الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

«سلة يورانيوم العالم».. لماذا تعتبر أوكرانيا بالغة الأهمية للاتحاد الأوروبي؟

«سلة يورانيوم العالم».. لماذا تعتبر أوكرانيا بالغة الأهمية للاتحاد الأوروبي؟

أوكرانيا ضمن الأكبر عالمياً في إنتاج غاز النيون المكون الرئيسي لليزر المستخدم في صناعة الرقائق.

سلّط التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا الضوء على الأهمية الاقتصادية والسياسية للدولة الأوروبية، فالحرب الراهنة لها أهداف أخرى غير تلك التي يتم الحديث عنها، حيث تمتلك أوكرانيا موارد طبيعية وبشرية وفيرة، إلى جانب قوى عاملة بأسعار تنافسية، الأمر الذي جعلها مطمعاً اقتصادياً للدول المجاورة، خاصة الاتحاد الأوروبي وروسيا، إذ تسعى كل من القوتين إلى اجتذاب الاقتصاد الأوكراني تجاهها تعويضاً عن الركود الاقتصادي العالمي من جهة، وللحفاظ على الريادة من جهة أخرى. وتمتلك أوكرانيا قدرات زراعية تمكّنها وحدها من ضمان الأمن الغذائي لدول أوروبا كاملة وتتخطاها أيضاً، إذ تعرف بأنها «سلة الخبز في أوروبا»، فيما كانت تعد سابقاً «سلة غذاء الاتحاد السوفيتي»، لا سيما وأن صادرات القطاع الزراعي في أوكرانيا تمثل 45% من إجمالي صادرات البلاد، وتصل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 71% من إجمالي مساحتها، وذلك وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الإيرانية.

مزايا أوكرانيا الاقتصادية

الإنتاج الزراعي الذي اشتهرت به أوكرانيا نظراً لخصوبة تربتها العالية يعد جانباً ضئيلاً للغاية بالنظر إلى الصناعات التعدينية والتكنولوجية التي تحتل أوكرانيا بها مراكز متقدمة عالمياً وأبرزها توربينات المحطات النووية، إذ تحتل أوكرانيا المركز الرابع عالمياً في تصدير التوربينات، والمركز الـ12 في مجال صادرات السلاح بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار، إذ ورثت عن الاتحاد السوفيتي 30% من مصانعه إلى جانب الصناعات التعدينية التي تعدها أوروبا تحديداً مستقبل الصناعات، وتأتي أوكرانيا في المركز الأول أوروبياً في احتياطيات خام اليورانيوم، ولديها 12% من احتياطات العالم من المنجنيز، هذا إلى جانب احتياطات التيتانيوم والكبريت والحديد، لكن الأخطر من كل ذلك إنتاج أوكرانيا من غاز النيون -غاز خامل ومكون رئيسي لليزر المستخدم في صناعة الرقائق- الذي تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد لخدمات تكنولوجيا المعلومات من أوكرانيا خلال العام الماضي، إذ إن 90% من أشباه الموصلات المعتمدة على النيون داخلها تأتي من أوكرانيا.

إقرأ أيضاً..حرب السفراء .. طرد 200 دبلوماسي روسي من أوروبا.. وموسكو: ضيق بصيرة

كييف تتجه غرباً

وأثارت عملية ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 تخوفات أوكرانيا، وبدأ الاقتصاد الأوكراني يتحول بشكل جذري إلى الغرب، لا سيما وأن تلك الأحداث عجلت إلى حد كبير برغبة أوكرانيا في تكوين علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع أوروبا على حساب روسيا. ونتيجة لهذا التحول، بدأت أوكرانيا إجراء مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة، واستطاعت التوصل إلى اتفاق بمقتضاه يتم خفض أو إزالة التعريفات الجمركية على معظم السلع، وبالتالي أصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لأوكرانيا واستحوذ على نحو 40% من إجمالي شحنات البلاد إلى الخارج، الأمر الذي وضع أوكرانيا على خريطة التجارة العالمية عامة، والأوروبية تحديداً، بما تلعبه السلع المنتجة داخلها من أدوار مهمة في العديد من الأسواق العالمية. وفتحت اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة التي عقدتها أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي الطريق أمام الاندماج التجاري بين الطرفين، ما قلل من اعتمادها على روسيا، فضلاً عن مساهمة الاتفاقية في تنويع الاقتصاد الأوكراني ودفع نموه إلى مستويات عالية مقارنة بفترة ما قبل الاتفاقية، وتعد نقطة الخلاف الأبرز حول الشراكة الاقتصادية لأوكرانيا مع أوروبا عقب دخول اتفاقية التجارة حيز التنفيذ، هي عدم قدرة أوكرانيا على الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي -الذي تقوده روسيا- لمواجهة الاتحاد الأوروبي وإبراز القوة الروسية، وزيادة تكامل دولة ما بعد الاتحاد السوفيتي، غير أن توجه أوكرانيا نحو تنويع شركائها التجاريين جعلها أكثر تأثراً بالغرب، إذ لاقت في الغرب الشريك الأكثر ربحاً، وهو ذات الشعور الذي بادله الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.

21 نوعاً من المعادن

تمتلك أوكرانيا نحو 21 نوعاً على الأقل من 30 نوعاً من المعادن التي يعدها الاتحاد الأوروبي بالغة الأهمية للمستقبل، وتُعد الإمكانات الوفيرة للبلاد أحد الأسباب التي جعلت منها وجهة رائدة لبنك الاستثمار الأوروبي، وأكبر متلقٍ للاستثمار منه، إذ إنه خلال عام 2021 استثمر البنك نحو 554 مليون يورو في البنية التحتية الحيوية في جميع أنحاء البلاد، بما يمثل أكثر من 60% من إقراض البنك في المنطقة، ما ساهم في تسريع وتيرة النمو للاقتصاد الأوكراني بحلول عام 2018، ووصل حجمه إلى ما يقرب من 80% مقارنة بنفس الفترة من عام 2008، ما جعل بروكسل ترى إمكانات هائلة في توسيع التجارة الثنائية مع كييف على المدى المتوسط والطويل.

إقرأ أيضاً..«هيستيريا جرائم حرب».. روسيا تتهم الغرب بعرقلة المحادثات مع أوكرانيا

الحرب وتداعياتها الاقتصادية

على الرغم من التقدم الذي أحرزه الاقتصاد الأوكراني فإنه من المحتمل أن تكون تلك المكاسب في خطر حال استمرار العمليات العسكرية الروسية، إذ إنه خلال الأيام الأولى للحرب، قدّر البنك المركزي الأوكراني أن الناتج الإجمالي انخفض بمقدار النصف، في وقت أعلنت الحكومة الأوكرانية عن تدمير أكثر من 500 مليار دولار من الأصول الاقتصادية، هذا إلى جانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمطارات والموانئ البحرية والجسور التي أدت إلى شل البنية التحتية للبلاد والقدرة على التجارة مع البلدان الأخرى. مع استمرار الأزمة الروسية-الأوكرانية في التصاعد يبقى حدوث مزيد من عدم اليقين والتقلب في الأسواق الاقتصادية عنواناً للمرحلة المقبلة، ويبقى مستقبل أوكرانيا ووجهتها القادمة رهن الحسم العسكري فيها، فإما أن ينجح بوتين في حربه وتستقطب أوكرانيا، أو على الأقل شرقها كورقة اقتصادية جديدة تسهم في تعزيز القوة الشاملة الروسية، وإما أن يخسر الحرب وتستمر أوكرانيا في شراكتها واندماجها مع الاتحاد الأوروبي.