السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

«دونباس»: أصل الصراع.. وكيف يراه شباب روسيا وأوكرانيا؟

«دونباس»: أصل الصراع.. وكيف يراه شباب روسيا وأوكرانيا؟

ألأجل زرقة أعينهن؟!

يدرك غالبية المتابعين لحديث الحرب في منطقة دونباس، شرق أوكرانيا، أن انتفاضة الغرب ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليست من أجل سيادة أوكرانيا ولا وحدة أراضيها، إنما هي واحدة من جولات صراع النفوذ المتوارث من حقبة الحرب الباردة، مثلها كمثل جورجيا 2008 التي شهدت سيناريو يكاد يكون مطابقاً قبل 14 عاماً، عندما أعلنت موسكو اعترافها بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيتين الانفصاليتين، وذلك لتبرير دخول قواتها العسكرية في أراضي جورجيا (الجمهورية السوفيتية السابقة أيضاً) والتي كانت تتفاوض -أيضاً- للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ما حكاية الناتو؟

ما يجري في أوكرانيا قد يستعصي على البعض من الأجيال الشابة فهمه، هؤلاء ممن لم يعاصروا الثنائية القطبية بين القوتين العظميين الأمريكية والسوفييتية، المنبثقتين من نهاية الحرب العالمية الثانية، كبديلين للإمبراطوريتين السابقتين البريطانية والفرنسية، انقسمت الخريطة الدولية آنذاك إلى معسكرين: شرقي شيوعي، وغربي رأسمالي، لكلٍ أتباعه وتكتله العسكري، قبل انهيار الأول مطلع تسعينيات القرن العشرين.

«الناتو» X «وارسو»

شباب اليوم غالباً لا يقرأ في الأخبار سوى عن «توسيع» حلف «الناتو» الذي تلهث للانضمام إليه أوكرانيا، ومن قبلها جورجيا، وغيرهما، هو تكتل عسكري تشكل عام 1949 في واشنطن وضم مبدئياً بريطانيا وفرنسا، وتوسع مع الوقت ليشمل -حتى الآن- نحو 30 دولة عضوة، كان هدفه الاتفاق على الدفاع المشترك حال تعرض أي من أعضائه لهجوم خارجي.

في المقابل، غاب الحديث عن حلف وارسو الذي تأسس لإحداث توازن عسكري في القوى أمام الناتو، ففي عام 1955، ولد الحلف من رحم الاتحاد السوفيتي خلال اجتماع في العاصمة البولندية وارسو، وضم ألمانيا الشرقية وبولندا ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلافاكيا وألبانيا، لكن الحلف لم يدم سوى 36 عاماً إذ انحل تلقائياً عام 1991 مع سقوط سور برلين وتوحيد ألمانيا، ثم انهيار الاتحاد السوفييتي أمام تغول الرأسمالية التي حولت العالم مذُّاك إلى أحادي القطبية بقيادة أمريكية مطلقة، ما نسف موازين القوى الدولية.

أين المعضلة؟

رغم مرور سنوات على انهيار الاتحاد السوفيتي، يحرص الدب الروسي على إبقاء مناطق نفوذه القديمة تحت سيطرته، أو على الأقل تأمين حدوده الأوراسية المترامية من أطماع حلف الناتو التوسعية، إذ تزداد رقعة الدويلات الراغبة في الانضمام لحلف شمال الأطلسي يوماً بعد يوم لتأمين أراضيها الوليدة، لا سيما تلك المتفككة سواء من الاتحاد السوفيتي السابق، أو يوغوسلافيا السابقة، ما يشكل تهديداً عسكرياً مباشراً للحدود الروسية إذا ما وطئت قوات الناتو الأراضي المتاخمة لحدودها الغربية من جهة شرق أوروبا.

لعل كل هذا يفسر أسباب تفجر الصراع الحالي حول أوكرانيا، وليس من أجل أوكرانيا، التي تشارك فناءها الشرقي مع روسيا، حيث يدور كل الحديث عن الحرب المحتملة في «شرق أوكرانيا»، هذا الإقليم الانفصالي الذي يضم جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك اللتين اعترفت روسيا باستقلالهما لتتصدرا الأخبار طول الساعات الـ48 الماضية.

غير أن مشاهد الاحتفالات التي سادت منطقة دونباس (شرق أوكرانيا) وترحيب الأوكرانيين الانفصاليين هناك بالخطوة الروسية لا تعكس وحدها وجهة نظر أبناء هذه المناطق، من موسكو إلى كييف مرورا بدونباس.

حربٌ أم عدوان!

بداية، رفض دانييل بوبوف (26 عاماً)، وهو روسي من سانت بطرسبرغ ومقيم بالخارج، وصف ما يجري بأنها «حرب أوكرانية». وقال، رداً على سؤال عن رأيه في تطورات الموقف «أولاً وقبل كل شيء، إنها ليست حرباً أوكرانية.. إنه عدوان روسي على أوكرانيا. ربما هي تفصيلة صغيرة، لكن من المهم بالنسبة لي أن أسميها بهذه الطريقة».

وأوضح «أعتقد أن السبب سخيف ومبني على الأكاذيب، هذا محزن جدا وأشعر بالاشمئزاز، برأيي أن القيادة الروسية تستخدم أسلوب تفكير عفا عليه الزمن، لم تتلق أوكرانيا أي إمداد عسكري (من الناتو) قبل العدوان الروسي، لذا فإن ما فعلته روسيا هو دفع أوكرانيا إلى أحضان الناتو، لا أستطيع أن أرى كيف لم يدركوا ذلك، حقاً أنا لا أرى أن الناتو يشكل تهديداً».

بروباجاندا

أما أناتولي هلوشينكو (28 عاماً)، أوكراني مقيم بالخارج، ومنحدر من مدينة «ريفن» شمال غرب أوكرانيا، فرأى أن «أصعب ما في الأمر هو البروباجاندا الروسية التي تغير الحقائق وتظهرها بشكل مختلف».

وبسؤاله عن مخاوفه من الحرب المحتملة، قال «هذا الوضع الذي نعيشه منذ 8 سنوات. الحرب قائمة منذ انفصال شرق أوكرانيا، الجنود يموتون على الجبهة»، وأضاف «الجديد هو أن أوكرانيا باتت تتمتع بتأييد المجتمع الدولي»، وأوضح «صحيح أن الأوكرانيين سواء داخل البلاد أو خارجها يشعرون بالقلق، لكننا مطمئنون أن لدينا اليوم جيشاً أقوى مقارنة بـ8 أعوام مضت، نحن الآن جاهزون للحرب وندعم جيشنا بالتبرعات، وبمشاركة المعلومات بشكل صحيح مع من حولنا»، وختم «كنا نفضل الدبلوماسية لكننا للأسف مجبرون على الحرب، نحن لم نبدأ الهجوم أبداً».

من يتحمل اللوم؟

على الجانب الآخر، ورغم عدم الرغبة في خوض حرب، بطبيعة الحال، فإن قطاعاً كبيراً من المواطنين الروس كان ينظر بشكل عام بإيجابية إلى العملية العسكرية التي جرت في دونباس عام 2014، بحسب مركز كارنيجي موسكو، الذي نقل عن شباب قولهم إنه «ليس لروسيا علاقة بذلك، وإن من يتحمل اللوم هما الولايات المتحدة وأوكرانيا إزاء كل الخسائر التي لحقت بالأرواح».

وقال تقرير المركز إن هذا الشعور مشابه جداً للشعور السائد بين الرأي العام في الوضع الحالي، مستشهداً باستطلاع رأي قال إن 50% ممن استطلعت آراؤهم يلومون الولايات المتحدة وحلف الناتو في تصعيد الوضع في أوكرانيا (16% يلومون أوكرانيا نفسها)، فيما حمل 4% روسيا مسؤولية التوترات.

وتحدث التقرير عن أن البعض في روسيا يعتبرون أنها «محاطة بالأعداء من جميع الجوانب»، فيما يعتقد آخرون أنه من غير المجدي «البحث عن أعداء لأن أساس المشكلة يكمن في أخطاء روسيا نفسها».

حلمٌ تأخر

كانت فرحة كبيرة تلك التي عبر عنها الكثيرون من سكان جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، الذين خرجوا يلوحون بالأعلام الروسية عقب إعلان الكرملين الاعتراف باستقلال منطقتيهما، بل اعتبر بعضهم أن الإعلان كان بمثابة «حلم تأخر كثيراً». ونقلت تقارير إخبارية عن ديمتري، عضو سابق في جماعة انفصالية مسلحة موالية لروسيا، والذي يتطلع بشغف لوصول القوات الروسية، قوله «دمائي ودماء رفاقي وجهدنا والخسائر التي تكبدها المدنيون لم تذهب سدى طوال هذا الوقت».

وأضاف «تحمل شعب دونباس العظيم الكثير من العناء، وهو بحاجة الآن إلى القوات الروسية، لقد عانوا بما فيه الكفاية من الدماء والموت»، جاءت كلماته بينما شقت الطريق قافلة سيارات رافعة الأعلام الروسية، وسط هتاف السائقين: «مرحباً روسيا».

حياة مروعة

على النقيض، أكدت الأوكرانية ماريا بوبوفيتش، التي لم تخفِ قلقها على سلامة عائلتها، فكرة أن الحرب «لم تتوقف أبداً طوال السنوات الثماني الماضية، لذا فإن الأخبار الأخيرة هي مجرد استمرار لما كان يحدث في السنوات الأخيرة»، وقالت «عدد القتلى في هذه الحرب أكبر من ضحايا الحرب السوفيتية في أفغانستان، حياة الأشخاص القريبين من خط المواجهة (شرق أوكرانيا) مروعة، لا توجد وظائف، ولا يتم دفع الرواتب، إمدادات المياه مقطوعة، الأطفال يموتون في حقول الألغام، يجب على المتقاعدين عبور خط المواجهة والذهاب إلى أوكرانيا للحصول على معاشهم التقاعدي، إنهم يتجمدون حتى الموت عند نقاط تفتيش المقاتلين».

وقالت بوبوفيتش «روسيا تعتبر أن الحكومة الأوكرانية نازية وفاشية، لكننا على الأقل لدينا رئيس جديد يُنتخب كل 5 سنوات ولدينا حرية التعبير»، وأضافت «روسيا تحلم باستعادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، يقولون إن القرم صوتت لصالح الاستقلال، فماذا عن الشيشان؟ عندما طالب بالاستقلال، شنت روسيا حربين وحمام دم وحولت مدنهم إلى رماد، لذا فإن معاييرها مزدوجة: عندما تريد روسيا منطقة أخرى، فهم يدعمون الاستقلال، وعندما يريد شخص ما الاستقلال داخل روسيا، غير ممكن».

فتاة أخرى من حوض دونيتسك (شرق أوكرانيا) مركز الصراع، تحدثت شرط عدم الإفصاح عن هويتها لأن والدتها تعيش حالياً في موسكو، قالت الفتاة التي تقيم أيضاً خارج أوكرانيا: «لم يعد لدي منزل بعد الآن، لا يمكنني حتى تسمية مكان ما بأنه بيتي»، ومضت معبرة عن غضبها بالقول: «أكثر ما يؤثر في أنني لن أتمكن من الذهاب إلى هناك.. أنا غاضبة جداً.. الوضع غامض.. كل ما يحدث يزعجني ويؤلمني للغاية».