الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

حوار | محلل فرنسي: الانتخابات الرئاسية عززت مخاوف مستقبل «كرسي الإليزيه»

حوار | محلل فرنسي: الانتخابات الرئاسية عززت مخاوف مستقبل «كرسي الإليزيه»

إيمانويل ماكرون يحتفل بين أنصاره عقب فوزه برئاسة فرنسا للمرة الثانية. أ ف ب

غالبية أصوات لوبان جاءت بـ«تصويت عقابي» لسياسات ماكرون

ثمانية ملايين شخص لم يذهبوا للتصويت ومعظمهم من جيل الشباب

حاجة فرنسا تقتضي أن يكون هناك تناسق بالرؤى الدولية

فوز ماكرون ليس انتصاراً ساحقاً.. وخسارة «لوبان» جاءت بطعم الانتصار

ليبيا ولبنان أهم الملفات العربية على طاولة ماكرون.. وقضية الهجرة تحدد ملامح علاقاته بأفريقيا

أكد المحلل السياسي، والباحث في العلاقات الدولية بفرنسا، طارق وهبي، أن فوز إيمانويل ماكرون بفترة ولاية ثانية، أنقذ فرنسا في هذه المرحلة، ويساهم في تقوية الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، لكن تظل أمام ماكرون تحديات كثيرة عليه التعامل معها خلال الفترة المقبلة، أهمها الأوضاع الاجتماعية للفرنسيين، وتلبية الاحتياجات الخاصة بهم وأهمها رفع القدرة الشرائية للمواطن.وأضاف وهبي في حوار لـ«الرؤية»، أن ماكرون سيواصل انتصاره في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث سيشكل فريقاً سياسياً من عدد من الأحزاب السياسية، وهو ما سيحقق له ربما الأغلبية في البرلمان المقبل، مشيراً إلى أن عدد النواب الذي سيحصل عليه حزب ماريان لوبان، لن يتجاوز 20 نائباً.

لماذا فاز الرئيس الفرنسي ماكرون بهذه النسبة في نظرك؟ وماذا تعني؟

هذا فوز نسبي وهي نسبة أقل من تلك التي حصل عليها في عام ٢٠١٧، ولكنه فوز مهم مقابل المرشحة ماريان لوبان، التي تمثل خط التطرف والتشرذم المجتمعي الفرنسي، وهو فوز يجعلنا ندرك أن الجبهة الجمهورية أي تجمع الأحزاب الفرنسية ضد التطرف قد نجحت، ولكن ليست بالنسبة المطلوبة؛ وهذا يعود إلى أن الرئيس ماكرون لديه معارضون في المجتمع جرّاء السياسات التي اتبعها في فترة ولايته الماضية، وبالطبع سيكون هناك تحدٍّ كبير أمامه وهو انقسام فرنسا ما بين كل هؤلاء الذين صوتوا لماريان لوبان، وهؤلاء الذين غابوا عن الانتخابات، فثمانية ملايين شخص لم يذهبوا للتصويت ومعظمهم من جيل الشباب الذين حاول ماكرون كثيراً أن يجتذبهم إلى صندوق الاقتراع، وأكثر من 3 ملايين صوت أيضاً كانت إما تصويتاً أبيض، أو ملغى اعتراضاً، إذن هناك نحو 11 مليون شخص من المستكتبين على لوائح الانتخابات لم يقوموا بعملية التصويت، وهذا يجعل الرئيس بالفعل يفكر كثيراً قبل الإقدام على خطوات مقبلة، هل سيكون بوسعه في المستقبل الدفاع عن مشروعه لرفع سن التقاعد، ومد السن إلى 65 عاماً؟ هذا سيكون صعباً، ومن الصعب أيضاً أن يفرض اليوم التغييرات التي كان يريد القيام بها في المرحلة الأولى من رئاسته، هناك حسابات كثيرة عليه أن يأخذها بعين الاعتبار، وإلا سيكون الشعب الفرنسي مجدداً كما في حقبة الستر الصفراء في الشارع.

هل يلقى هذا الفوز قبولاً لدى أوروبا في نظرك؟

أوروبا دعت لإعادة انتخاب ماكرون، خوفاً من سقوط فرنسا في التيار المتطرف، فمعظم القادة الأوروبيين دعوا لإعادة انتخاب ماكرون، وخاصة أن أوروبا تأخذ حيزاً مهماً في المشروع الانتخابي له.

ما الذي يعتزم ماكرون تنفيذه في فترة ولايته الثانية؟ وما أهم السياسات التي سيسرع بها في نظرك؟

وفق برنامجه هناك مشاريع قوانين، أولها العمل على الانتهاء من تطوير الهندسة الضرائبية وربطها بأوروبا، و إصلاح نظام التقاعد، والقطاع الصحي وخاصة بعد جائحة كورونا، وتطوير القطاع الصناعي بعد أن فقدت فرنسا عدداً كبيراً من الشركات بسبب النظام الضريبي الضاغط، والاهتمام بالقطاع التربوي والجامعي، وإضافة عمود الدفاع وهذا من أهم الأهداف المستقبلية أيضاً، وتعديل بعض الاتفاقات كشينغن لدخول الأجانب والسمات الأوروبية.

كيف ستكون الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في يونيو؟ وما النسبة المتوقع أن يحصل عليها اليمين المتطرف في مقابل الأحزاب الأخرى ومنها حزب ماكرون؟

الانتخابات التشريعية مختلفة عن الرئاسية لأنها محلية وترتبط بعاملين؛ الأول: إكمال الثقة بانتخاب الرئيس وكيفية التفاعل الذي يمثله في الدائرة الانتخابية، لذلك يستطيع اليمين المتطرف أن يجمع أصواتاً على الصعيد الوطني ولكن محلياً الأمر ليس سهلاً، فالآن هناك ٧ نواب لهذا المكون السياسي ولا أعتقد أنه قد يتخطى الـ٢٠ نائباً لاحقاً، لأن صعوبة الحضور المحلي تكمن في قدرة التواصل مع الناس في إطار الشؤون اليومية، الرئيس ماكرون أيضاً سيبحث عن أغلبية موسّعة من اليسار التقليدي مروراً بالوسط حتى اليمين التقليدي، وهكذا من الممكن تشكيل فريق سياسي على مستوى الحكومة يتمتع بثقة البرلمان لتنفيذ مشاريع الرئيس، ويمكن الجزم بفوز حزب ماكرون في الانتخابات البرلمانية أيضاً، وسيكون لديه هامش من العمل، لكن بين أن يحصل حسابياً على كل هذه الأصوات، وعلى مجموعة برلمانية كبيرة، وبين أن تكون له قاعدة شعبية في الشارع الفرنسي، الأمور ستدور في هذا الملعب، بين أن يؤيده الشعب، أو أن ينزل الشعب للشارع بسبب الإصلاحات التي لن تكون شعبية في المستقبل، فالتحديات كبيرة، وبداية على ماكرون أن يشكل حكومة ائتلافية إذا أراد أن يوحد الجميع.

هل يستطيع ماكرون تشكيل هذا الفريق السياسي سريعاً؟ وما توقعاتك لنسبة تمثيله في البرلمان؟

لقد بدأ منذ خطاب الفوز بقوله إنه ينكب على دراسة الأسماء التي يدعمها للانتخابات التشريعية (577 نائباً)، والتي تبلغ الأغلبية فيه 289، ويستطيع ماكرون أن يحصل على هذا الرقم إذا تم التوافق مع كل الأطراف السياسية، حزب الجمهورية إلى الأمام (حزب الرئيس LAREM )، و حزب الحركة الديمقراطية (MoDem)، وحزب أفعل (Agir)، الحزب الراديكالي (PR)، وقد يأتي بطياته الحزب الاشتراكي والجمهوري اللذان انحسرا من عام 2017، وهذا ليس بمؤكد لهذين الحزبين ولكنه طرح عليهما العودة إلى الحياة السياسية التنفيذية.

ماكرون قال عقب فوزه إنه سيجعل فرنسا أكثر استقلالية وأوروبا أكثر قوة.. ماذا يعني؟ وكيف يتحقق ذلك في نظرك؟

الاستقلالية يقصد بها دعوة الشركات الصناعية التي تركت فرنسا جرّاء حجم الضرائب عليها، هو أعاد استخدام مصطلح «أنتج في فرنسا»، استقلالية يقصد بها الاكتفاء الذاتي، فيما يعني بـ«أوروبا» أكثر قوة، البحث عن تعميق التفاهم الأوروبي حول المشاريع الهادفة إلى الانتفاع الأوروبي والعمل على أن تتكلم أوروبا بصوت وجناح أمني عسكري واحد يدعمها إذا احتاجت لذلك، والأهم العمل على إبعاد شبح أي بريكست جديد، لأن ذلك يضر بمستقبل الاتحاد الأوروبي، وأن علاقات أوروبا خصوصاً مع روسيا عليها أن تتطور، فأزمة أوكرانيا عرّت الأمن الأوروبي الجماعي، وبرهنت على مدى الحضور الأطلسي في هذا الشأن.

كيف تقرأ نسبة الامتناع عن التصويت التي وصلت إلى ٢٨% في الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟

نسبة العزوف لها أسباب عدة أهمها أن المجتمع الفرنسي غير راضٍ عن المرشحين اللذين وصلا إلى النهائي، ولكن هناك أيضاً تأفف من عدم الإجابة السياسية للمشاكل الاجتماعية في الحياة اليومية الفرنسية.

ما أهم الخلافات ومواطن الغضب داخل الشعب الفرنسي التي يجب أن يتعامل معها ماكرون؟

القدرة الشرائية هي وفق استطلاعات الرأي المطلب الأول لدى الفرنسيين، وماكرون أجاب على ذلك بما أسماه شيكاً اجتماعياً على صعيد المواد الغذائية والنفط وحتى المساعدات الاجتماعية، المالية العامة الفرنسية تعاني ديناً عالياً، وكيفية سداده ترتبط بالضرائب، وأي اقتراح لزيادة الضرائب، سيكون بمثابة فتح حرب اجتماعية في فرنسا.

إقرأ أيضاً..أمريكا بين المطرقة والسندان..هل تعود لـ«نووي إيران» أم تحافظ على الحلفاء؟

كيف تقيم النسبة التي حصلت عليها لوبان ٤١%؟ وهل هذا القطاع الواسع من الممكن أن يتسبب في أي من الاضطرابات لماكرون؟

لا يمكن أن نقول إن ٤١٪ من الشعب الفرنسي متطرف، ولكن هناك أكثر من نصفهم ذهبوا ليعبروا عن رفضهم لسياسات ماكرون وما يمثله في المشهد السياسي الفرنسي، ثانياً هذه النسبة تأثرت بوقف شيطنة السيدة مارين لوبان، التي قام بها مرشحون كزيمور، وتوسيع قاعدة الناخبين بمشروعها الشعبوي الاجتماعي، أخيراً هناك إمكانية لاضطرابات، فخسارة ماريان لوبان هي خسارة بطعم الانتصار، لأنها تقدمت بـ7 نقاط عن حصيلتها في آخر انتخابات رئاسية عام 2017، وأمام الرئيس ماكرون، نعم اليمين المتطرف تقدم في فرنسا، وهناك خشية من الانتخابات القادمة بعد 5 سنوات أن يتابع تقدمه، وقتها سيكون الخطر فعلياً ليس فقط على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً على الجمهورية نفسها لأنها في هذه الحالة ستختلف تماماً، فالرئيس ماكرون لم ينتخب فقط بالأصوات الموالية له، ولكن بأصوات اليسار الفرنسي الذي أراد أن يمنع ماريان لوبان من الوصول للسلطة.

هل هناك رفض قاطع لسيطرة اليمين المتطرف على فرنسا أم أن النسبة التي حصلت عليها لوبان تشير إلى أن هناك قطاعاً كبيراً يميل إلى التطرف هناك؟

نعم هناك رفض لليمين المتطرف، وفرنسا أرض حقوق الإنسان لا تستطيع أن تحتمل رئيساً قادماً من أقصى اليمين أو اليسار، الفرنسيون ليسوا عنصريين، بعضهم يصوب حول موضوع الهوية والانتماء والدين، ولكنه يتناسى أن تاريخ الدول متحرك ومشبّع بالتداخلات العرقية والثقافية.

كيف سيكون شكل التعاون بين ماكرون والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المقبلة؟

ماكرون سيكمل بطريقة التعاطي مع بايدن وفريقه لأن حاجة فرنسا تقتضي أن يكون هناك تناسق بالرؤى الدولية، وخصوصاً بما يحصل الآن في أوكرانيا، لا ننسَ أن هناك انتخابات نصفية في أمريكا وتحضير لانتخابات رئاسية بعد عامين، ويجب العمل على عدم الرجعة إلى رئيس على شاكلة الرئيس ترامب، حيث إن فرنسا وأوروبا أرهقهما التعاون معه.

ما تأثير فوز ماكرون على علاقته بالدول العربية؟ وما شكل العلاقة بينهم مستقبلاً؟

ماكرون سار على خطى العلاقات الدولية لفرنسا ولكنه طبعها بأسلوبه الشاب والمنفتح، فكانت له عدة اهتمامات عربية أولها لبنان والأزمة السياسية وحضوره في انفجار المرفأ، ومحاكاته لكل الأحزاب السياسية اللبنانية، وتدخله لحل المشكلة أولاً بالمفهوم السياسي، وثانياً بالمفهوم الإنساني، والأهم بموضوع لبنان هو ما نسميه مؤتمر «سيدر» وهو مؤتمر تنموي، حيث قدمت دول عدة منها الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الخليج، والاتحاد الأوروبي ما نسميه صندوقاً لتنمية ومساعدة لبنان، وهذا الصندوق عبارة عن مشاريع تنموية، وبنية تحتية. أما فيما يتعلق بالملف الليبي فإن الرئيس ماكرون قام بمحاولتين للجمع بين المشير حفتر ورئيس الوزراء الأسبق آنذاك فايز السراج في باريس، وكانت هناك مؤتمرات، ولكن عندما أراد أن يذهب إلى ليبيا، واجه الحضور الإيطالي والحضور الروسي، وحضور عدد كبير من الدول التي تسعى هي الأخرى للحصول على مكاسب في ليبيا، لذلك باعتقادي أن الملفين اللذين لهما علاقة في المتوسط بفرنسا بالتحديد، هما ليبيا ولبنان، وهما الملفان الأهم اللذان سيكون لهما الاهتمام الأكبر لماكرون في المستقبل.

أما بالنسبة لسوريا فيتواجد في شمال شرقها قوات فرنسية لم تساعد على إعادة السلم والأمان، ولم تحقق أماني الشعب السوري الذي كان طامحاً بتغيير الطبقة الحاكمة، وفي شمال أفريقيا إذا أقصينا الجزائر، وحجم الخلافات التاريخية معها، تنعم فرنسا بتفاهم مقبول، وإن كان عامل الهجرة من هذه الدول إلى فرنسا أصبح المؤشر الأساسي لتقوية العلاقات بينهم، لذا سيعمل ماكرون خلال الفترة المقبلة على تغيير وتعميق هذه العلاقات قدر المستطاع.