اتّهمت أوكرانيا روسيا بارتكاب «إبادة» غداة العثور على عشرات الجثث في مدينة بوتشا الواقعة شمال غرب كييف بعد تحريرها من القوّات الروسيّة، في تطوّر أثار تنديداً غربياً، ودفع موسكو إلى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد الاثنين.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحد لقناة «سي بي إس» الأمريكيّة «هذه إبادة جماعيّة. إلغاء الأمّة الكاملة والناس... هذا يحدث في أوروبا في القرن الـ21».
واتّهم زيلينسكي القيادة الروسيّة بالمسؤوليّة عن قتل مدنيّين في بوتشا، متعهّداً التحقيق في كلّ «الجرائم» في أوكرانيا، قائلاً إنّه أنشأ «آليّة خاصّة» لهذا الغرض.
وفي بوتشا، شاهد صحفيّ في وكالة «فرانس برس» جثث نحو 20 رجلاً أحدهم مصاب بجرح بالغ في الرأس، في أحد الشوارع على مسافة مئات الأمتار.
فبركة
من جهته، نفى الجيش الروسي قتل مدنيّين في بوتشا، متّهماً أوكرانيا بفبركة الصور. وقالت وزارة الدفاع الروسيّة في بيان «في وقتِ كانت هذه المدينة تحت سيطرة القوّات المسلّحة الروسيّة، لم يتعرّض أيّ مواطن محلّي للعنف». وأكّدت أنّ الجيش الروسي وزّع 452 طناً من المساعدات الإنسانيّة على المدنيّين في هذه المنطقة.
وتابعت الوزارة أنّ جميع السكّان «أتيحت لهم الفرصة للمغادرة بحرّية» من المنطقة «نحو الشمال»، في وقت كانت الضواحي الجنوبيّة للمدينة تتعرّض «لإطلاق نار من القوّات الأوكرانيّة على مدار الساعة». واعتبرت أنّ الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت لجثث في شوارع بوتشا كانت «فبركة جديدة (قام بها) نظام كييف لوسائل الإعلام الغربيّة».
مجلس الأمن
ودعت موسكو إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الاثنين. وكتب نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي على تويتر: «في ضوء الاستفزازات البغيضة من جانب المتطرّفين الأوكرانيّين في بوتشا، طلبت روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الاثنين 4 أبريل».
وندّدت مسؤولة في الإدارة الأمريكيّة بطلب روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن. وعلى تويتر، كتبت مسؤولة الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدولية سامانثا باور، وهي سفيرة سابقة لبلادها لدى الأمم المتحدة، أنّ «روسيا تلجأ إلى السيناريو نفسه كما في القرم وحلب».
وأضافت أنّ روسيا «المُجبَرة على الدفاع عمّا لا يُمكن الدفاع عنه (هنا فظائع بوتشا)، تُطالب باجتماع لمجلس الأمن الدوليّ حتى تتمكّن من التظاهر بالغضب وتدعو إلى المحاسبة»، معتبرة أنّ «لا أحد يُصدّق ذلك».
ولم تُعلن الأمم المتحدة بعد ما إذا كان الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن سيُعقد الاثنين.
اقرأ أيضاً.. خاص | «اللدغة القاتلة».. هل تكرر الحرب الأوكرانية سيناريو برلين؟
أسفر الصراع في أوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير، عن مقتل آلاف الأشخاص على الأقلّ وأجبر نحو 4,2 مليون أوكراني على الفرار، 90% من بينهم نساء وأطفال.
ميدانياً، أعلنت أوكرانيا أنّ القوّات الروسيّة تنسحب من مدن أساسيّة في محيط العاصمة كييف وتشيرنيهيف في الشمال لإعادة الانتشار في الشرق والجنوب، بهدف «الحفاظ على السيطرة» على المناطق التي تحتلّها هناك.
وبعد أكثر من شهر على بدء الصراع، أعلنت مساعدة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار «تحرير إيربين وبوتشا وغوستوميل ومنطقة كييف بكاملها من الغزاة».
وعثِر على جثث تعود إلى 410 مدنيّين في أراضٍ في منطقة كييف استعادتها القوّات الأوكرانيّة في الآونة الأخيرة من القوّات الروسيّة، وفق ما أعلنت النائبة العامّة لأوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا الأحد.«جرائم حرب»
وعبّرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عن صدمة إزاء ظهور الصور الجديدة لقتل المدنيّين في أوكرانيا، وحذّرا من أنّ تراجع القوّات الروسيّة من محيط كييف قد لا يكون إشارة إلى انسحاب تامّ أو إنهاء للعنف في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن الأحد لقناة «سي إن إن»، «لا يَسَعك إلّا التعامل مع هذه الصور بوصفها ضربة مؤلمة»، مضيفاً «هذا هو واقع ما يحصل كلّ يوم ما دامت وحشيّة روسيا ضدّ أوكرانيا مستمرّة».
وأكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ من جهته أنّه «ليس متفائلاً جداً» بشأن ما تقوله روسيا عن سحب قوّاتها من محيط كييف. وقال لقناة «سي إن إن»، «ما نراه ليس تراجعاً، بل نرى أنّ روسيا تُعيد تمركز قوّاتها»، مضيفاً «ينبغي ألا نكون مفرطين في التفاؤل لأنّ الهجمات ستتواصل ونحن قلقون أيضاً بشأن احتمال تزايد الهجمات».
وأبدى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان «استعداده» للمساعدة في إسكات السلاح في أوكرانيا، قائلاً إنّه جاهز لزيارة كييف، ومندّداً بـ«الحرب الدنسة» في هذا البلد.«مكبلو اليدين»
وقال أناتولي فيدوروك رئيس بلدية بوتشا التي استعادها الأوكرانيون من القوات الروسية، لفرانس برس إن «كل هؤلاء الأشخاص أعدِموا، قتِلوا برصاصة في مؤخرة الرأس»، مشيراً إلى دفن نحو 300 شخص «في مقابر جماعية».وأضاف «في بعض الشوارع نرى 15 إلى 20 جثة على الأرض» لكن «لا يسعني أن أقول كم من الجثث لا تزال في أفنية المنازل وخلف الأسوار»، موضحاً أنه عُثر على عدد من القتلى مكبّلين بواسطة شريط قماش أبيض يستخدم للإشارة إلى أنهم غير مسلحين.
وشهدت بوتشا ومدينة إيربين المجاورة بعضاً من أعنف المعارك منذ بدء الصراع، فيما كانت القوات الروسية تحاول تطويق كييف، وتعرّضتا لقصف مركّز تسبب بدمار كامل.
أوديسا
وزار وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، الأحد، مدينة أوديسا الاستراتيجية في جنوب غرب أوكرانيا، حسبما أعلنت وزارته بعد تنفيذ هجمات عدة على المدينة التي تؤمن منفذاً على البحر الأسود.وسمعت سلسلة انفجارات صباح الأحد في أوديسا وتصاعدت 3 أعمدة من الدخان الأسود على الأقل وألسنة نار في منطقة صناعية على ما يبدو، وفق ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.
على صعيد آخر، لا تزال القوات الروسية «تحاصر جزئياً مدينة خاركيف» ثاني أكبر المدن الأوكرانية في الشرق، حيث تتعرض المناطق الصناعية والسكنية على السواء لقصف مدفعي، وفق هيئة أركان القوات الأوكرانية التي تشير رغم ذلك إلى تراجع في حدة القصف.
وكشفت رئاسة الأركان أن روسيا تعتزم «تشكيل كتائب مؤلفة من مقيمين +متطوعين+ في المناطق المحتلة موقتاً في أوكرانيا ومن مرتزقة». وأعلنت روسيا نهاية الأسبوع أنها تريد «تركيز جهودها على تحرير دونباس»، وهو حوض مناجم في شرق أوكرانيا حيث أعربت كييف عن خشيتها من تفاقم الوضع فيه.