في الوقت الذي تشارف فيه الحرب الروسية - الأوكرانية على إتمام شهرها الثاني، تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في مراكمة الامتيازات من هذه الحرب، خاصة في ثلاثة مجالات؛ وهي: الغاز، إذ تستغل الظرفية لتعوض بشكل كلي الصادرات الروسية إلى أوروبا، إلى جانب صناعتها العسكرية، التي تزدهر في علاقاتها بأوروبا، بعد اقتناع الأوروبيين، بضرورة تقوية جيوشهم، إضافة إلى المجال الزراعي، إذ تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من سلب روسيا وأوكرانيا لقب «سلة خبز» الكوكب، في وقت يتعفن فيه القمح الأوكراني في موانئ البحر الأسود، ويعاني فيه القمح الروسي من العقوبات.
صادرات الغاز
لم يقم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، برحلته إلى أوروبا، أواخر مارس، من أجل لا شيء. ففي 25 مارس، وبحضوره، تعهدت المفوضية الأوروبية بشراء 15 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي المسال منه في عام 2022، ولم تكن تلك سوى البداية فقط، بحسب تقرير للموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، أبرز أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو الحلول بالكامل محل 155 جم 3 من الغاز الروسي، الذي يمثل 30% من استهلاك الاتحاد الأوروبي. وسيتم نقل «الغاز الصخري» الأمريكي، الناتج عن التكسير الهيدروليكي، وهي تقنية محظورة في فرنسا لأنها تعد ملوثة للغاية، بواسطة ناقلة الغاز الطبيعي المسال، قبل إعادة تحويله إلى غاز عند وصوله إلى القارة الأوروبية، وفق تقرير موقع صحيفة «لوفيجارو»، الذي أوضح أنه للقيام بذلك سيتعين على ألمانيا، التي راهنت بكل شيء على خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم 2»، بناء محطتين مناسبتين لهذه العملية.
وفي المقابل، يزيد منتجو الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة ضغطهم على حكومة بايدن- بحسب تقرير موقع صحيفة «لوفيجارو»- للحصول على امتيازات جديدة، ونموذجهم الاقتصادي هو مشروع «غولدن باس»، الذي سيتم تشغيله من قِبل «ExxonMobil» و«Qatar» Energy» في ولاية تكساس في عام 2024، لتسهيل تصدير الغاز الطبيعي المسال، وهو استثمار بقيمة 10 مليارات دولار، يضمن ربحيته الآن العملاء الأوروبيون، بحسب «لوفيجارو».
تعويض الحبوب الغذائية
كانت روسيا وأوكرانيا، المصدرين الأول والخامس للقمح على التوالي، حيث توفران 25% من الطلب العالمي قبل الصراع، لكن الآن يتعرض القمح الأوكراني للتعفن في موانئ البحر الأسود، وبسبب العقوبات أصبح القمح الروسي غير قابل للبيع، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، حيث ارتفع سعر الطن من 275 يورو في يناير إلى 350 يورو في مارس. وفي المقابل، فإن المزارعين الأمريكيين، المدعومين بشكل كبير من قبل إدارة بايدن (27 مليار دولار بموجب قانون خطة الإنقاذ الأمريكية المعتمدة في عام 2021 لتعزيز الاقتصاد الوطني)، لا يمكنهم إلا أن يكونوا- بحسب موقع صحيفة «لوفيجارو»- الرابحين الكبار من إعادة توزيع الغذاء على نطاق واسع، بعدما كان عام 2021 مواتياً لهم بشكل خاص، لأن القطاع الزراعي قد حطم سجلات صادراته: 177 ملياراً من المواد الغذائية المبيعة في الخارج، بزيادة قدرها 18% مقارنة بعام 2020، و14.6 % أكثر من الرقم القياسي السابق في 2014. وإذا استمرت الحرب الروسية - الأوكرانية، فليس هناك شك، بحسب تقرير «لوفيجارو»، في أن منطقة الغرب الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية ستسلب روسيا وأوكرانيا لقب «سلة خبز» الكوكب المحسودتين عليه.
إقرأ أيضاً..بكين تستعين بـ«التنين الجبار» للسيطرة على بحري الصين الجنوبي والشرقي
تجارة الأسلحة
وأقنعت الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبيين بتقوية جيوشهم، إذ ينوي المستشار الألماني، أولاف شولتز، تخصيص 100 مليار يورو لتحديث «البوندسفير» (الجيش الألماني)، بحيث تشتري برلين 35 طائرة شبحية من طراز «F-35» من الشركة المصنعة الأمريكية «Lockheed Martin»، لتحل محل أسطول «Tornado» الخاص بها، وهو أمر سيّئ للغاية، وفق «لوفيجارو»، بالنسبة للطائرة المقاتلة الأوروبية «سكاف»، التي تطورها أوروبا مع باريس ومدريد، ويتوقع أن تدخل الخدمة ابتداء من 2040، على أن تحل بالتدريج محل المقاتلة «رافال» التي تصنعها «داسو» الفرنسية، والمقاتلة الألمانية «يوروفايتر». ويجد الجيش الفرنسي نفسه، في هذا السياق، في موقف حرج، إذ كان يعتمد كلياً على الطائرة الأوكرانية من طراز «أنتونوف 124» ذات الجسم العريض، التي دمر الروس أسطولها جزئياً، بحسب موقع صحيفة «لوفيجارو»، الذي أوضح أيضاً أن طائرة إيرباص «A400M» التي لديها قدرة حمولة أقل بست مرات، من المحتمل أن تتحول إلى «C-17» الأمريكية، التي تصنعها شركة «ماكدونل دوغلاس»، في حين أنه بالنسبة لمجموعة «إيرباص»، مدير مشروع «أورو درون» (طائرة أوروبية بدون طيار ذات ارتفاع متوسط وقوة تحمل طويلة)، فقد أعلنت أنها ستجهز نموذجها الأولي بمحرك تم تصنيعه من قِبل شركة تابعة لشركة «جنرال إلكتريك» الأمريكية.