انسحاب روسي من مفاوضات السلام مع اليابان ونظام التأشيرات المفتوحة
اصطفاف ياباني كامل مع الولايات المتحدة والغرب ضد الحرب الروسية في أوكرانيا
فرض عقوبات يابانية على روسيا وإرسال السلاح لأوكرانيا يجمد الحوار حول جزر الكوريل
بددت الحرب الأوكرانية– الروسية، جهوداً طويلة، بذلتها موسكو وطوكيو، طوال نحو 8 عقود، لحل الخلاف حول جزر «الكوريل» وتوقيع اتفاقية سلام، تنهي حالة الحرب الرسمية بين البلدين، والمستمرة منذ الحرب العالمية الثانية، عندما منحت الولايات المتحدة والحلفاء، 4 جزر يابانية تطلق عليها اليابان الجزر الشمالية للاتحاد السوفيتي السابق، كمكافأة له على دخول الحرب بجانب الحلفاء في شرق آسيا. وأعلنت روسيا رسمياً على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، انسحاب روسيا من المفاوضات مع اليابان، وقالت «الجانب الروسي لا ينوي في ظل الظروف الراهنة، مواصلة المحادثات مع اليابان بشأن معاهدة السلام.. من المستحيل مناقشة الوثيقة الأساسية للعلاقات الثنائية مع دولة اتخذت صراحة موقفاً غير ودي وتسعى جاهدة لإلحاق الضرر بمصالح بلدنا».
والمفاوضات التي انسحبت منها موسكو، بدأت منذ فترة طويلة، واكتسبت زخماً خاصاً في عهد رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو أبي، الذي اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018 في سنغافورة، على خريطة طريق لحل الأزمة التاريخية حول جزر الكوريل، تقوم على السعي للوصل لاتفاق يرتكز على الإعلان المشترك بين البلدين في 19 أكتوبر عام 1956، والذي يقول إن الاتحاد السوفيتي سوف ينظر في تسليم جزيرتي هابوماي وشيكوتان، إلى اليابان، مقابل اعتراف اليابان بأن جزيرتي كوناشير وإيتوروب أراضٍ سوفيتية، بشرط أن تأتي تلك الخطوة بعد توقيع اليابان وروسيا على اتفاقية سلام تنهي حالة الحرب التي كانت بين البلدين، عندما دخل الاتحاد السوفيتي الحرب ضد اليابان في 9 أغسطس 1945.
إقرا أيضاً..حوار | سياسي أمريكي: روسيا في طريقها لإنشاء منطقة عسكرية لـ«تطويق كييف»
مزيد من العسكرة
ولم يكتفِ الرئيس الروسي بوتين بالانسحاب من محادثات إنهاء الحرب مع اليابان، بل بدأت روسيا منذ يوم الجمعة، إجراء مناورات عسكرية بمشاركة 3 آلاف جندي، في جزر الكوريل، وفق ما نقلته وكالة انترفاكس الروسية. كما أوقفت روسيا نظام التأشيرات المفتوحة التي كانت تسمح لبعض العائلات اليابانية بزيارة جزر الكوريل، كما انسحبت روسيا من أنظمة التعاون الاقتصادي المشتركة مع اليابان، في الجزر المتنازع عليها، بحسب جريدة جابان تايمز اليابانية. على الجانب الآخر، رفضت اليابان المنطق الروسي في الانسحاب من المحادثات الثنائية حول جزر الكوريل، وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أمام البرلمان «هذا الوضع هو نتيجة العدوان الروسي لأوكرانيا.. وأن المحاولة (الروسية) لتحويل هذه القضية إلى المحادثات الروسية- اليابانية غير مبررة على الإطلاق وغير مقبولة بتاتا»، بحسب وكالة رويترز.وجاءت الخطوات الروسية رداً على رفض اليابان القاطع للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفرض اليابان حزماً مختلفة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية يابانية لأوكرانيا. لكن ما زاد من الغضب الروسي هو قيام رئيس الوزراء الياباني كيشيدا في 19 مارس الجاري، بزيارة للهند، بهدف إقناع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالاصطفاف مع الغرب ضد روسيا، بعد أن فشل كيشيدا ونظيره الأسترالي، سكوت موريسون، والرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق من الشهر الجاري خلال اتصال رباعي في إقناع رئيس الوزراء الهندي مودي باتخاذ موقف أكثر صرامة إزاء روسيا، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. فما هي أبعاد الانسحاب الروسي من محادثات السلام وجزر الكوريل مع اليابان؟ وهل تفتح المناورات الروسية في الجزر الشمالية حسب التسمية اليابانية، جبهة جديدة من الصراع بين روسيا واليابان؟ وما مدى واقعة دعوة البعض لليابان لاستعادة جزر الكوريل الأربعة بالقوة واستغلال انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا؟.
دونباس وجزر الكوريل
رفضت اليابان المطالب الروسية التي تدعو لاعتراف العالم وأوكرانيا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وترى طوكيو في اعتراف الكرملين بجمهوريتي «دونيتسك» و«لوجانسك» كجمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا في 21 فبراير الماضي بمثابة خطوة سلبية تمنع روسيا في المستقبل من الانسحاب من الجزر الأربع التي سيطر عليها الاتحاد السوفيتي في أغسطس 1945، قبل أيام من توقيع ممثل اليابان على إعلان الاستسلام للولايات المتحدة الأمريكية من على متن المدمرة الأمريكية «يو إس إس ميسوري»، وهي الجزر التي تمتد بطول 1200 كم من جزيرة هوكايدو اليابانية، حتى شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية في المحيط الهادئ.وتبلغ مساحة الجزر الأربعة نحو 15.5 ألف كم مربع، ويسكنها ما يزيد على 20 ألف نسمة، والجزر الأربعة هي، هابوماي وشيكوتان وكوناشير وإيتوروب، وتقع على بعد 7 آلاف كم شرق العاصمة الروسية موسكو.
تكتلات وتحالفات مضادة
ويضيف التوتر بين روسيا واليابان، خطراً جديداً للصراعات التي تتعمق في شرق الكرة الأرضية، حيث يصطف أعضاء تحالف «كواد» الذي يضم اليابان والهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وتحالف «أوكوس» الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية.حيث تتصارع اليابان على جزر الكوريل مع روسيا، كما تتصارع الصين مع اليابان على جزر سينكاكو، بالإضافة إلي إطلاق كوريا الشمالية صواريخ عابرة للقارات الأسبوع الماضي مما يقلق اليابان.
وترى روسيا في 48 ألف جندي أمريكي ينتشرون في اليابان بمثابة خطر على حدودها الشرقية، وكانت روسيا تشترط إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في اليابان، وفق الإعلان السوفيتي- الياباني المشترك عام 1956، حيث ترى روسيا في القوات الأمريكية في اليابان على أنها تستهدف حدودها الشرقية، وكثيراً ما قالت موسكو أنها اكتشفت غواصات أمريكية قرب مياهها الإقليمية في المحيط الهادئ، وفق ما قالته وكالة تاس الروسية. كما تخشى موسكو من نشر أسلحة ومنظومات صواريخ أمريكية هجومية، في جزر الكوريل، حال تسليمها لليابان، وهو التخوف الذي عبر عنه الرئيس بوتين أثناء منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي لعام 2021.
إقرأ أيضاً..ألمانيا تفعّل «خطة طارئة» لضمان إمدادات الغاز
تراكم التحديات
تفاقم المواقف المتباينة حول الحرب الروسية- الأوكرانية من حالة الصراع الياباني الروسي في ظل تصاعد الخطاب الرسمي الياباني، الذي يطالب بعودة كل الجزر الأربعة، كما ترفض اليابان العودة للإعلان المشترك بين اليابان والاتحاد السوفيتي الذي جرى توقيعه عام 1956، وفق بيان للحكومة اليابانية، التي تقول إن جزر الشمال بالكامل يابانية، وفق اتفاق التجارة الثنائية المبرم مع روسيا القيصرية بشأن الحدود عام 1875.وسبق للحزب الديمقراطي الياباني تمرير مشروع قانون أرض الشمال في البرلمان، والذي يرفض التنازل عن أي شبر من الأراضي اليابانية، وعلى الجانب الثاني، ترى روسيا أن موقفها بالانسحاب من المفاوضات مع اليابان ينسجم مع رؤية موسكو التي تقول يجب أن يكون هناك سلام كامل بين البلدين، قبل الحديث عن جزر الكوريل، خاصة أن روسيا أقرت عام 2020 تعديلات دستورية تمنع تسليم أي أراضٍ روسية لأي دولة إلا في حالة ترسيم الحدود فقط.
كما ترفض روسيا مبدأ حل مشكلة الجزر أولاً، وأن الحل من وجهة نظر موسكو يبدأ عندما تعترف اليابان أولاً بوحدة أراضي روسيا، وسيادتها على جميع الأراضي، بما فيها جزر الكوريل، وهو ما يعني اعتراف اليابان بنتائج الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك ستناقش كل الأمور الأخرى، وفق بيان الخارجية الروسية.
المؤكد أن تداعيات وارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، لن تقف عند حدود أوكرانيا، حتى لو لم تمتد شظايا المعارك الأراضي الأوكرانية، فتجدد الصراع بين روسيا واليابان ما هو إلا نموذج على مخاطر الحرب، وهو ما يشكل أكبر دافع لكل القوى المحبة للسلام أن تقوم بكل ما عليها لتطويق الحرب في أوكرانيا وإنهائها في أقرب وقت، حتى لا تصل رائحة الدخان المتصاعد من شرق أوروبا إلى مناطق بعيدة.