الاثنين - 25 نوفمبر 2024
الاثنين - 25 نوفمبر 2024

تحليل إخباري | الحرب الأوكرانية تجدد 4 قرون من الصراع الروسي- البولندي

تحليل إخباري | الحرب الأوكرانية تجدد 4 قرون من الصراع الروسي- البولندي

بولندا تحولت إلى رأس حربه متقدم ضد موسكومع بداية الحرب الأوكرانية. ( أ ف ب )

ممر «سوفالكي» يمثل المنطقة العسكرية الرخوة التي تقلق بولندا من روسيا

وارسو دعت لنشر قوات في أوكرانيا وتسليم أسلحة سوفييتية إلى كييف

وارسو تشتري طائرات «إف-35» ومنظومات باتريوت وتستضيف الجزء الأكبر من قوات الناتو


بولندا تحولت من حلف وارسو السوفييتي إلى رأس حربة الناتو المناهض لروسيا
تقود بولندا التي تمتلك نحو 500 كم من الحدود المشتركة مع أوكرانيا، جبهة الصقور في حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، والاتحاد الأوروبي ضد العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا، من خلال تبني سلسلة من المواقف المعادية بشدة لسياسات الكرملين، وكان من أبرزها الدعوة البولندية لإرسال قوات حفظ سلام دولية وأوروبية إلى أوكرانيا، وهو اقتراح وصفته روسيا بأنه يمثل إعلان حرب.

علاقة بولندا وروسيا

كما اقترحت بولندا على الناتو أن يتسلم منها الطائرات السوفييتية من طراز «ميغ 29»، ويسلمها بدوره لأوكرانيا، وهو أمر رفضته وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، وأعلن المتحدث باسمه جون كيربي أن هذا المقترح يعد «وصفة لحرب عالمية ثالثة». وتؤكد الأرقام أن بولندا من أكثر دول الجناح الشرقي في حلف الناتو، التي تشتري أسلحة أمريكية، أبرزها شراء منظومة الدفاع الأمريكية «باتريوت»، بنحو 4.7 مليار دولار عام 2018، وشراء 32 طائرة أمريكية من طراز (إف-35) عام 2019، بالإضافة إلي عشرات المنظومات من نظام صواريخ جافلين.


وقبلها بسنوات، وافقت وارسو على نشر منظومة الدفاع الصاروخية الأمريكية منذ 2007، كما أن بولندا كانت من أوائل دول حلف الناتو التي وصلت إلى عتبة إنفاق 2% من الناتج القومي على الدفاع وشراء الأسلحة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية، ومن يحلل الخطاب السياسي والإعلامي البولندي سوف يتأكد له أنه الأكثر حدة وقوة ضد روسيا. فما هي أسباب هذا العداء والخلاف بين روسيا وبولندا؟ وهل يمكن أن يتطور الصراع السياسي بين البلدين إلى حرب ساخنة؟

إقرأ أيضاً..حوار | فابريس بالونش: الحرب الأوكرانية أفقدت أمريكا ثقة الحلفاء

400 عاماً من الصراع

تتهم بولندا روسيا بأنها كانت السبب وراء اختفائها من الخريطة العالمية لمدة تصل لنحو 125 عاماً، منذ عام 1795، حتى ظهور الدولة البولندية الثانية عام 1919، كأحد نتائج اتفاقية فرساي. ويمتد الصراع بين البولنديين والروس إلى ما يقارب 400 عاماً، منذ حرب عام 1605، عندما استغلت بولندا ضعف روسيا القيصرية في هذا التوقيت، ودخلت بالتحالف مع ليتوانيا في حرب أطلق عليها «الحرب الموسكوية»، لأن بولندا نجحت في الدخول إلى موسكو، ومنحت هذه الحرب التي استمرت حتى عام 1617 الكومنولث الليتواني البولندي، بعض الأراضي الروسية، لكن حافظت روسيا على بقائها، وفق مجموعة من المصادر التاريخية. وتكشف هذه الحرب المبكرة مدى الصراع والتنافس المتجذر بين الأمتين، الروسية والبولندية، وتأثير كل منهما على الآخر، حيث تجدد الصراع مرة أخرى عندما قامت الثورة البلشفية في روسيا، بعد أن دخل الطرفان الحرب من جديد عام 1919، وحتى عام 1921. والمفارقة هي أن أوكرانيا كانت تصطف مع روسيا ضد بولندا، التي نجحت بدعم فرنسا في احتلال كييف عاصمة أوكرانيا عام 1920، قبل أن تخرج منها على يد الجيش الأحمر، حيث كان الزعيم السوفييتي لينين، يرى أن نجاح الشيوعية في أوروبا يحتاج لتجاوز عقبة بولندا للاتجاه غرباً نحو أوروبا.

تحول دراماتيكي من وارسو للناتو

رغم نشر روسيا عام 2007 حوالي 400 وثيقة، تقول فيها إن بولندا تحالفت مع الزعيم النازي أدولف هتلر، قبل اجتياح ألمانيا لبولندا في سبتمبر 1939، إلا أن الثابت أن ألمانيا النازية احتلت بولندا عام 1939، ونجح الاتحاد السوفييتي مع الحلفاء في تحريرها مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. وتحولت بولندا إلى مركز الدعاية السوفييتية مع هزيمة ألمانيا في الحرب، وكرد فعل على تأسيس الولايات المتحدة لحلف الناتو عام 1949، ومحاولة ضم ألمانيا الغربية للناتو جرى تشكيل حلف وارسو، والذي ضم الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية في شرق ووسط أوروبا عام 1955، وكان مقره وارسو عاصمة بولندا.

واستمرت بولندا تلعب هذا الدور لمدة 36 عاماً، حتى بداية مظاهرات ميناء جدانسيك بزعامة ليخ فاونسا عام 1988، وهي الشرارة الأولى التي أدت في النهاية إلى التحول نحو النظام الغربي، ليس في بولندا وحدها، بل في غالبية دول شرق أوروبا، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وبعدها بنحو 8 سنوات، وفي مارس 1999 انضمت بولندا إلى حلف الناتو، لتبدأ مرحلة جدية من الصراع الروسي البولندي.

إقرأ أيضاً..روسيا: لا نخطط لاستخدام الأسلحة النووية في الحرب ضد أوكرانيا

رأس حربة متقدم

بالرغم من تقارب البلدين عام 2010، بعد أن اعترفت روسيا بمذبحة «كاتين» التي قتلت فيها الشرطة السرية السوفييتية في أبريل عام 1940 نحو 22 ألف جندي بولندي، إلا أن بولندا تحولت إلى رأس حربه متقدم ضد موسكو، بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، حيث شعرت بولندا ومعها دول بحر البلطيق الثلاث، لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، بإمكانية غزو روسيا للأراضي البولندية، وبدأت بولندا في استقبال مزيد من القوات الأمريكية منذ عام 2017، وفق بيان للبنتاغون، كما أن بولندا أصبحت من أهم الدول التي تستضيف المجموعات القتالية التي وضعها الناتو في بولندا ودول البلطيق، لمواجهة أي غزو روسي محتمل. وبالإضافة لشراء بولندا طائرات إف-35) الحديثة، ومنظومة الدفاع الجوية باتريوت، تحولت بولندا إلى ساحة لإجراء المناورات السنوية للناتو، بالقرب من الأراضي الروسية، مثل مناورات (الرمح الثلاثي 18)، التي جرت عام 2018، و(نسيم البحر 2021) في البحر الأسود. ووجدت بولندا دعماً كبيراً، سواء من الولايات المتحدة أو حلف الناتو، في خطواتها ضد موسكو، منها منح الولايات المتحدة البولنديين حق دخول الأراضي الأمريكية دون تأشيرة، كما يعيش نحو 10 ملايين أمريكي من أصول بولندية في الولايات المتحدة، بحسب شبكة يورو نيوز.

ممر سوفالكي

ويشكل ممر «سوفالكي»، المنطقة العسكرية الرخوة لبولندا في مواجهة روسيا، وهو ممر يصل طوله لنحو 100 كم، وهو الممر البري الوحيد الذي يربط ليتوانيا ودول بحر البلطيق ببولندا، وحلف الناتو، وتجاور روسيا ممر سوفالكي عبر مقاطعة كالينينغراد بأقصى غربي روسيا، بينما تحاذي بيلاروسيا الموالية للكرملين ممر سوفالكي من الشرق، وينظر حلف الناتو وبولندا لهذا الممر، باعتباره أضعف نقطة في حدوده البرية الخارجية، لذلك أجرى عام 2017 في هذا الممر مناورة «الذئب الحديدي». الثابت أن ترك الماضي للماضي، والبحث عن المصالح والقيم المشتركة، وتسوية الصراع حول أوكرانيا، يمكن أن تكون خطوات، تمهد الطريق نحو بناء ثقة، ظلت مفقودة منذ قرون وعقود بين روسيا وبولندا، وهو شرط وهدف ضروري من أجل عودة السلام والاستقرار ليس فقط لشرق أوروبا بل للعالم أجمع.