تجددت التوترات في منطقة ناغورنو قره باغ المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان بالتزامن مع الصراع الروسي الأوكراني، بعدما تردد أن قوات أذربيجانية استولت على قرية في المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية التي تم نشرها بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار.
وقال الدكتور لورانس برورز وهو باحث مشارك في مركز آسيا الوسطى المعاصر والقوقاز، بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية، في تقرير نشره معهد «تشاتام هاوس» والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، إنه منذ اندلاع الصراع، اختبرت أذربيجان بشكل متزايد إرادة وقدرة بعثة حفظ السلام الروسية المنتشرة في الأراضي المتبقية التي كانت لا تزال تحت السيطرة الأرمينية في نهاية حرب قره باغ عام 2020.
وفي أوائل مارس، شوهدت القوات الأذربيجانية بالقرب من القرى الأرمينية وهي تحث السكان عبر مكبرات صوت على الإخلاء، وسرعان ما تلى ذلك تقارير عن تزايد انتهاكات وقف إطلاق النار. وفي 8 مارس، انقطع خط أنابيب حيوي يزود السكان الأرمن في قره باغ بالغاز عن الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان، ما ترك السكان دون تدفئة لمدة أسبوعين. وعلى الرغم من إصلاح خط الأنابيب، فقد قيل إنه انقطع مرة أخرى، ثم تمت استعادته.
بعد ذلك، تقدمت القوات الأذربيجانية إلى المنطقة التي تخضع ظاهرياً لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية، ما أجبر على إخلاء قرية أرمنية، وأخذ مرتفعات استراتيجية للإشراف على قرى أخرى، وتردد أنه تم استخدم غارات الطائرات بدون طيار لقتل 3 جنود أرمن محليين وجرح 15 آخرين.
وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الروسية ذكرت أن القوات الأذربيجانية انسحبت في وقت لاحق، إلا أن مصادر أذربيجانية وأرمينية نفت ذلك. واتخذت كل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الرؤساء المشاركون لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا المكلفة بالتوسط في الصراع الأرمني الأذربيجاني، الخطوة النادرة المتمثلة في وصف أذربيجان بأنها منتهكة لنظام وقف إطلاق النار.
واستفادت أذربيجان من المادة 4 من بيان وقف إطلاق النار الصادر في 9 نوفمبر 2020، والتي تنص على انسحاب القوات الأرمينية، لتبرير أفعالها. ولكن على الرغم من أن 3 آلاف جندي من أرمينيا قد غادروا بعد اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن صياغة البيان تترك وضع القوات الأرمينية المحلية في قره باغ، -التي تطلق على نفسها اسم جيش الدفاع عن ناغورنو قره باغ-، غامضاً.
وتعتبرهم باكو جماعة مسلحة غير مشروعة على أراضيها، لكن السلطات المحلية والسكان يعتبرونهم دفاعاً أساسياً عن النفس. ولكن مع عدم انسجام الوحدات الأرمنية المحلية في قره باغ مع الجيش الأذربيجاني، فإن قوات حفظ السلام الروسية وحدها هي التي تقف بين القوات الأذربيجانية والمدنيين الأرمن في قره باغ.
ويقول برورز إنه إذا كانت البنية التحتية الأمنية لما بعد عام 2020 في قره باغ محفوفة بالمخاطر، فإن مصادر هذه التوترات الجديدة تتعلق أيضاً بالغزو الروسي لأوكرانيا الذي خلق نافذة من الفرص لأذربيجان بطريقتين حاسمتين.
أولاً
يكشف الإلهاء الروسي عن نقاط الضعف في بعثة حفظ السلام في قره باغ، التي تضم 1960 جندياً وحوالي ألفَي موظف دعم مدني ولكنها لا تزال تفتقر إلى ولاية أو قواعد اشتباك محددة. وقد كان هذا مناسباً لباكو، التي تحرص على التأكيد على الطبيعة المؤقتة للوجود الروسي.
ومع ما يتردد عن إعادة تكليف وحدات من مناطق أخرى متنازع عليها، مثل أوسيتيا الجنوبية، في أوكرانيا، فقد كانت هناك تكهنات لا أساس لها من الصحة بأن الوحدات الروسية من قره باغ قد تحذو حذوها. ويزيد من هذا الضغط الانتقاد المتزايد لبعثة حفظ السلام الروسية في الصحافة الأذربيجانية.
ثانياً
يوفر رد الفعل الدولي على الغزو الروسي فرصة ذهبية لتجانس مختلف صراعات ما بعد الاتحاد السوفييتي خطابياً وشرعية ادعاءات مختلف الجهات الفاعلة فيها. ومع تعبئة أوروبا والولايات المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل حول السلامة الإقليمية لأوكرانيا وعدم شرعية الاحتلال، فإن الحجج حول الفروق الدقيقة والمسارات المتغيرة لصراعات أوراسيا يتم تجاهلها بسهولة.
وفي خضم المعركة، يفوق الإجماع على السلامة الإقليمية الأوكرانية الصرامة التاريخية، والعناية بالسببية، والقلق المبرر بشأن حقوق الإنسان لأي سكان محبوسين خلف حدود متنازع عليها.
اقرأ أيضاً.. رد روسي على تصعيد أذربيجان العسكري في ناغورنو قره باخ
ويرى برورز أن التعبئة الغربية من أجل أوكرانيا هي أيضاً تذكير مرير لباكو بأنه لم يظهر مثل هذا الإجماع على الإطلاق بشأن سلامة أراضي أذربيجان. وبعد التطهير العرقي الجماعي لعدة مقاطعات من قبل القوات الأرمنية في التسعينيات، فقد أصبح هذا بمثابة رش الملح على الجرح.
ويضيف أن الصراع الأرمني الأذربيجاني اتسم دائماً بجولات متكررة ومتبادلة من التطهير العرقي تاركاً الطائفتين الوطنيتين منفصلتين تماماً. وزعمت رواية أذربيجانية شعبية بعد حرب عام 2020 أن باكو قد أنهت هذا التقليد الشنيع، لكن هذا غير صحيح. ولم يبق أي أرمن في الأراضي التي استعادتها أذربيجان في عام 2020.
ومع اعتماد هيكل حفظ السلام على سمعة الضمانات الأمنية الروسية، أعيد الآن صياغة الوضع بعد عام 2020 في ناغورنو قره باغ من خلال الصراع بين روسيا وأوكرانيا. كما أن انخراط موسكو في العملية العسكرية المستنزفة، والتي لا يمكن الدفاع عنها، يمنح أذربيجان النطاق التشغيلي والغطاء المعياري لاختبار الوجود الروسي داخل حدودها.