2022-03-07
مظلة أمنية تمنع روسيا من الاستمرار في التوجه غرباً
مرحلة جديدة من التعاون وتفعيل مبدأ الدفاع المشترك
انفتاح دول الحلف على الإنفاق الدفاعي وشراء السلاح
لم تتحدد بعد صفحات الخسائر والمكاسب، في دفتر أحوال الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن حلف شمال الأطلنطي «الناتو» حجز مقعد متقدم في صفوف الذين يحققون أرباحا، حتى الأسبوع الثاني من العملية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، فقد رسم الحلف، الذي تأسس في 4 أبريل 1949، ويضم 30 دولة ، صورة قوية عن قيمة وأهمية مبدأ الأمن الجماعي، وفق المادة 5 من ميثاق الحلف، لجميع الأعضاء بما فيهم 15 دولة كانت جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفيتي، أو دول شيوعية في حلف وارسو الذي تأسس عام 1955.
ومع عبور أول جندي روسي لخط حدود بلاده مع أوكرانيا، سعت الدول الثلاثون، أعضاء الناتو، للاحتماء بمظلة الحلف، الذي قبل عضوية 11 دولة شيوعية سابقة في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، والذي تولى الحكم في نهاية ديسمبر 1999، وكانت أخر دولة تنضم للحلف هي مقدونيا الشمالية في عام 2020، بينما قبل الناتو عضوية 4 دول فقط كانوا تابعين للمعسكر الشرقي في عهد بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في 25 ديسمبر 1991.
ميت إكلينيكياً
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف حلف الناتو في 2019 بأنه «ميت إكلينيكياً»، واتفق معه في نفس التوصيف، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي وصف الناتو عام 2018 بأنه عفا عليه الزمن، وكرر نفس التوصيف، الأحد، أمام حشد من المتبرعين للحزب الجمهوري، ورغم كل ذلك، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيل الغبار عن الحلف، ويدخل مرحلة جديدة من التعاون، وتفعيل مبدأ الدفاع المشترك، والقتال من أجل كل شبر من أراضي الناتو.فكيف منحت الحرب الأوكرانية الروسية قبلة الحياة لحلف الناتو؟ وما هي الدول التي تتهيأ لدخول الحلف على وقع هذه الحرب؟
تسويق الخوف
نجحت الحرب الأوكرانية الروسية في دعم حلف الناتو على محورين؛ الأول هو تسويق الخوف، فدول الجناح الشرقي في الحلف، سواء التي لديها حدودا مباشرة مع روسيا، مثل دول بحر البلطيق الثلاث، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا، أو الدول التي لها حدود مشتركة مع أوكرانيا، مثل رومانيا وبلغاريا وبولندا والمجر وسلوفاكيا، تشعر كل هذه الدول بالهلع والخوف من امتداد الحرب إلى أراضيها، ولهذا كانت رسالة الحلف بشأن استعداده للقتال من أجل دول الناتو فقط ، وليس من أجل أوكرانيا، بمثابة تعزيز لقيمة وأهمية الحلف الذي كان ينظر إليه قبل هذه الأزمة على أنه شاخ وضعف بعد أن تجاوز 72 عاماً.
وأعادت الحرب الروسية الأوكرانية، صورة الناتو من جديد باعتباره أنجح تحالف عسكري في التاريخ، وأنه يمثل المظلة الأمنية الوحيدة التي تمنع روسيا من الاستمرار في التوجه غرباً.
لذلك فقد سارعت الكثير من الدول التي كانت تنفق أموالا قليلة على الدفاع، بزيادة نسبة الإنفاق على الدفاع إلى 2 % من الناتج المحلي، ويؤكد هذا المعنى تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التي ينادي بها ليل نهار، مطالبا بضرورة ضم بلاده لحلف الناتو حتى يستطيع مواجهة روسيا عسكريا.
السمو فوق الخلافات
دائما ما كانت اجتماعات حلف الناتو خلال العشر سنوات الماضية، تشهد خلافات كبيرة وكثيرة، وكان هناك تباين بين موقف جناحي الحلف، الشرقي والغربي، سواء حول نسب الإنفاق، أو حول القيام بعمليات خارج الأراضي الأوروبية.ويتذكر الجميع الخلاف الشهير بين دول الناتو بعد تأسيس تحالف «أوكوس» في 15 سبتمبر الماضي، واستبعاد فرنسا من صفقة الغواصات الأسترالية، وما قيل وقتها عن استعداد فرنسا للانسحاب من الناتو، بسبب الانقسام بين دول الحلف الانجلوساكسون والفرانكوساكسون، وقبلها خلاف الحلف مع تركيا بعد شرائها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «أس 400»، بالإضافة إلى فشل الحلف في أخر 3 عمليات عسكرية خارج أوروبا، وهي أفغانستان والعراق وليبيا.
لكن الحرب في أوكرانيا وحدت الجميع، وبات هناك خطابا سياسيا وإعلاميا واحدا، وتحول الخلاف في الرأي، إلى سمو في صياغة المواقف، ووضع الحسابات التي تراعي مصالح الحلف، وليس مصلحة هذه الدولة أو تلك، وكلها مواقف جديدة لم تكن موجودة خلال السنوات العشر الأخيرة.
نهاية الكيانات الأخرى
ومنذ اجتماع قمة الناتو في ويلز عام 2014، تم الاتفاق على رفع نسبة الإنفاق العسكري للدول الأعضاء إلى 2 % من الناتج القومي، لكن غالبية الدول، خاصة الدول الغربية الغنية؛ مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والمملكة المتحدة، كانت بعيدة عن هذه النسبة، بل ذهب البعض نحو تشكيل قوة عسكرية تساعد في حماية أوروبا في ظل عجز الناتو، ولهذا طرح قادة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، والذين ينتمون للإتحاد الأوربي صيغة جديدة لتشكيل قوة أوروبية، للاستجابة السريعة تتخطى بيروقراطية الحلف، كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان عام 2021 في اجتماع وزراء الخارجية للإتحاد الأوربي في بروكسل.
كما دعمت حكومة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، تفعيل المادة 44 من ميثاق الاتحاد الأوروبي، والتي تسمح بتشكيل قوة عسكرية خارج الناتو، لهذا كان من المقرر أن يبحث القادة الأوروبيون في قمة مارس الجاري، تشكيل قوة التدخل الأوروبي السريع، والتي يطلق عليها «البوصلة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي» بدعم سابق من ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا ودول الجناح الغربي في الاتحاد الأوروبي.
لكن نجاح حلف الناتو في تجييش الرأي العام الأوروبي والعالمي، وخاصة دول الناتو، وما يسمى بتحالف القيم، التي تضم نحو 100 دولة، جعل الثقة في الناتو تعود من جديد، ولهذا قال الرئيس الأوكراني أكثر من مرة، إن بلاده لو كانت دخلت حلف الناتو بعد عام 2014، ما كان لروسيا أن تنفيذ سيناريو 24 فبراير الماضي والاجتياح الكامل لبلاده.
الاستدارة في الاستثمار
لكن أكثر مؤشر يؤكد أن حلف الناتو هو أكثر الرابحين من الحرب الروسية الأوكرانية هو الاستدارة في الاستثمار، وانفتاح دول الحلف على الإنفاق الدفاعي وشراء السلاح، وخير مثال عن هذا التحول، هو إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس، أن بلاده سترفع نسبة الإنفاق إلى 2 % من الناتج القومي، الذي يصل لنحو 3.69 تريليون دولار، وفق حسابات عام 2020، وهو إنفاق ضخم، سيشجع دول أخرى في الخلف على الوفاء بهذه النسبة، التي تطالب بها الولايات المتحدة التي تنفق 3.6 % من الناتج القومي على الشئون الدفاعية والعسكرية.
مرحلة جديدة من التعاون وتفعيل مبدأ الدفاع المشترك
انفتاح دول الحلف على الإنفاق الدفاعي وشراء السلاح
لم تتحدد بعد صفحات الخسائر والمكاسب، في دفتر أحوال الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن حلف شمال الأطلنطي «الناتو» حجز مقعد متقدم في صفوف الذين يحققون أرباحا، حتى الأسبوع الثاني من العملية الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، فقد رسم الحلف، الذي تأسس في 4 أبريل 1949، ويضم 30 دولة ، صورة قوية عن قيمة وأهمية مبدأ الأمن الجماعي، وفق المادة 5 من ميثاق الحلف، لجميع الأعضاء بما فيهم 15 دولة كانت جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفيتي، أو دول شيوعية في حلف وارسو الذي تأسس عام 1955.
ومع عبور أول جندي روسي لخط حدود بلاده مع أوكرانيا، سعت الدول الثلاثون، أعضاء الناتو، للاحتماء بمظلة الحلف، الذي قبل عضوية 11 دولة شيوعية سابقة في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، والذي تولى الحكم في نهاية ديسمبر 1999، وكانت أخر دولة تنضم للحلف هي مقدونيا الشمالية في عام 2020، بينما قبل الناتو عضوية 4 دول فقط كانوا تابعين للمعسكر الشرقي في عهد بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في 25 ديسمبر 1991.
ميت إكلينيكياً
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف حلف الناتو في 2019 بأنه «ميت إكلينيكياً»، واتفق معه في نفس التوصيف، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي وصف الناتو عام 2018 بأنه عفا عليه الزمن، وكرر نفس التوصيف، الأحد، أمام حشد من المتبرعين للحزب الجمهوري، ورغم كل ذلك، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيل الغبار عن الحلف، ويدخل مرحلة جديدة من التعاون، وتفعيل مبدأ الدفاع المشترك، والقتال من أجل كل شبر من أراضي الناتو.فكيف منحت الحرب الأوكرانية الروسية قبلة الحياة لحلف الناتو؟ وما هي الدول التي تتهيأ لدخول الحلف على وقع هذه الحرب؟
تسويق الخوف
نجحت الحرب الأوكرانية الروسية في دعم حلف الناتو على محورين؛ الأول هو تسويق الخوف، فدول الجناح الشرقي في الحلف، سواء التي لديها حدودا مباشرة مع روسيا، مثل دول بحر البلطيق الثلاث، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا، أو الدول التي لها حدود مشتركة مع أوكرانيا، مثل رومانيا وبلغاريا وبولندا والمجر وسلوفاكيا، تشعر كل هذه الدول بالهلع والخوف من امتداد الحرب إلى أراضيها، ولهذا كانت رسالة الحلف بشأن استعداده للقتال من أجل دول الناتو فقط ، وليس من أجل أوكرانيا، بمثابة تعزيز لقيمة وأهمية الحلف الذي كان ينظر إليه قبل هذه الأزمة على أنه شاخ وضعف بعد أن تجاوز 72 عاماً.
وأعادت الحرب الروسية الأوكرانية، صورة الناتو من جديد باعتباره أنجح تحالف عسكري في التاريخ، وأنه يمثل المظلة الأمنية الوحيدة التي تمنع روسيا من الاستمرار في التوجه غرباً.
لذلك فقد سارعت الكثير من الدول التي كانت تنفق أموالا قليلة على الدفاع، بزيادة نسبة الإنفاق على الدفاع إلى 2 % من الناتج المحلي، ويؤكد هذا المعنى تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التي ينادي بها ليل نهار، مطالبا بضرورة ضم بلاده لحلف الناتو حتى يستطيع مواجهة روسيا عسكريا.
السمو فوق الخلافات
دائما ما كانت اجتماعات حلف الناتو خلال العشر سنوات الماضية، تشهد خلافات كبيرة وكثيرة، وكان هناك تباين بين موقف جناحي الحلف، الشرقي والغربي، سواء حول نسب الإنفاق، أو حول القيام بعمليات خارج الأراضي الأوروبية.ويتذكر الجميع الخلاف الشهير بين دول الناتو بعد تأسيس تحالف «أوكوس» في 15 سبتمبر الماضي، واستبعاد فرنسا من صفقة الغواصات الأسترالية، وما قيل وقتها عن استعداد فرنسا للانسحاب من الناتو، بسبب الانقسام بين دول الحلف الانجلوساكسون والفرانكوساكسون، وقبلها خلاف الحلف مع تركيا بعد شرائها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «أس 400»، بالإضافة إلى فشل الحلف في أخر 3 عمليات عسكرية خارج أوروبا، وهي أفغانستان والعراق وليبيا.
لكن الحرب في أوكرانيا وحدت الجميع، وبات هناك خطابا سياسيا وإعلاميا واحدا، وتحول الخلاف في الرأي، إلى سمو في صياغة المواقف، ووضع الحسابات التي تراعي مصالح الحلف، وليس مصلحة هذه الدولة أو تلك، وكلها مواقف جديدة لم تكن موجودة خلال السنوات العشر الأخيرة.
نهاية الكيانات الأخرى
ومنذ اجتماع قمة الناتو في ويلز عام 2014، تم الاتفاق على رفع نسبة الإنفاق العسكري للدول الأعضاء إلى 2 % من الناتج القومي، لكن غالبية الدول، خاصة الدول الغربية الغنية؛ مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والمملكة المتحدة، كانت بعيدة عن هذه النسبة، بل ذهب البعض نحو تشكيل قوة عسكرية تساعد في حماية أوروبا في ظل عجز الناتو، ولهذا طرح قادة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، والذين ينتمون للإتحاد الأوربي صيغة جديدة لتشكيل قوة أوروبية، للاستجابة السريعة تتخطى بيروقراطية الحلف، كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان عام 2021 في اجتماع وزراء الخارجية للإتحاد الأوربي في بروكسل.
كما دعمت حكومة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، تفعيل المادة 44 من ميثاق الاتحاد الأوروبي، والتي تسمح بتشكيل قوة عسكرية خارج الناتو، لهذا كان من المقرر أن يبحث القادة الأوروبيون في قمة مارس الجاري، تشكيل قوة التدخل الأوروبي السريع، والتي يطلق عليها «البوصلة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي» بدعم سابق من ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا ودول الجناح الغربي في الاتحاد الأوروبي.
لكن نجاح حلف الناتو في تجييش الرأي العام الأوروبي والعالمي، وخاصة دول الناتو، وما يسمى بتحالف القيم، التي تضم نحو 100 دولة، جعل الثقة في الناتو تعود من جديد، ولهذا قال الرئيس الأوكراني أكثر من مرة، إن بلاده لو كانت دخلت حلف الناتو بعد عام 2014، ما كان لروسيا أن تنفيذ سيناريو 24 فبراير الماضي والاجتياح الكامل لبلاده.
الاستدارة في الاستثمار
لكن أكثر مؤشر يؤكد أن حلف الناتو هو أكثر الرابحين من الحرب الروسية الأوكرانية هو الاستدارة في الاستثمار، وانفتاح دول الحلف على الإنفاق الدفاعي وشراء السلاح، وخير مثال عن هذا التحول، هو إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس، أن بلاده سترفع نسبة الإنفاق إلى 2 % من الناتج القومي، الذي يصل لنحو 3.69 تريليون دولار، وفق حسابات عام 2020، وهو إنفاق ضخم، سيشجع دول أخرى في الخلف على الوفاء بهذه النسبة، التي تطالب بها الولايات المتحدة التي تنفق 3.6 % من الناتج القومي على الشئون الدفاعية والعسكرية.