«ايفنغراد» البحري كفيل باندلاع حرب عالمية ثالثة دون سابق إنذار
صاروخ «RS-28 sarmat» أو «الشيطان 2» يكفي لمحو نيويورك لآلاف السنين
استخدام النووي الروسي بالخطأ يفضي إلى وفاة 91 مليون شخص وكوارث عالمية
موسكو وواشنطن تمتلكان ما يربو على 90% من إجمالي قدرات الترسانات النووية
على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، عادت احتمالات استخدام الأسلحة النووية في المواجهة بين روسيا ومعسكر الغرب إلى الصدارة؛ وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه «نتيجة للحرب الدائرة في أوكرانيا من غير المستبعد اندلاع حرب عالمية ثالثة، تعتمد على أسلحة نووية مدمرة». وأضاف: «أوكرانيا تبحث عن امتلاك سلاح نووي وهو ما يشكل خطراً فادحاً. السلطات في كييف شرعت في ممارسة ألعاب خطرة ترتبط بخططها الرامية إلى امتلاك سلاح نووي. تمتلك أوكرانيا حالياً تكنولوجيا نووية تعود إلى عصر الاتحاد السوفييتي السابق، ولديها الوسائل اللازمة لإطلاق أسلحة كتلك. ونحن في روسيا لا يمكننا التراجع عن درء هذا الخطر الواقعي». وحسب مصادر عسكرية غربية، كانت أوكرانيا في تسعينيات القرن الماضي ثالث أكبر قوة نووية عظمى على مستوى العالم. وفي منتصف التسعينيات فككت أوكرانيا ترسانتها النووية ونقلتها إلى روسيا. لكنها اعترفت في 2005 إبان رئاسة فيكتور يوشيتسنكو ببيع إيران والصين صواريخ من طراز «X 55» التي يعرفها حلف الـ«ناتو» بـ«AS-15»، وصواريخ «X-55 missiles» القادرة على حمل رؤوس نووية بمدى يصل إلى 3.200 كيلو متر. بالإضافة إلى بيع أوكرانيا عبر السوق النووية العالمية السوداء كميات هائلة من اليورانيوم المخصب بدرجات عسكرية.
في ظل تلك المعطيات، وما يوازيها من معلومات حول القدرات النووية الروسية، لم تلتفت الأكثرية إلى عبارة بالغة الأهمية في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الأمة أمام أعضاء الكونغرس، وجاء فيها أنه لا يستطيع تقدير ما قد «تُسفر عنه رحى الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ فإذا اندلعت حرب عالمية ثالثة، فمن غير المستبعد نهائياً اعتماد روسيا على أسلحة غير تقليدية في المواجهة».
تضارب الأنباء
رغم ذلك، تتضارب الأنباء حول مدى جدية روسيا استخدام ترسانتها النووية، أو ما يُعرف بسلاح «يوم القيامة» في حربها ضد أوكرانيا، أو بالأحرى ضد معسكر الغرب وفي طليعته الولايات المتحدة؛ وزادت الأمور تعقيداً بعد تناقل وسائل إعلام في أوكرانيا قراراً روسياً بوضع الصواريخ النووية من طراز «RS-28 sarmat» ونظيرتها البحرية «ايفنغراد» على منصات الإطلاق، ما أثار علامات استفهام حول قدرات هذين النوعين من الصواريخ، وتبعات تأثيرهما على شرق أوروبا، وربما على القارة العجوز بأسرها لسنوات طوال. ومن خلال تعريف صاروخ «RS-28 sarmat» لدى حلف الـ«ناتو»، يبدو إلى حد كبير مدى التحسُّبات الأمريكية والأوروبية من انفلات «الدب الروسي»؛ فالصاروخ الذي يبلغ وزنه 220 طناً، وتزيد سرعته على 24.910 كم في الساعة، ويربو مداه على 10 آلاف كيلومتر، يُعرف لدى أوروبا والولايات المتحدة باسمه الكودي «SS-X-30 Satan 2»، أو «الشيطان 2»؛ وهو أحد أهم الصواريخ الاستراتيجية النووية التي دخلت الخدمة في سلاح الصواريخ الروسي. وينتمي «RS-28 sarmat» إلى عائلة الصواريخ الباليستية النووية عابرة القارات، ويتحرك بوقود سائل بعد صدور أمر تطويره في 2009 بـ«مركز ماكيف الروسي لتطوير الصواريخ»، ليخلف في الخدمة صاروخاً نووياً مناظراً يطلق عليه SS-18. وتسمح قدراته العالية بحمل رأس حربية من طراز MIRV، وهى في تعريفها وفقاً لموقع «مركز ماكيف الروسي لتطوير الصواريخ»، صاروخ باليستي عابر للقارات؛ أو بعبارة أخرى يستطيع «RS-28 sarmat» حمل صاروخ باليستي آخر عابر للقارات ومزوَّد بأكثر من آلية اختراق، تحمل كل آلية منها رأساً حربية مستقلة. بالإضافة إلى ذلك يحمل الصاروخ الأم 10 رؤوس نووية ثقيلة، أو 16 أقل وزناً، فضلاً عن عدد هائل من مضادات اعتراض الصواريخ الباليستية؛ وجرى تطوير هذا النوع من الصواريخ لمواجهة مشروع صواريخ هجومية أمريكية آخر.
دخول الخدمة
وفي فبراير 2014، أعلن قائد روسي مسؤول أنه من المقرر دخول «RS-28 sarmat» الخدمة العسكرية الروسية عام 2020، إلا أنه في مايو من العام ذاته، لوَّح نفس المسؤول بأنه تقرر تسريع وتيرة العمل في تطوير الصاروخ، وأن 80% من الترسانة النووية الأرضية الروسية ستعتمد على هذا النوع من الصواريخ عام 2021، لكن الصاروخ دخل الخدمة العسكرية الروسية فعلياً في 2018.
وبعيداً عن التهديدات التي يشكلها «الشيطان 2» الروسي على الكرة الأرضية بأسرها، تتحسَّب الولايات المتحدة أكثر من غيرها لوضع مفتاح «RS-28 sarmat» تحت إمرة بوتين شخصياً؛ ففي الوقت الذي تصل فيه العلاقات الروسية – الأمريكية حالياً إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، يلوِّح الروس في الوقت الراهن بإمكانية استخدام منظومتهم الصاروخية النووية؛ وتشير تقارير تقدير الموقف العسكرية النووية الأمريكية إلى قدرة «RS-28 sarmat» على محو أرض بمساحة ولاية نيويورك. ووفقاً لما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن البروفيسور بول كرييغ روبرتس، المساعد الأسبق لوزير الخزانة الأمريكية للسياسات الاقتصادية، يتجاوز الضرر الناجم عن إطلاق الصاروخ الروسي كل تصور؛ مؤكداً أن «الصاروخ الواحد يمكنه محو ثلاثة أرباع مساحة ولاية نيويورك لمدة تتجاوز آلاف السنين».
وحذرت «نيويورك تايمز» قبل أيام من «الاستخفاف بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين لوح مرتين خلال أسبوع واحد باستخدام سلاح «يوم القيامة» في نزاعه المسلح مع أوكرانيا»، لا سيما أن تهديدات بوتين ذات الصلة بأوكرانيا ليست وليدة الأزمة الراهنة مع جارته الغربية، وإنما تعود إلى مارس 2018، وهو التوقيت الذي تزامن مع استعراض موسكو لصاروخها النووي الجديد «RS-28 sarmat».
خداع الدفاعات
حينها هدد بوتين الولايات المتحدة والغرب بامتلاك صاروخ نووي عابر للقارات، يمكنه خداع كل منظومات الدفاعات الجوية الأمريكية؛ وتضمنت تصريحات بوتين حينئذ مقاطع فيديو تستعرض توجيه رؤوس نووية نحو ولاية فلوريدا؛ وهو ما أثار توترات عسكرية بين واشنطن وموسكو. وعلى تلك الخلفية صادقت الخارجية الأمريكية على بيع أوكرانيا صواريخ مضادة للدبابات، وقررت بهذه الخطوة مكايدة روسيا، نظراً للخلافات الحادة والمتواصلة بين الأخيرة وجارتها الغربية.
ورغم جنوح تقديرات الخبراء الأمريكيين آنذاك إلى مبالغة بوتين «وربما كذبه» حيال قدرات بلاده العسكرية، لكنه ركَّز في حقيقة الأمر على نقطة ضعف الدفاعات الجوية الأمريكية، التي جرى تصميم منظوماتها على افتراض تحليق الصواريخ بارتفاعات عالية، ويمكن تدميرها قبل وقت طويل من وصولها إلى هدفها. بينما أكدت تصريحات بوتين في حينه أن الصواريخ النووية الجديدة تتجه نحو أهدافها بارتفاع منخفض وأسرع من قدرة الدفاعات الجوية على اعتراضها قبل الوصول للهدف.
ولا يبعد صاروخ «ايفنغراد» النووي الروسي عن ساحة تهديدات موسكو للولايات المتحدة والغرب؛ فالصاروخ الذي يفوق سرعة الضوء 27 مرة، يستطيع تعديل مسار إطلاقه أكثر من مرة، وهو ما يحول، حسب مصادر أوروبية، دون تمكُّن أية دفاعات جوية من اعتراضه أو إسقاطه خلال عملية التحليق. ووفق ما نقلته شبكة التلفاز الهولندية NOS عن خبير الأسلحة سيكو وان دار مير، زميل معهد أبحاث «كلينغندل»: «من المعروف أن سباق التسلح يقوم في معظمه على «الخداع»، وهو جزء من ميزان التهديدات بين الدول العظمى، ولكن بين ما إذا كان هذا النوع من الصواريخ البحرية متناغماً مع تحقيق أهدافه أو لا، فليس ثمة شك في أن الولايات المتحدة وكذلك أوروبا تشعران بالرعب منذ إعلان روسيا عن صاروخها النووي في ديسمبر 2019».
سباق التسلح
وليس ثمة شك، حسب الخبير الهولندي في أنه على مدار عشرات السنين يبحث الروس عن وسيلة لتهدئة سباق التسلح لصالحهم؛ ومنذ بناء الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش منظومة الدفاعات الصاروخية، يعتمد الروس على صواريخهم النووية لتفعيل ضغوطات موسكو على العالم، وحقق الصاروخ النووي من طراز «ايفنغراد» تحولاً جذرياً في ميزان القوى العالمية لصالح الروس.
ويوضح الخبير الهولندي أنه بعيداً عن الحرب الدائرة في أوكرانيا حالياً، لا تنتظر ساعة صفر الحرب العالمية الثالثة أي تطور على تلك الجبهة، وإنما يكفي لاندلاع شرارتها إطلاق روسيا صاروخاً نووياً واحداً من طراز «ايفنغراد»، حتى إذا جرى إطلاقه عن طريق الخطأ. ويعتمد الخبير في تقديراته على دراسة حديثة أجرتها جامعة «برينستون» الأمريكية، إذ قام باحثون في الجامعة بمحاكاة موقف افتراضي تطلق فيه روسيا صاروخاً برأس حربي نووي - للردع فقط. وحسب المحاكاة، ففي الساعات الخمس التي تتلو إطلاق الصاروخ، «يموت ما يربو على 91 مليون شخص في الولايات المتحدة، وروسيا، ودول حلف الـ«ناتو»، بالإضافة إلى نتائج غير سارة نهائياً لبقية دول العالم».
وتعد الفيدرالية الروسية واحدة من بين خمس دول نووية على مستوى العالم، إذ تمتلك ما يربو على 6.800 رأس نووية متفجرة، فضلاً عن احتياطي أسلحة نووية هو الأكبر من نوعه في العالم. وبالإضافة إلى السلاح النووي، أعلنت روسيا عام 1997 امتلاك ترسانة من الأسلحة الكيميائية تقدر بـ39.967 طن. وكان الاتحاد السوفييتي السابق يمتلك احتياطياً من الرؤوس النووية المتفجرة يقدر بـ45 ألف رأس عام 1986؛ وتسود التقديرات بأنه في الفترة ما بين 1949 حتى 1991، أنتج الاتحاد السوفييتي ما يقرب من 55 ألف رأس نووية. ومع بداية 2019، أصبحت روسيا والولايات المتحدة تمتلكان ما يربو على 90% من إجمالي القوة النووية على مستوى العالم.
رغم ذلك، ما زال عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها روسيا أو الولايات المتحدة سراً من أسرار الأمن القومي، ما جعل العدد مصدراً للتوقعات، ووفقاً لتقديرات الفيدرالية الأمريكية للعلماء، تمتلك روسيا 6.800 رأس نووي، بينما تمتلك الولايات المتحدة 6,185. وفي كلا البلدين، وفقاً للتقديرات ذاتها، جرى نشر 1.600 رأس نووية استراتيجية في مناطق بعينها.