبح من الأسهل على بوتين استخدام مبدأ «فرق تسد» كنتيجة لذلك بحسب سيمون تاجيليابيترا من مركز أبحاث بروجيل في بروكسل. وقد ظهرت التصدعات في موقف الاتحاد الأوروبي الأوروبي من العقوبات على روسيا بالفعل.

وأخيراً يقول ليونيل لوران إنه ومع عدم توقع انحسار أزمة الطاقة قريبا، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من التكامل والإنفاق المشترك. وفي ضوء المهام العصيبة التي تواجه أوروبا بدءاً من كلفة إصلاح علاقتها في مجال الطاقة إلى تعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها عسكرياً، فإنه سيكون من الصعب إيجاد ملاذ آمن اعتماداً على الجزر المنعزلة في مجال الطاقة.