الاثنين - 23 ديسمبر 2024
الاثنين - 23 ديسمبر 2024

«خريطة التحالفات»..موقع المنطقة العربية في النظام العالمي الجديد

«خريطة التحالفات»..موقع المنطقة العربية في النظام العالمي الجديد

الحرب الأوكرانية تعيد تشكيل التحالفات العالمية وفي القلب منها المنطقة العربية. رويترز

في ظل عالم يُعاد ضبطه من جديد، يظهر تساؤل جاد حول موقع المنطقة العربية في الشكل العالمي الذي يعاد إخراجه تجهيزاً لفترة ما بعد الحرب الأوكرانية، لا سيّما أن دول عربية عدة لا زالت تعاني من ضعف منظوماتها السياسية التي خلفتها ثورات الربيع العربي، بما يؤثر على قوة الكتلة العربية مجتمعة، لا سيّما فيما يخص الأمن الغذائي الذي بات مهدداً عقب العملية الروسية الأخيرة في أوكرانيا، بما يظهر وجود خلل تكاملي اقتصادي عربي، قادر على تحقيق واقع عربي أكثر استقلالية في القرارات الدولية.

عالم متعدد الأقطاب

مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، دكتور صادق الركابي، يؤكد أن شكل النظام العالمي سيتغير بعد الحرب الأوكرانية، بحيث يصبح عالم متعدد الأقطاب بدلاً من نظام القطب الواحد، نتيجة لبروز الجانب الآسيوي باعتباره منافساً واضحاً ومستفيداً أيضاً من الأزمة الراهنة، لا سيّما بعد تراجع معدل التجارة الدولية البينية بين الدول نتيجة أزمتي كورونا والحرب الأوكرانية بما يؤدي إلى تغيير في هيكل سلاسل الإمداد العالمية، مشيراً إلى سعي الدول لأن تجعل سلاسل الإمداد أقصر وأقل تكلفة وخطورة، الأمر الذي يسهم في بروز محورين أساسيين في التجارة الدولية، المحور الأمريكي - الأوروبي من جهة، يقابله المحور الروسي - الآسيوي من الجهة الأخرى، بما يسهم في إضعاف الدولار في سلة العملات الدولية، وبالتالي صعود نجم اليوان الصيني، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تغيير في شكل التحالفات السياسية والاقتصادية في الخريطة العالمية.

العرب وخريطة التحالفات

وحول موقع الدول العربية من خريطة تحالفات ما بعد الحرب الأوكرانية يرى «الركابي» أنها إمّا أن تكون مستفيدة من جراء الأزمة الراهنة، خاصة مع اتجاه أوروبا للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي، وقد تلعب دول المنطقة العربية الدور المهم في إمداد الاتحاد الأوروبي بالطاقة، لا سيّما مع بداية الحديث عن عدة مشاريع لأنابيب غاز جديدة تمتد من المنطقة العربية وشمال أفريقيا في اتجاه أوروبا، بما يضاعف من أهمية المنطقة، غير أنه لتجنب السيناريو السيئ يجب على دول المنطقة إيجاد نوع من التعاون والعمل المشترك للتحول من بلدان مصدرة للسلع والنفط الخام فحسب، إلى دول منتجة للمحاصيل، خاصة الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فضلاً عن إنتاج المعرفة لضمان تطوير الاقتصادات وخلق أسواق جديدة.وفي حال تمكنت الدول العربية من تحقيق هذا الأمر سيصبح لها موقع مهم في خارطة الاقتصاد الدولي، وتستطيع أن تفرض نفسها بقوة وفق مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، متابعاً: أما في حال بقيت دول المنطقة العربية معتمدة على تصدير السلع الخام والطاقة من دون أن يكون لها اقتصادات متنوعة فإنها ستكون عرضة لأزمات مقبلة قادمة بسبب طول أزمة الحرب الأوكرانية أو في حال انتشارها وتوسعها؛ الأمر الذي لا يتمناه الجميع، لذا فإن موقع المنطقة العربية في ظل النظام العالمي الجديد يمكن أن يكتسب أهمية خاصة في حال تمكن تلك الدول من تحقيق العمل المشترك والتكامل الاقتصادي البيني.

أمريكا الأقوى

رئيس مركز سيرس للدراسات الاستراتيجية في باريس، دكتور عمر الزبيدي يختلف مع سابقه، ويؤكد أن أمريكا ما زالت أقوى دولة في العالم، بدليل قدرتها على خلق عداء واضح بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، ما يبرهن على عمق المؤسسة الأمريكية القائمة على المؤسسات، وضعف النظم المقابلة التي تعتمد على أفراد - يقصد روسيا والصين - إذ إن معظم دول العالم تعتمد على منظومة سياسية غير عميقة، بدليل مرور عدة رؤساء على الإدارة الأمريكية ممن يتسمون بالضعف بداية من جورج بوش الابن، وترامب، وصولاً إلى بايدن، إلا أنهم جميعاً أدوا دورهم خلال فترة الحكم. مع وجود دول عدة تحاول الصعود نحو القطبية، وخاصة داخل مجموعة العشرين، إلا أن تلك الدول لا تستطيع منافسة الولايات المتحدة الأمريكية وفق للأوضاع الراهنة، لا سيّما أن أغلب منظوماتها السياسية تعتمد على أفراد، «الزبيدي» يقول، وعلى رأسها الصين التي تواجه أزمة ثقة في رئاستها كبيرة للغاية، في وقت تعد محاولات التثبيت من قبل الرئيس ومجموعته باستخدام أزمات كورونا ومشاكل تايوان غير مضمونة العواقب، الأمر ذاته بالنسب للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إذ استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية خداعه واستدراجه نحو صراع لا يعرف مداه، رغم عراقة الاستخبارات الروسية، ويرجع كل ذلك إلى اعتماد تلك الدول على منظومات غير عميقة.رغم اختلاف «الزبيدي» مع سابقه حول النظام العالمي، فإنه اتفق معه فيما يخص الأمن الغذائي العربي، إذ يرى أن المنطقة تعاني من نقص الغذاء بسبب عدم تكامل الدول مع بعضها البعض، ويؤكد أن المنطقة لا زالت ضعيفة للغاية، ولا دخل لها في الاستقطابات العالمية باستثناء دول كبرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، غير أن باقي الدول أصبحت هامشية إلى حد ما، لذا فإنها لن تتأثر بالحالة العالمية وتغيير قوى العالم، وبشكل عام لن يحدث تغير في العالم الذي نعرفه، إلا في حال حدوث معجزة بشكل دراماتيكي - انهيار داخل أمريكا على سبيل المثال- وهذه المعجزات في علم السياسة لا تحدث بسهولة، إلا أنه حال حدوثها يمكن وقتها بروز قوة جديدة، غير أن القوى الحالية سواء الصين أو روسيا غير مؤهلة لأن تقود العالم سواء على المستوى الفكري، أو الاستخباراتي، أو حتى الأدبي أو التاريخي، وبالنظر إلى الصين وحدها يعتقد الزبيدي أن اقتصادها استنزافي، ولا يؤهلها وحده إلى قيادة العالم أو ارتفاع أسهمها لتصبح قطب منافس للولايات المتحدة الأمريكية.

إقرأ أيضاً..خاص | «الأبواب الخلفية» لتمويل الحرس الثوري

سيناريوهات النهاية

الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، يشدد على أن تطورات الحرب في أوكرانيا تزيد من صعوبة التنبؤ بسيناريوهات النهاية حتى من قبل روسيا ذاتها، إذ رغم امتلاكها قرار الاشتباك الأول، فإنها لا تملك قرار إنهاء الحرب وفق السيناريو الذي رسمته منذ البداية، بدليل أن روسيا عندما بدأت الهجوم كانت تريد كامل أوكرانيا، غير أنها باتت تركز في السيطرة على شرق وجنوب شرق أوكرانيا - قلب الصناعة الأوكرانية وطريق روسيا البري- غير أن المؤكد أن أوكرانيا مثلت المسرح الذي يقتسم فيه الكبار كعكة النفوذ، وأدخلت المجتمع الدولي حقبة جديدة مقسمة إلى مؤيد ومعارض، لا مجال للحياد، الأمر الذي اتضح من خطاب موسكو وبكين من جهة وواشنطن ولندن من جهة، إذ رفعت الدول الأربع شعار “من ليس معنا فهو ضدنا».يتابع المحلل السياسي: إن العالم يتجه طواعية لسيناريو التدافع وتسجيل محاصصة جديدة تطال كل المناطق الحيوية، إذ يجد من سعي للحياد نفسه مضطراً لإعلان أي الحليفين يؤيد، ويرى أن دول مثل السعودية والإمارات والمجموعة الخليجية لديها عامل مؤثر بحكم تأثيرها الاقتصادي والإسلامي، لذا فإنها لا زالت تنتصر للحياد مراعية المصالح الوطنية، عكس كثير من المجموعات الأخرى التي ستنضم سريعاً لأي من الحلفين؛ بسبب ضعف قدرتهم على المناورة.