تغير المناخ يزيد خطر ظهور الأمراض المعدية المستجدة
المرحلة الحادة من كوفيد-19 لا تزال مستمرة.. والنهاية ما زالت بعيدة
تلقيح 70% من سكان العالم ينفي عن المرض صفة طارئة صحية
نتوقع زيادة الإصابات بالأماكن التي توقفت عن التدابير الصحية
تترقب دول العالم الكشف عن تفاصيل كل ما يخص الصحة العامة، في ظل تبادل الاتهامات حول وجود معامل بيولوجية داخل دول عدة، فضلاً عن تداعيات التغير المناخي التي تُعَد الدول الصناعية الكبرى المسؤول الأول عنها. حاورت «الرؤية» المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، دكتور أحمد المنظري، للوقوف على مستجدات الأوضاع الصحية، الذي أكد أن النزاعات والحروب تسهم في تخريب التنوع الأحيائي، متوقعاً زيادة الحالات المصابة بكوفيد-19 داخل الدول التي توقفت عن تطبيق التدابير الصحية والاجتماعية. وتابع «الأمراض المعدية المستجدة والتي تعاود الظهور يزداد خطرها بسبب عوامل كثيرة، تشمل تغير المناخ، وزيادة الاختلاط بين الإنسان والحيوان، وضعف النظم الصحية، وقد كلَّفت الدول الأعضاء منظمةَ الصحة العالمية بالتفتيش على بعض المختبرات التي تحوي مستودعات لفيروس الجدري وفيروس شلل الأطفال، استناداً إلى الخطة العالمية لاستئصال هذين المرضين، والتأكد من احتواء هذه الفيروسات. وإلا، فإنه من الصعب رصْد المختبرات التي قد توجد في البلدان المختلفة، ومتابعة الدراسات البحثية التي تجري فيها».. وإلى نص الحوار:
كثُر الحديث عن المعامل البيولوجية.. هل تتحرى منظمة الصحة عنها داخل بعض الدول؟
من المهم تعزيز السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي لجميع المختبرات البيولوجية، لتجنُّب أي تسرُّب للفيروسات أو مسببات الأمراض الأخرى، وتواصل المنظمة تقديم الدعم والإرشاد إلى هذه المختبرات، حسب الاقتضاء.
متى تنتهي أزمة كورونا؟
توجد اتجاهات مختلفة يمكن أن تتخذها الجائحة، والمرحلة الحادة لها لا تزال مستمرة، وهدفنا الرئيسي حالياً يتمثل في إنهاء هذه المرحلة، إذ يتعين على كل بلد يخطط للخروج من هذه المرحلة الخطِرة، اتباع التدابير التي تناسبه، ومن جانبها ستواصل المنظمة دعم البلدان وتزويدها بالبيانات والاستراتيجيات والأدوات اللازمة إلى جانب تقديم الدعم التقني والميداني.ويمكن للعالم إنهاء كوفيد-19 بصفته طارئة صحية عالمية خلال العام الجاري من خلال تلقيح 70% من سكان كل بلد بحلول منتصف عام 2022، مع التركيز على الفئات الأشد عرضة للخطر، والحد من الوفيات عن طريق التدبير العلاجي السريري القوي، من خلال الإتاحة المنصفة لوسائل التشخيص والأكسجين ومضادات الفيروسات، ومواصلة تتبُّع الفيروس ومتحوراته، من خلال الاختبار وتحديد التسلسل الجيني، والتطبيق المناسب لتدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية، فضلاً عن استعادة الخدمات الصحية الأساسية والحفاظ عليها.
برأيك كيف يتعامل العالم مع الفيروس عقب توطينه؟
إذا أصبح كوفيد-19 مرضاً متوطناً، فإن بلدان الإقليم ستحتاج إلى مواصلة تنفيذ بعض تدخلات الاستجابة الرئيسية لمكافحة المرض، ويمكن فعل ذلك عن طريق تحسين أنشطة الترصد والاختبار وتحديد التسلسل الجيني والرصد لاتخاذ قرارات الصحة العامة، والحد من مخاطر العدوى من خلال تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية التي ثبتت فاعليتها، إلى جانب التركيز على المجتمعات المحلية التي ينبغي تمكينها وتشجيعها على المشاركة، والحد من خطر ظهور متحوِّرات مثيرة للقلق مستقبلاً، مع ضرورة زيادة التغطية باللقاحات في صفوف المعرضين لمخاطر مرتفعة، وتعزيز قدرة نظم الصحة العامة على الصمود.
إقرأ أيضاً..ألمانيا تراقب بحذر الانتخابات الفرنسية: فوز لوبان فكرة مخيفة
في رأيكم.. لماذا اتخذت بعض الدول قراراً برفع الإجراءات الاحترازية؟
على مدى العامين الماضيين، أثر تنفيذ القيود المفروضة للحد من انتشار كوفيد-19 على المجتمعات والاقتصادات وسُبل العيش، إذ خفضت بلدان عدة أخيراً أو ألغت التدابير الصحية والاجتماعية التي كانت تنفذها، وعلى الرغم من انخفاض عدد الحالات في العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن نهاية الجائحة ما زالت بعيدة، ولن تنتهي الجائحة في أي مكان قبل أن تنتهي في كل مكان.
ما سُبل تأثير تلك القرارات على المنظومة الصحية العالمية؟
يمكننا أن نتوقع زيادة الحالات في الأماكن التي توقفت عن تطبيق التدابير الصحية والاجتماعية، ومن المنتظر أيضاً أن تزيد الوفيات في البلدان التي تنخفض فيها التغطية بالتلقيح، ولا سيما بين المسنين.وينبغي لأي تعديل يطرأ على تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية، ومنها الحجر الصحي والعزل، أن يوازن بين المخاطر والمنافع الصحية العامة وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، مع التكيف مع السياق الوبائي المتغير، وبرغم أن بعض الأماكن لديها تغطية عالية بالتلقيح ومستويات عالية من المناعة بين السكان بسبب الإصابة السابقة، لا تزال هناك شكوك في مدة المناعة ومخاطر عودة العدوى.
أظهرت أزمة كورونا ضَعف المنظومة الصحية العالمية في مواجهة الأوبئة.. في رأيكم، هل يختلف عالم ما بعد كورونا عما قبله في هذا الصدد؟
عندما ظهرت جائحة كوفيد-19، عانت النُّظُم الصحية في جميع أنحاء العالم، ولم تكن مستعدة، على الرغم من الأوبئة التي سببتها فيروسات كورونا وفيروسات الإنفلونزا التي وقعت في الماضي، ومع استمرار حدوث فاشيات الأمراض، فإن الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 ستضعنا في وضع أفضل للكشف عنها والاستجابة لها بطريقة أكثر فاعلية وكفاءة، فالوعي بتدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية، على سبيل المثال، جعل سكان العالم أكثر دراية بأهمية آداب العطس والسعال لمنع انتشار العدوى التنفسية. كما تحسنت المعرفة بطرق غسل اليدين جيداً، التي تمنع انتشار العديد من الأمراض غير كوفيد-19. ومن منظور النظم الصحية، أتاحت جائحة كوفيد-19 الفرصة أمام تطوير شبكات للمختبرات العالمية والإقليمية وتعزيزها وتزويدها بقدرات لم تتوفر لها من قبل فيما يخص التشخيص وتحديد التسلسل الجيني، كما أن الترصد المتكامل للفيروس الذي يسبب كوفيد-19 وسائر الفيروسات سيفيدنا في المستقبل في تحسين كشف ورصد ظهور الفيروسات المستجدة والفيروسات التي تعاود الظهور وانتشارها.وقد ساعدت التكنولوجيات والشراكات الجديدة في مجال تطوير اللقاحات وتصنيعها على إنتاج اللقاحات بسرعة وتوسيع نطاق البحوث بشأنها. وسوف تضع جميع الأدوات المطوَّرة وبناء القدرات اللازمة للتصدي لجائحة كوفيد-19 البلدان والنظم الصحية في وضع أفضل للاستجابة للفاشيات في المستقبل، ما دمنا نواصل الاستثمار في نظمنا الصحية، ونعمل على تقوية التخطيط وتعزيز نظم التيقظ والرقابة.
تطل علينا أخبار يومية عن ظهور فيروسات جديدة، وآخرها فيروس «أربوفيروس».. ما مدى خطورة تلك الفيروسات؟
الفيروسات المنقولة بالمفصليات، مثل حمى الضنك، والحمى الصفراء، وداء الشيكونغونيا، وفيروس زيكا، تُمثل جميعها تهديدات حالية للصحة العامة في المناطق المدارية وشبه المدارية، حيث يعيش نحو 3 مليارات و900 مليون شخص، ويتزايد تواتر وحجم فاشيات هذه الفيروسات المنقولة بالمفصليات على مستوى العالم، ولا سيما التي ينقلها بعوض الزاعجة، وساعد على ذلك تأثير العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية مجتمعةً. وفي 31 مارس 2022، أطلقت منظمة الصحة العالمية «المبادرة العالمية لمكافحة الفيروسات المنقولة بالمفصليات»، وهي خطة استراتيجية متكاملة للتصدي للفيروسات المنقولة بالمفصليات المستجدة والتي تعاود الظهور، والتي من المحتمل أن تسبب أوبئة وجوائح، مع التركيز على رصد المخاطر، والوقاية من الجوائح، والتأهب، والكشف عنها، والاستجابة لها، وبناء ائتلاف من الشركاء، وسوف تكون هذه المبادرة المتكاملة تحالفاً من الشركاء الرئيسيين لتعزيز التنسيق والتواصل وبناء القدرات والبحوث والتأهب والاستجابة اللازمة للتخفيف من الخطر المتزايد للأوبئة الناجمة عن هذه الأمراض.
إقرأ أيضاً..خاص | دوائر أمريكية تتحدث عن «صفقة كبرى» مع السعودية
من وجهة نظركم، هل العالم قادر على مواجهة وباء جديد؟
العالم يستطيع مواجهة الأوبئة والجوائح في المستقبل، إذا طبق الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19، وعزَّز نُظُمه الصحية واستعداده، لكن علينا أيضاً أن نعمل معاً لمحاولة منع وقوع هذه الأحداث، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تحسين قدراتنا على ترصُّد الأمراض والحفاظ على تلك القدرات، والعمل من خلال نهج «الصحة الواحدة»، الذي ينظر إلى صحة الإنسان والحيوان والبيئة على أنها جزء من نظام واحد مترابط.
13مليون وفاة تقع سنوياً في العالم نتيجةَ أسبابٍ بيئية يمكن تجنبها، فهل تزيد التوتراتُ السياسية العالمية التهديدات المناخية؟
يمكن وصف العلاقة بين التوترات السياسية والتهديدات المناخية بأنها علاقة تبادلية، إذ تؤثر كل واحدة منها على الأخرى، وكلتاهما- التوترات السياسية والتهديدات المناخية- تُسبب تأثيرات مدمرة على صحة الإنسان وبيئته أكثر من أي أخطار أخرى، إذ إن التغير المناخي يسهم في التوترات السياسية المتمثلة في الخلافات بشأن المسؤولية عن التغير المناخي، والخلافات على الموارد المائية المشتركة، واللاجئين البيئيين، وتلوث الهواء العابر للحدود، والموارد المالية اللازمة من أجل التكيُّف، إلى غير ذلك من القضايا. ومن ناحية أخرى، تسهم النزاعات والحروب في تخريب الأنظمة الإيكولوجية والتنوع الأحيائي والمناخ، وهو ما يضر في نهاية المطاف بصحة الإنسان، فضلاً عن زيادة انبعاثات الكربون مباشرةً من خلال استخدام كميات هائلة من المتفجرات والوقود غير النظيف، ومن ثم إلى تسارع وتيرة الاحترار العالمي، كذلك، تدمر الحروب البنى التحتية التي تحتاج إعادة بنائها إلى انبعاثات كربونية هائلة، لذلك تروِّج منظمة الصحة العالمية لمفهوم الدبلوماسية الصحية في منطقتنا والعالم لتقليص التوترات السياسية التي تمثل عقبة رئيسية أمام الصحة.