كاد البعض أن ينسى الحديث عن مفردات مثل الغزو واستخدام الأسلحة النووية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991، وهو صاحب الترسانة الأكبر في التاريخ من هذه الأسلحة ذات التدمير الجماعي، لكن العالم فوجئ بأن الحشد العسكري الروسي الأوكراني لا يستثني ولا يستبعد الخيارات النووية، ويجري الحديث عن الخيار النووي على 3 جبهات رئيسية في الصراع، الأولى: هي حديث الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، بأن تخلي بلاده عن السلاح النووي بموجب مذكرة بودابيست عام 1994 كان خطأ كبيراً، وهو ما يسمح من وجهة نظره لروسيا الآن بتهديد أوكرانيا.
الجبهة الثانية تتعلق بكشف الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أن بلاده لم تزل أو تدمر البنية التحتية لاستخدام الأسلحة النووية منذ تخليها أيضاً عن هذه الأسلحة مع أوكرانيا وكازاخستان عام 1994، وأنه قد يطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر الأسلحة والصواريخ النووية في بلاده لمواجهة التحديات الجديدة في شرق أوروبا.
الجبهة الثالثة هي حديث بوتين أن أوكرانيا والغرب يعملون على تسليح كييف بالأسلحة النووية، وهو الأمر الذي يوضح السبب وراء محاكاة روسيا وبيلاروسيا في المناورات الاستراتيجية الحالية لاستخدام أسلحة نووية سواء عبر الصواريخ أو نقلها بالطائرات أو حتى من الغواصات، وخاطب وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، الرئيس بوتين باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال هذه التدريبات قائلاً «يجري وفقا لقراركم تدريب لقوات الردع الاستراتيجي، سيتم خلاله اختبار عمليات التحكم بالأسلحة النووية والأسلحة ذات الخطورة المحتملة المتزايدة، ضمن إطار إدارة موحدة، وجرى هذا التدريب بمشاركة القوات الجو فضائية وقوات المنطقة العسكرية الجنوبية والقوات الاستراتيجية الروسية وأسطولي البحرين الشمالي والأسود في الجيش الروسي».
صواريخ نووية في الميدان
ورغم أن روسيا كانت تجري في الخريف من كل عام المناورات الاستراتيجية إلا أنها لم تنفذ محاكاة بهذا الشكل حول استخدام الأسلحة النووية، لكن الأخطر ما كشفه بيان صادر عن سيد الكرملين في نفس يوم بدء المناورات عندما أزاح الستار عن استخدام روسيا في تلك المناورات عدداً من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بل والصواريخ الأسرع من الصوت والقادرة على حمل رؤوس نووية مثل الصواريخ الباليستية والمجنحة من طراز «كينجال» و«تسيركون»، وكلاهما أسرع من الصوت، وإذا كان صاروخ «كينجال» يتم إطلاقه من الجو فإن صواريخ مثل «تسيركون وكاليبر» يجري إطلاقها من السفن، كما تم استخدام صاروخ «إسكندر» المجنح في البر من جنوب روسيا، بينما أطلقت روسيا لأول مرة الصاروخ العابر للقارات والقادر على حمل رؤوس نووية من طراز «يارس»، بالإضافة إلى استخدام روسيا القاذفات الاستراتيجية من طراز «تو-95» في إطلاق صواريخ مجنحة قادرة على حمل رؤوس نووية، و إطلاق غواصة «كاريليا» الاستراتيجية العملاقة التابعة لأسطول البحر الأسود صاروخاً باليستياً من طراز «سينيفا» من بحر بارنتس.
فما هي الظروف الميدانية التي قد تدفع روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية؟ وهل تملك أوكرانيا خيار الانسحاب من اتفاقية بودابست التي حرمتها من 1700 رأس نووي؟
كيف حرمت اتفاقية بودابست أوكرانيا من النووي؟
مواقف وتصريحات الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلينسكي، تؤكد ندم بلاده لأنها تخلت عن الأسلحة النووية بموجب اتفاقية بودابست عام 1994، حيث نزعت هذه الاتفاقية كل أنواع الأسلحة النووية من كازاخستان وبيلاروسيا وأوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؛ اتساقاً مع بنود اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي تقول إن السلاح النووي يجب أن يبقى فقط بيد الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ووفق اتفاقية بودابست تم تفكيك وإعادة الأسلحة النووية الأوكرانية إلى روسيا مقابل أن تضمن الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا أمن أوكرانيا، ولهذا هدد الرئيس زيلينسكي بأن عدم اجتماع هذه الدول لحماية بلاده سوف تدفع كييف للانسحاب من اتفاقية بودابست، وكان لدى أوكرانيا نحو 1700 سلاح نووي، منها 100 صاروخ عابر للقارات من طراز UR-100 N، ونحو 50 قطاراً نووياً من طراز RT- 23 MODETS، بالإضافة إلى أسطول من القاذفات الاستراتيجية، فهل هذه البيئة السياسية الخطرة تهدد باندلاع حرب نووية في شرق أوروبا؟ وماذا عن خيارات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للدفاع عن أوكرانيا التي يشكك البعض في قدرتها على العودة مرة أخرى لاقتناء السلاح النووي؟
رقعة النووي تتزايد
قبل أن تغادر منصبها رفضت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، تخزين المزيد من الأسلحة النووية في القواعد الأمريكية على الأراضي الألمانية، وهو ما دفع حلف الناتو للتفكير في نشر هذه الأسلحة النووية في بولندا الأقرب إلى روسيا وبيلاروسيا، وهذا ما دفع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، للتهديد بنشر رؤوس نووية روسية في بلاده إذا نفذ حلف الناتو تهديده بإرسال الأسلحة إلى بولندا، وفق قناة روسيا 24، وقال إن البنية التحتية لنشر الصواريخ النووية الروسية لم يتم إزالتها منذ عام 1994، وإنه حافظ على هذه البنية التحتية تحسباً لتهديد بلاده من جانب الناتو.
السبب الحقيقي
هناك بعض القراءات بما فيها القراءة الغربية تقول إن سبب الحشد الروسي الحالي حول أوكرانيا، والتصعيد حول دونباس واحتمالية ضم هذه الإقليم إلى روسيا بعد الاعتراف باستقلالها، يأتي في إطار رغبة روسيا في تعاطي الغرب بجدية مع المطالب الأمنية التي تتعلق بشكل رئيسي بزيادة نشر حلف الناتو لأسلحة نووية قرب الحدود الروسية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، وإن هذه المطالب الأمنية جاءت بعد تأكد الكرملين من نشر رؤوس نووية جديدة في أوروبا، فوفق تقدير جمعية العلماء الأمريكيين FAS في 18 نوفمبر 2021 فإن البرنامج الجديد لتحديث القنابل النووية الأمريكية يستهدف إضافة نحو 480 من طراز «بي 61- 12» إلى المخازن والقاذفات النووية التابعة لقواعد الناتو في أوروبا. وكشف اتحاد العلماء الأمريكيين أنه بحلول عام 2023 سوف يتم تحميل هذه القنابل النووية الجديدة من نوعية قاذفات الشبح الاستراتيجية من طراز «B-21 Raider - B-2 Spirit»، وتكرر التأكيد على نشر هذه القنابل النووية الجديدة في تقرير إدارة الأمن النووي الوطنية الأمريكية التي تهتم بالقنابل النووية الأمريكية في شهر نوفمبر، بحسب ما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية.
قنابل نووية في 5 دول
التوسع في رقعة نشر الأسلحة النووية في أوروبا بدأ منذ أبريل 2019 عندما نشرت الجمعية البرلمانية لحلف الناتو دراسة للنائب الكندي داي بعنوان «عصر جديد للردع النووي» كشف فيها أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وافق بالفعل على نشر 150 قنبلة نووية من طراز «بي 52» في 5 دول من حلف الناتو، هي: ألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وتركيا، وبلجيكا.
المؤكد أن نشر هذه الأسلحة النووية يثبت أن الخطر محدق ليس فقط على روسيا وأوروبا الشرقية، بل والعالم أجمع، فالصواريخ والغواصات والقاذفات الاستراتيجية قادرة على نقل الرؤوس النووية إلى أبعد نقطة في الكرة الأرضية، وهو ما يوجب توخي الحذر، والاستماع لصوت العقل والحكمة، ومنها العودة لاتفاقية INF التي وقع عليها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في عام 1987، وانسحبت منها واشنطن وموسكو في أغسطس 2019.