الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

«صحوة الصدمة».. هل تحتاج أوروبا إلى نصيبها من الردع النووي؟

«صحوة الصدمة».. هل تحتاج أوروبا إلى نصيبها من الردع النووي؟

فرنسا تمتلك 300 رأس نووي فمن الناحية النظرية هذا كافٍ للردع الفعال.

أطلقت الحرب الأوكرانية العنان لجدل كبير في العاصمة الألمانية برلين، يتمثل في هل تحتاج أوروبا إلى نصيبها في الردع النووي؟. وأكد تقرير بمجلة «دير شبيغل» الألمانية أن هناك في برلين ما يمكن أن يطلق عليه «صحوة الصدمة» التي سببتها الحرب في أوكرانيا بضرورة بدء نقاش أوروبي صعب حول تطوير دفاعات للاتحاد الأوروبي لحماية وجوده في ظل عالم خطير به الكثير من الجنون.وأشار التقرير إلى أن هناك أمل في الحكومة الألمانية لم يكن متواجداً في الماضي في أن يبدأ نقاش استراتيجي بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، حيث يخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سباقاً متقارباً مع مارين لوبان والتي أعلنت بالفعل عزمها على ترك الهيكل القيادي لحلف الناتو إذا فازت في الانتخابات. وأنه صرح أحد المستشارين السياسيين في برلين، بأنه إذا ظل الرئيس الفرنسي في منصبه، فإنه سيتعين على المستشار الألماني أولاف شولتس الجلوس معه بهدوء بعد الانتخابات واستكشاف ما هو ممكن في تطوير القوة الأوروبية.ويدعو ماكرون منذ سنوات إلى سياسة أمنية ودفاعية مشتركة من شأنها أن تجعل أوروبا أقل اعتماداً على الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي.

كشف الغطاء عن الأوهام

وتطرق التقرير إلى أن الحرب في أوروبا الشرقية كشفت الغطاء عن عدد من الأوهام منها فكرة أنه لا يمكن استخدام شحنات الغاز الطبيعي الروسي كسلاح سياسي، على سبيل المثال. أو أن جنون العظمة لدى بوتين كان مجرد حالة عادية في الكرملين.ورداً على عدوان بوتين، قام المستشار الألماني أولاف شولتس بتخصيص 100 مليار يورو للجيش والدفاع الألماني، بينما وعدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بتطوير استراتيجية للأمن القومي بحلول نهاية العام تعكس مصالح ألمانيا. وأنه من المذهل أن برلين لم يكن لديها مثل هذه الاستراتيجية من قبل. من ناحية أخرى، لم يكن الألمان يهتمون كثيراً بالقضايا الاستراتيجية في الماضي. تتمثل إحدى المشكلات في أن عدد الخبراء في مجال الأسلحة النووية صغير جداً، حتى في الوزارات المتخصصة. ولكن يرى خبراء أمنيون في ألمانيا أنه من المرجح حالياً أن تتغير الكثير من الأشياء، فالآن هناك آذان متقبلة بين الجماهير والسياسيين لفكرة الخيارات النووية. وتساءلت المجلة في أن الأمر أصبح صعباً، وماذا يمكن أن يحدث إذا انسحبت الولايات المتحدة من الناتو وتركت أوروبا وحيدة مع ديكتاتور ينتهك جميع المعايير المعمول بها ولا يتوقف حتى عند ذبح المدنيين؟

اضطرابات الحكومة الألمانية

وأكد التقرير أن هذه القضية النووية تسببت في اضطرابات في الحكومة الألمانية مرة من قبل، في الخمسينيات من القرن الماضي عندما ناقش المستشار كونراد أديناور ووزير الدفاع فرانز جوزيف شتراوس فكرة بناء قنبلة أوروبية مع فرنسا وإيطاليا.وأنه في نوفمبر عام 1957، وقع شتراوس صفقة سرية مع نظرائه في باريس وروما. كان هدفهم جعل أوروبا مستقلة عن المظلة النووية للولايات المتحدة. وأنه على الرغم من ذلك، تم نسف الخطة في نهاية المطاف من قبل شارل ديغول، الذي تولى السلطة في فرنسا في منتصف عام 1958 وأراد أن تمتلك فرنسا أسلحة نووية خاصة بها.وتطرقت المجلة إلى أن فكرة القنبلة الأوروبية المشتركة لم تكتسب أي زخم مرة أخرى، ما أدى إلى إحباط شتراوس كثيراً، الذي اعتبر لبقية حياته أنه من الخطأ أن يعتمد الجيش الألماني على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية.

وفي عام 2010، سعى وزير الخارجية الألماني آنذاك جيدو فيسترفيله إلى جعل ألمانيا منطقة خالية من الأسلحة النووية وحث الأمريكيين على سحب رؤوسهم الحربية النووية المتمركزة في قاعدة بوشل الجوية في غرب ألمانيا. وحتى وقت قريب، منع الاشتراكيون الديمقراطيون البارزون مثل زعيم المجموعة البرلمانية رولف موتزينيتش الجيش الألماني من الحصول على طائرات حربية جديدة قادرة على نشر تلك الرؤوس الحربية النووية كجزء من ترتيبات المشاركة النووية لحلف الناتو.وتحدث التقرير أنه بتغير الزمن ومع غزو بوتين لأوكرانيا فسيكون هناك تفكير داخل الاتحاد في أن يصبح قوة نووية، وأن الحكومة الألمانية قررت على الأقل تقديم طلب شراء مقاتلات أمريكية من طراز «إف 35» لديها القدرة على تحليق الرؤوس الحربية الأمريكية في عمق أراضي العدو.وأكد ماكسيميليان تيرهالي، أستاذ العلوم السياسية الزائر في كينجز كوليدج بلندن بالتقرير أن «حقيقة أن بوتين لم يلعب بعد الورقة النووية في أوكرانيا تظهر قوة الناتو، ولكن الردع النووي للتحالف الغربي يعتمد كلياً تقريباً على الولايات المتحدة، التي تمتلك حوالي 5400 رأس نووي متفاوت القوة، يمكن إيصالها بعدة طرق مختلفة مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقاذفات الشبح وصواريخ كروز، على سبيل المثال لا الحصر».وحث تيرهالي أوروبا بأن تنشئ نظام ردعها النووي، نظراً لأن الولايات المتحدة حولت اهتمامها الاستراتيجي مؤخراً بشكل أكبر نحو الصين.

المظلة النووية الأمريكية

من جهته، صرح كريستوف هيوسجن، مستشار السياسة الأمنية السابق للمستشارة ميركل ومدير مؤتمر ميونيخ للأمن: «لقد أوضح عدوان بوتين على أوكرانيا وتهديداته النووية مرة أخرى مدى أهمية الناتو والمظلة النووية الأمريكية، وأنه يجب أن نفهم، مع ذلك، أن الولايات المتحدة تعتبر الصين أكبر تهديد، وعلينا أن نراقب التطورات السياسية المحلية المحتملة في الولايات المتحدة». وأكد التقرير أن هذه التصريحات ما هي سوى طريقة دبلوماسية للقول إن على ألمانيا الاستعداد لسيناريو جديد، وبأن الحقائق القديمة عبر الأطلسي لم تعد سارية.وقال هيوسجن: «يجب أن يكون الأوروبيون مستعدين لفعل المزيد من أجل الردع والدفاع». ويرى حزمة الإنفاق البالغة 100 مليار يورو للجيش الألماني على أنها ضرورة مطلقة.وأشار: «إنه بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أنه يجب علينا بدء حوار استراتيجي مع فرنسا يركز على ما إذا كان يمكن للأوروبيين المساهمة بشكل مشترك في الردع النووي ضد روسيا».ويود هيوسجين أن يرى مثل هذه المحادثات جزءاً لا يتجزأ من الجهود المبذولة لتشكيل اتحاد سياسي حقيقي وأنه لن تكون المظلة النووية الأوروبية بأي حال من الأحوال غاية في حد ذاتها، بل هي نوع من بوليصة التأمين إذا أصبح الناتو غير موثوق به.

إقرأ أيضاً..خاص | «الأبواب الخلفية» لتمويل الحرس الثوري

قوة الردع الفرنسية

يذكر أنه منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت فرنسا القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي. وتعهدت الدول الأعضاء الـ26 الأخرى بالامتناع عن صنع القنبلة كجزء من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. علاوة على ذلك، وكجزء من الصفقة التي مهدت الطريق لإعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، ما يسمى باتفاقية 2 + 4، التزمت ألمانيا بعدم إنتاج أو امتلاك أسلحة دمار شامل. على هذا النحو، فإن أبسط طريق نحو مظلة نووية أوروبية سيكون توسيع قدرة الردع الفرنسية لتشمل بقية القارة. ومع ذلك، هناك الكثير من العقبات، بما في ذلك الطبيعة التقنية. فتمتلك فرنسا ما يقرب من 300 رأس نووي. من الناحية النظرية، هذا كافٍ للردع الفعال. ومع ذلك، لا يمكن إطلاق هذه الرؤوس الحربية بشكل أساسي إلا عن طريق 4 غواصات، يتوفر اثنتان منها فقط في العادة. وشكك خبراء الأمن حول ما إذا كان مثل هذا الأسطول الصغير سيكون كافياً لإقناع بوتين بأن أوروبا يمكن أن ترد على هجوم نووي بضربة انتقامية مدمرة. على النقيض من ذلك، تمتلك الولايات المتحدة 18 غواصة تعمل بالطاقة النووية من فئة أوهايو، ولكل منها القدرة على إطلاق 24 صاروخاً باليستياً عابراً للقاراتومما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن فرنسا تمتلك أسلحة نووية استراتيجية فقط. يحمل صاروخ إم 51 الفرنسي ما يصل إلى ستة رؤوس حربية، لكل منها قوة تفجيرية تبلغ 100 كيلوطن من مادة تي إن تي، أي 8 أضعاف قوة القنبلة التي فجرتها الولايات المتحدة فوق هيروشيما في 6 أغسطس 1945.

وتحدث أوليفر ثرينرت، رئيس مركز الدراسات الأمنية في زيورخ بالتقرير «إذا كانت أوروبا ترغب في ردع بلد مثل روسيا بشكل فعال، فإنهم بحاجة إلى خيارات مرنة، وبدونها سيمكن لروسيا أن تجبر أوروبا بسرعة على الاستسلام، لأن باريس يمكن أن ترد فقط على نشر رأس حربي روسي صغير بأسلحة استراتيجية كبيرة، ما يهدد بإبادة أوروبا الغربية بأكملها في ضربة مضادة».