الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

حوار | مسؤول سابق بـ«الطاقة الذرية»: أوكرانيا تحتاج 10 سنوات لامتلاك سلاح نووي

حوار | مسؤول سابق بـ«الطاقة الذرية»: أوكرانيا تحتاج 10 سنوات لامتلاك سلاح نووي

المفاعلات الأوكرانية تُنتج 54% من الكهرباء المستخدمة في أنحاء البلاد

أوكرانيا تمتلك 19 مفاعلاً في 5 مواقع يعمل منها 15 ليس من بينها «تشيرنوبل»

كييف لا تستطيع فصل البلوتونيوم أو تخصيب اليورانيوم فوق 90 %



قال كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورئيس قسم الضمانات بها سابقاً، الدكتور يسري أبوشادي: إن المعطيات الميدانية تشير إلى عزم «روسيا» السيطرة على المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء المقامة بأوكرانيا، التي تنتج أغلب احتياجات «أوكرانيا» من الطاقة، موضحاً أن امتلاك «أوكرانيا» السلاح النووي هو «خط أحمر».


السيطرة على المفاعلات

وقال في تصريحات لـ«الرؤية»: إن جميع المفاعلات الأوكرانية روسية التصميم والتصنيع والإنشاء، ورغبة «موسكو» في السيطرة عليها، تستهدف الضغط على الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي»، من مدخل الاحتياج إلى الكهرباء، حيث تنتج المحطات النووية هناك نحو 54% من الكهرباء المستخدمة في جميع أرجاء البلاد، بينما تأتي 29% من الفحم، لذا تسعى «موسكو» للسيطرة على مصادر الطاقة في «أوكرانيا»، كما تسيطر على مصادر الطاقة في أوروبا، حتى تحقق هدفها بأن تكون «أوكرانيا» بلداً محايداً وخالياً من الأسلحة الاستراتيجية، فضلاً عن حماية السكان ذوي الأصول الروسية المتمركزين في الشرق والجنوب الشرقي بنحو خاص.

---



التحكم في الطاقة

وأكد «أبوشادي»، الحاصل على الدكتوراه في تصميم المفاعلات والهندسة النووية من فرنسا، وتولى رئاسة قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، قبل الانتقال للعمل بالوكالة الدولية في الفترة ما بين 1984- 2009، أن أوكرانيا بها 19 مفاعلاً في 5 مواقع، يعمل منها 15، أما الباقي ومنها محطة «تشيرنوبل» الشهيرة، فتم تفكيك 3 منها، والرابع هو الذي انفجر في 1986، ولا تزال بعض تداعيات انفجاره قائمة. ولفت إلى أن المهم الآن أنه تمت السيطرة على آلاف الأطنان من الوقود المستعمل، والمخزن بتلك المنطقة في مخزن ضخم هناك، وأكد أن الاستيلاء على محطة «تشيرنوبل» كان من أول أهداف القوات الروسية، مستفيدة من قرب الموقع من حدود «روسيا»، ووجوده في دائرة خالية من البشر، يبلغ نصف قطرها 32 كيلومتراً، وبالتالي لم تكن هناك مقاومة، متابعاً: «ظن الجميع في البداية أن الهدف هو ضمان الأمان النووي، غير أن الهدف الأبعد في تقديري هو التحكم في الطاقة». وأردف: «تم في الساعات الأخيرة السيطرة على أكبر موقع نووي في أوروبا، وهو «زابوريتشيا» المقام في جنوب أوكرانيا، وبه 6 مفاعلات، ومن هنا نستنتج أن التحرك المقبل لروسيا سيكون السيطرة على موقع آخر قرب «القرم» و«زابوريتش» معاً، وفيه 3 مفاعلات، موضحاً أن «أوكرانيا» تمتلك أيضاً بعض المحطات النووية البحثية، وكانت تبني مفاعلين روسيين آخرين، كما كانت تعتزم بناء اثنين أمريكيين.

وحول الهدف الاستراتيجي من السيطرة على المفاعلات، قال أبوشادي «أولاً وضع اليد على مصادر الطاقة (تنتج المحطات النووية 54% من الكهرباء المستخدمة، وينتج الفحم 29% من الكهرباء)، خاصة أن روسيا ضربت بعض محطات الفحم، وباقي الكهرباء تأتي من محطات تعمل بالغاز والبترول، ولا توجد مصادر تُذكر من المساقط المائية، وعلى ذلك، فإن ورقة الكهرباء هذه ستكون ورقة شديدة الفاعلية على موائد التفاوض.

صمت روسي

وعن الموقف النووي في غرب «أوكرانيا»، قال «يوجد موقعان في شمال غرب أوكرانيا، وقد تحركت إليهما بعض القوات المتمركزة في تشيرنوبل بالفعل، لكن المهمة ليست سهلة، حيث توجد مقاومة قوية وتركيز من الجيش الأوكراني بتلك المنطقة، وفيها يسكن القوميون المتطرفون، وأولئك الذين يعودون إلى أصول ألمانية، وكان قد تم ضم أراضيهم إلى أوكرانيا بعد الحرب الثانية، لكني أعتقد أن روسيا، ليست مستعجلة، وتحاول أن تنجز تلك المهمة الحيوية بأقل قدر من الخسائر، وسط المدنيين أو بين قواتها». ولفت إلى أن أحد أهم أسباب عدم قدرة الجمهور على معرفة الموقف الروسي وخطط «روسيا» وأهدافها، هو أن الروس يميلون إلى الصمت، وعدم الرد، وهم ليسوا بارعين في الإعلام، فضلاً عن أنهم يتعرضون لهجوم إعلامي شديد الضراوة، وغير مسبوق في تجاهله الأمانة المهنية.

وحول ما قاله الرئيس الأوكراني في مؤتمر الأمن بميونيخ، من أنه حان الوقت لأن تمتلك أوكرانيا سلاحاً نووياً، قال «أبوشادي» «ذلك الحديث يأتي من قبيل الأمنيات، ويحتاج تنفيذه عملياً إلى 10 سنوات على الأقل، شرط أن يقدم الغرب مساعدة قوية جداً فنياً وعلمياً وتصنيعياً، فروسيا هي التي أقامت المفاعلات الأوكرانية من الألف إلى الياء، ولا تمتلك أوكرانيا المعرفة أو القدرة الفنية أو البنية التحتية لإنتاج سلاح نووي، ويكاد يكون دورها هو أنها مجرد مستضيف للمفاعلات ليس أكثر، بل إن روسيا هي التي تتحكم في وقود التشغيل، وهى التي تسيطر على الوقود المستعمل».

رؤوس نووية روسية

وأشار إلى أن «أوكرانيا» لا تمتلك إمكانات فصل البلوتونيوم، ولا إمكانات تخصيب اليورانيوم فوق ٩٠%، وهذان هما أهم شروط امتلاك القدرة على صناعة قنابل ذرية، ولا ننسى أنه حتى اليورانيوم الخام الذي يتم تعدينه في منطقة الدونباس، يتم نقله إلى «روسيا» لتخصيبه عند مستوى 3- 4%، وتصنيعه كوحدات وقود في شكل أسطوانات معدنية تُوضع في قلب المفاعل. وشدد على أن «أوكرانيا» كانت تضم 3 آلاف رأس نووي روسي، وتم نقلها إلى «روسيا» بعد استقلالها عام 1991، إثر تفكك الاتحاد السوفيتي، ومع التخلي عن الرؤوس النووية وقّعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بمباركة وتشجيع غربيين في 1994، علماً بأن تلك الأسلحة كانت مملوكة لروسيا مثلما تملك أمريكا الأسلحة النووية التي تضعها في تركيا أو بلجيكا أو ألمانيا أو هولندا، ومثل ما تضعه روسيا في كازاخستان وبيلاروسيا، ولو كان الغرب يريد أن تمتلك أوكرانيا أسلحة نووية، لكان سمحَ لها بدخول «الناتو»، وأستبعدُ ذلك بنسبة 90%، لكن دخولها الاتحاد الأوروبي هو أمر محتمل، مع مراعاة أن الدول التي يتم وضع سلاح نووي أمريكي أو روسي على أراضيها، لا تُسمى دولاً نووية، ولا يمكن أن يكون لها حق الفيتو، وكل ما في الأمر أن «أوكرانيا» لو انضمت إلى المعسكر الأمريكي فكل ما سيحدث إقامة قواعد عسكرية بها، أما امتلاك السلاح النووي فهو خط أحمر. وحول تفسيره للعملية الروسية، قال «روسيا قد تكون تسرعت بالفعل، وكان يمكن لها أن تعترف أولاً بالجمهوريتين الشعبيتين في الدونباس (دونيتسك ولوجانسك)، ثم تنتظر نتائج العمل الدبلوماسي، والحوار مع أوروبا وأمريكا حول مطالبها المتعلقة بأمنها القومي».

وأضاف «التحالف الغربي الذي يقوم بجهود على كل المحاور لإمداد ألمانيا بالغاز اللازم حال توقف إمدادات روسيا، وهي مهمة يصعب نجاحها في تقديري- إلا نسبياً جداً- لن يستطيع بأي حال أن يمد «أوكرانيا» بالكهرباء لو استولت «روسيا» على محطات الإنتاج، ولا ننسى أن «زابوريتشيا» وحدها تنتج 20% من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء».

مخاوف على المفاعلات

وتابع «البعض قد يرى في الخطاب الأوكراني حول إخلاء مسؤوليتها عن المفاعلات النووية، قدراً من سوء النية، على اعتبار أن «أوكرانيا» قد تشجع بعض المتطرفين على القيام بهجمات محسوبة ضد المحطات، وتتنصل من أي مسؤولية بحجة أنها أخبرت الوكالة بأنها لا تسيطر على المفاعلات أو مخازنها أو عملياتها، وتنسبها إلى «روسيا»، وتستفيد بذلك سياسياً، لكن أتمنى ألّا يحدث ذلك، لأنه (لعب بالنار)، كما أستبعد محاولة تخريب أي محطة تكون أقرب إلى غيرها من روسيا لغرض الإضرار، لأن الضرر سيطول الكل، ولا يوجد احتمال حدوث سرقة مواد نووية من أوكرانيا، وبيعها لدول كإيران مثلاً، فإيران لديها مفاعل روسي من 10 سنوات، ولديها وقود نووي مستعمل، لكنها لا تحتاجه، لأنها تنتج بالفعل يورانيوم عالي التخصيب». وأكد أن البحر الأسود قضية حياة أو موت بالنسبة إلى «روسيا»، وأهم أهداف «روسيا» من المعارك الراهنة هو استعادة أراضٍ جنوب «أوكرانيا»، وضمها إلى «روسيا»، وليس فقط الاعتراف بالجمهوريتين، باعتبار أنها أراضٍ روسية الأصل، وأغلب سكانها لا يتحدثون إلّا الروسية، وقد منعهم نظام الحكم الحالي في «أوكرانيا» من كل حقوقهم اللغوية والثقافية.