تواجه أمريكا معضلة حقيقية فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، لا يخفى على أحد أن هناك رغبة ملحة داخل إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، خاصة في ظل حاجة أسواق الطاقة العالمية إلى النفط الإيراني، تحت وطأة الحرب الروسية - الأوكرانية، في الوقت نفسه يعلم سيد البيت الأبيض أن خطوة مثل هذه يمكنها أن تغضب حلفاء أمريكا في المنطقة، وقد تدفعهم إلى الاستدارة شرقاً، فكيف يمكن لإدارة بايدن النجاة من فخ المطرقة والسندان.
الدكتور بشير عبدالفتاح «الإدارة الأمريكية الحالية، كانت تعلن من قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، أنه من ضمن أولوياتها العودة للاتفاق النووي المبرم عام 2015، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، في حين أن إيران استفادت من الانسحاب الأمريكي وطورت برنامجها النووي بشكل كبير، وبالتالي أفضل طريقة أن يظل الاتفاق قائماً، لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي، هذا هو رأي الإدارة الأمريكية الحالية، وهي تتعامل وفق هذا المنطق في المفاوضات، وبالتالي ترى أنه لا بد من العودة للاتفاق».
أمريكا بحاجة إلى إيران
وفي تصريحات خاصة، قال «الحرب الروسية الأوكرانية، زادت من الرغبة الأمريكية في العودة للاتفاق النووي، لأن أمريكا بحاجة إلى إيران الآن، حيث تسعى إلى إنهاء اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسي، وتبحث عن بدائل، وإيران من ضمن هذه البدائل، حيث لديها القدرة على ضخ 700 ألف برميل من النفط يومياً، إضافة إلى إمكانياتها من الغاز، ومن ثم فهي من ضمن الدول التي يمكن الاعتماد عليها كبدائل لروسيا بالإضافة إلى الجزائر، وليبيا، وقطر، والسعودية، وبالتالي أصبح هناك سبب إضافي لرغبة أمريكا في الوصول لاتفاق نووي، ألا وهو الحرب الروسية الأوكرانية، والرغبة في إيجاد بديل للنفط والغاز الروسي». وتابع «الإدارة الأمريكية حريصة على العودة للاتفاق، وهذا الذي يعكسه تصريحات المسؤولين الأمريكيين، في إمكانية تقديم تنازلات للوصول لاتفاق، وتبقى المشكلة مع إسرائيل، والدول الخليجية القلقة من العودة للاتفاق بصيغته القديمة، لأنه سيفرج عن مليارات الدولارات لإيران، التي من الممكن أن تستخدم في تطوير برامج صاروخية، والطائرات المسيرة"الدرونز"، غير المنصوص عليها في الاتفاق، فضلاً عن تمويل المليشيات الموالية لإيران مثل الحوثي، وحزب الله، وغيرهما». وأردف «أمريكا اليوم في موقف صعب، بين الموازنة بين رغبتها في العودة للاتفاق باعتباره وسيلة لمراقبة إيران نوويا، وإيجاد بديل للغاز والنفط الروسي، وما بين إرضاء حلفائها مثل إسرائيل ودول الخليج، وهذا هو الجدل المثار حالياً، وبسبب الضغوط الإسرائيلية على واشنطن، أعلنت الإدارة الأمريكية أن أمر الاتفاق ليس وشيكاً أو مؤكداً، حيث جاءت هذه التصريحات انعكاساً للقلق الإسرائيلي من الاتفاق، خاصة وأن إيران قدمت طلباً جديداً، وهو رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، وقد غضبت إسرائيل من هذا الأمر، ويبدو أن أمريكا كانت على وشك الموافقة، لكن بعد الضغوط الإسرائيلية أصبح الأمر محل مراجعة مرة أخرى، وهذا يعني أن الأمر ما زال غير مؤكد، وهو ما سيدفعهم نحو مزيد من التفاوض مع إيران حول هذا الأمر، بحيث تتم العودة للاتفاق، على أن يظل الحرس الثوري على رأس قائمة الإرهاب الأمريكية، أو أن يكون هناك حل آخر». وأشار إلى أن الاتفاق بصورته القديمة 2015، لا يضمن تقييد إيران في المنطقة، لأنه لا يتضمن هذا البند، فالاتفاق يتمثل في خطة العمل الشاملة المشتركة 2015، الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، وليس أي أمر آخر، وكانت دول الخليج وإسرائيل يقترحون إضافة برنامج الصواريخ والطائرات المسيرة، وتدخلات إيران في دول الإقليم، لكن طهران رفضت، وتمسكت بالعودة للاتفاق النووي القديم فقط، دون إضافة أي بنود جديدة، أي أن الاتفاق لا يلزم إيران بوقف دعمها للمليشيات أو التدخل في دول الجوار أو أي أشياء من هذا القبيل. وأوضح عبد الفتاح، أنه بمجرد إبرام الاتفاق النووي بصيغته القديمة، ستعود إيران لسوق الطاقة، وتصدر النفط والغاز، وهو ما يساهم في إيجاد بديل للنفط والغاز الروسي، موضحاً أن تأثير الاتفاق على الدول العربية له جانب إيجابي، وهو تحجيم إيران من تطوير قدراتها النووية، لكن به جانب سلبي، ألا وهو أنه لا يمنع إيران من تطوير الصواريخ أو الدرونز، ولا يمنعها من التدخل في دول الجوار، لأن الاتفاق لا ينص على هذه الأمور.
إقرأ أيضاً.. مواقع التواصل والحرب الأوكرانية..من يتحكم في سلاح الردع الفضائي؟
إشارات متناقضة
أما المحلل السياسي السعودي، عماد المديفر، فقال «الإشارات والرسائل التي تصل من واشنطن بشأن الاتفاق النووي الإيراني تبدو متضاربة ومتناقضة، ففي الوقت الذي تخرج من وزارة الخارجية الأمريكية تصريحات تقول بأن واشنطن«ستحاسب الحوثيين وداعميهم في إيران على هجماتهم في المنطقة»، نجدها في ذات الوقت، وبعد أن رفعت مليشيات الحوثيين من قوائم الإرهاب، تصرح بأنها تنظر بجدية لرفع الحرس الثوري الإيراني أيضاً من قوائم الإرهاب، بعد كل الأدلة التي تثبت تورط الحرس الثوري نفسه بدعم مليشيات الحوثيين، وبعمليات إرهابية أخرى على مدار العقود الأربع الماضية، لم تقتصر فقط على دول المنطقة بل وامتدت إلى أمريكا نفسها، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، قد قالت بداية أن صفقة إنفاذ الاتفاق النووي مع إيران ليست وشيكة وغير مؤكدة، وفي ذات الوقت قالت «إنها على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة لإعادة الاتفاق النووي مع ايران»، وهو ما يعني أن واشنطن على استعداد لتوقيع اتفاق سيئ لأمن واستقرار المنطقة، وربما العالم.وفي تصريحات خاصة، أوضح أن هذه الرسائل وإن بدت متضاربة الأمر الذي قد يشي للبعض بأن هذه الإدارة الأمريكية «متخبطة»، بيد أن الواقع يكشف إلى أي مدى أصبحت واشنطن ذات نوايا غير صادقة، خاصة تجاه حلفائها التقليديين في المنطقة، وهذا نوع من التلويح والمساومات للحلفاء قبل غيرهم، إلا أن كل هذه التوجهات قد تتغير، فموقف واشنطن متوقع منه كل الاحتمالات، خاصة أن نتائج المفاوضات ليست مضمونة بعد. وأضاف، أن الولايات المتحدة، تستعد بشكل متساوٍ لكافة السيناريوهات المحتملة، ومنها عودة الأطراف للعمل بخطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كامل، وهو ما تدعي واشنطن بأنه سيكون إيجابياً للجميع، وعلى النقيض، هناك عدم موافقة روسية لمجريات الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي بالتأكيد يمنع مروره، بدون موافقة روسيا.وأشار إلى أن دبلوماسيين قريبين من طاولة المفاوضات الإيرانية الأمريكية أكدوا أن الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي عام 2015 تعتمد الآن ربما على أكثر القضايا حساسية من الناحية السياسية في المفاوضات، وهي ما إذا كان سيتم إزالة تصنيف الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية أم لا، لافتاً إلى أنه رغم هذا كله فإنه على الجميع الاستعداد لإعلان الاتفاق، فالمعوقات التي تواجه الاتفاق من غير المرجح أن تكون غير قابلة للتخطي في الوقت الحالي، إذ إن كلاً من الولايات المتحدة وإيران، يريدان التوصل لاتفاق، وقد استخدمت الأخيرة رصيداً دبلوماسياً لإقناع روسيا بالتراجع عن نهج المواجهة الذي تتبعه. وتابع"بات من الواضح أن عدم نجاح مساعي روسيا لاستغلال الاتفاق النووي وعرقلته، من أجل إيجاد مهرب من العقوبات الغربية على خلفية الأزمة في أوكرانيا، ويقول ساسة أمريكيون يساريون، إن الاتفاق بات أكبر من أن يفشل، لكن على غرار أي محادثات تبقى احتمالية حصول تعقيدات اللحظات الأخيرة قائمة، مؤكداً أن إيران ستسعى إلى استغلال ارتفاع أسعار النفط للحصول على مزيد من التنازلات، لافتاً إلى أنه ليس من مصلحة روسيا أن يمضي هذا الاتفاق، فهذه معادلة جديدة تماماً، وقد تقلب المنطقة وخارطة تحالفاتها راديكالياً رأساً على عقب.
إخراج إيران من محور روسيا والصين
يقول المحلل السياسي العراقي بواشنطن، الدكتور عبدالرحمن الجبوري، إن الولايات المتحدة الآن ترى فرصة تاريخية عظيمة للخلاص من روسيا، ومن هيمنة روسيا، سواء في الشرق الأوسط، أو في شرق أوروبا، فواشنطن تريد أن تقوم بأي شيء يوصلها لهذا الهدف، وأحد هذه الأشياء، هو السماح بدخولهم أوكرانيا من أجل إضعافها، أي الفرصة التي أتيحت لها أن تقيد روسيا وتفرض عليها هذا الحصار الاقتصادي والحصار العالمي.وفي تصريحات خاصة، أوضح أن واشنطن ترى أن هناك أيضاً فرصة لعزل إيران عن محور روسيا والصين، لذا فإذا كانت هناك قرارات صعبة، فربما تتخذها أمريكا هذه الأثناء، للوصول لاتفاق نووي إيراني، وربما لم تكن واشنطن جادة من قبل، في التوصل لحل بشأن البرنامج النووي الإيراني، أما الآن، فإن واشنطن ترى أنه إذا كان هذا الحل، يأتي على حساب عزل روسيا ودفعها خارج منطقة الشرق الأوسط، ويخدم أهداف أمريكا في عزل روسيا، فإنها ستعمل على التسامح مع النظام الإيراني، والعمل معه، سواء على البرنامج النووي الإيراني، أو تأثيرها في الشرق الأوسط، فإذا كانت هذه الملفات المؤقتة قادرة على إيذاء روسيا، فلا بأس أن تذهب أمريكا في هذا المسار.
إقرأ أيضاً..لافروف يحذر من حرب نووية بعد زيارة أوستن وبلينكن إلى كييف
إضعاف روسيا
وأضاف قائلاً "الوقت الحاضر هو أقرب فرصة لعقد اتفاق مع إيران، فهذا الاتفاق سيتم سواء رغبت إسرائيل أو الخليج العربي أم لا، فأمريكا ترى مصلحتها أولاً، وبإمكانها إقناع إسرائيل من خلال تقديم مساعدات وضمانات أخرى، أما قضية الصواريخ فكانت قضية رئيسية في أسباب تعطيل عدم الاتفاق، والآن قضية رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكية مطلب رئيسي لإيران، أي أن يصبح الحرس الثوري أحد المؤسسات القادرة على العمل بغطاء الدولة الإيراني وبغطاء دولي دون عقوبات، وهذا سيشمل كل من عاقبتهم واشنطن سابقاً تحت هذا المسمى، لكن المباحثات ما زالت مستمرة حول انسحاب الحرس الثوري الإيراني من سوريا، وتقليل أثره في العراق واليمن، وإذا توصلوا لهذا الاتفاق، فهذه الأمور هامة للغاية لأمريكا، وتريد التوصل إلى صيغة وتفاهم مشترك وسط بشأنها، كما أن إبعاد إيران عن روسيا والصين أمر مهم لها، حيث أنها بإبعاد إيران تكون قد كسبت حرباً دبلوماسية قادتها لسنوات طويلة. وتابع "رغبة أمريكا في إضعاف عدو كبير لها كروسيا، وأن تجعله ضعيفاً أمر مهم بالنسبة لها، وربما يدفعها إلى المجيء على حساب ملفات صغيرة إقليمية، فهذه استراتيجية ربما تتبعها واشنطن، فكل شيء جائز ضمن الاتفاق، والولايات المتحدة اتخذت خياراً استراتيجياً من أجل السيطرة على الدب الروسي، وستضحي بملفات جانبية، حتى تضع شبكة أكبر لإضعاف روسيا، فالاتفاق ربما يختلف عن 2015، لكنه قائم عليه، وعلى تحقيق مصالح أمريكا بشكل أكبر، فأي وسيلة ستصل بها إلى إضعاف روسيا ستقوم بها.
بايدن في موقف صعب
يقول الباحث السياسي بمركز لندن للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، الدكتور مايكل مورجان، إن ما أعلنته أمريكا من إمكانية اتخاذها إجراءات صعبة للوصول للاتفاق النووي الإيراني، يعني أنه من الممكن اتخاذ فرمانات رئاسية، حيث إنه عندما تكون هناك أي معاهدات لا بد من الموافقة عليها في الكونغرس الأمريكي، وكذلك أن يوافق عليها ثلثَيْ مجلس الشيوخ، فإذا لم يحصل على تلك الموافقة فإنها لا تمر، وكما نرى أن إيران تطلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تكون المعاهدة (الاتفاق النووي الإيراني) دائمة، رغم ما هو معروف من رفض العديد من الجمهوريين، وبعض الديمقراطيين للاتفاق النووي الإيراني. وفي تصريحات خاصة، أضاف «بايدن الآن في موقف صعب، لأنه في حاجة لتمرير هذا الاتفاق، لأنه ضمن أجندته الانتخابية، بل ضمن أولوياته منذ أن كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، وللأسف الاتفاق كان سيئاً للغاية، وتم التخلص منه في عهد ترامب، وكان من المفترض أن يخرج الاتفاق بشروط جديدة مختلفة، تحجم إيران وتقيّد نفوذها الإقليمي، لكن ما هو عليه الآن يرى أنه أسوأ لأمريكا من الاتفاق النووي 2015، ومن الأمور التي تدفع بايدن لتمرير هذا الاتفاق هو رفع العقوبات عن إيران، لتبدأ في تصدير النفط لأمريكا، في ظل منع استيراد النفط من روسيا بشكل مباشر بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها».
مشهد معقد
وأضاف «المشهد معقد، لكننا سنرى كيف سيمر الاتفاق النووي الإيراني، لأن الدستور الأمريكي ينص على أنه لا يجوز أن يكون الاتفاق دائم، لكن من الممكن أن يتم الاتفاق بعيداً عن الكونغرس ومجلس الشيوخ، لكنه سيكون مؤقتاً، يستمر فترة الرئيس بايدن فقط، مشيراً إلى أن الاتفاق النووي الإيراني سيمرّ، لأن بايدن يدفع بشكل كبير في هذا الاتجاه، ومن الممكن أن يطرح على الكونغرس ويتم رفضه، وفي هذه الحالة سيمرره بايدن بشكل مؤقت، وفي هذه الحالة لا يعرف ما الذي سيكون عليه موقف إيران، لأن أحد شروطها أن يكون الاتفاق دائماً، ومن الممكن أيضاً أن يفشل الاتفاق، فالأمور ليست محسومة، لكن من الواضح أنه سيتم نوع من الاتفاق، ربما ليس المرجو من جميع الاتفاق، إنما سيحدث ولو بشكل مؤقت».