كشف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، عن رؤى الاتحاد الأوروبي حول المشاركة الأمنية الجادة في المحيطين الهندي والهادئ في تقرير بعنوان «ما هي الخطوة التالية لسياسة الاتحاد الأوروبي الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟» في ظل رئاسة فرنسا لدول الاتحاد بداية من يناير الماضي. ويؤكد التقرير أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يخطط إلى بناء استراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي في المحيطين الهندي والهادي، تم إطلاقها الخريف الماضي؛ للتأكيد على ما تمثله تلك المنطقة من بُعد استراتيجي للمصالح الأوروبية، في مواجهة نفوذ الصين المتنامي، رغم أن سياسات الاتحاد لا تحبذ المواجهة مع بكين، بالتوازي مع المضي في خطة البنية التحتية الأحدث «البوابة العالمية» بكلفة تبلغ 300 مليار يورو، التي تُعد منافساً قوياً لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية العملاقة.
الإكراه الاقتصادي
ويتساءل التقرير حول قدرة التكتل في المساهمة طويلة الأجل للأمن الإقليمي في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ، لا سيما في المجال البحري، في وقت يعتبر تحول الاتحاد الأوروبي الجزئي نحو آسيا استجابة لصعود الصين، والرغبة في بناء استراتيجية جيوسياسية أوروبية جديدة، ترتكز على التصرف بحذر تجاه التوتر القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وغيرها، لا سيما أن آسيا باتت تهيمن بشكل متزايد على المنافسة الجيواستراتيجية العالمية، لذا بدأ الاتحاد الأوروبي في تعديل استراتيجيته التي تبدو في صورتها الظاهرة ناعمة تتحدث عن بناء شراكات تعزز النظام الدولي القائم على القواعد، لكنها في باطنها حازمة في لغتها الخاصة بالصين ومخاطر الإكراه الاقتصادي، خاصةً أن المنطقة تشهد حشوداً عسكرية من دول عدة بينها الصين.
ويشير التقرير إلى أن النهج الأوروبي الجديد الخاص بالتعهد بفحص الانتشار البحري المعزز جدير بالانتباه، لا سيما أنه قد يشير إلى إنشاء منطقة بحرية جديدة مهمة على غرار ما حدث في خليج غينيا، حيث عملت الجيوش الأوروبية آنذاك على تنسيق عملياتها، بالإضافة إلى إمكانية توسيع برنامج تبادل المعلومات البحرية الخاصة بالمحيط الهندي لتشمل جنوب المحيط الهادئ، غير أن اللافت للانتباه أن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك قوة بحرية خاصة به، الأمر الذي يتطلب ضرورة التنسيق بين الدول الأعضاء لتعزيز تواجده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، خاصة فرنسا لما لديها من وجود إقليمي طويل الأمد مقارنة بدول مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا، رغم قدرتهم على لعب دور إقليمي أكبر.
ميزانيات عسكرية ضيقة
ويوضح التقرير أن معظم الدول الأوروبية تمتلك ميزانيات عسكرية ضيقة، الأمر الذي يتطلب ضرورة تخصيص مزيد من الموارد من قبل الاتحاد الأوروبي حال رغبتهم في اتباع سياسة نافذة، بينما تواجه الدول الأوروبية مخاطر أمنية باتت أقرب إلى الحدود، في ظل التوترات المستمرة مع روسيا، لا سيما أن محدودية الموارد تضع الاتحاد الأوروبي أمام خيارات صعبة بشأن تركيزه الجغرافي.
ويشير التقرير إلى تأكيدات سابقة على لسان رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، عن تحمل أوروبا مسؤولياتها كاملة في حماية حرية الملاحة بما في ذلك داخل بحر الصين الجنوبي، رغم المصالح الاستراتيجية للدول الأوروبية الأكثر وضوحاً في المحيط الهندي كونه الأقرب إلى أوروبا، بالمقابل يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعميق المشاركة مع حلفائه في المنطقة، دون التطرق للدور الذي يمكن أن يلعبه في الجهود التي تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية لموازنة القوة المتنامية للصين، ويدلل على ذلك بتصريحات بعض القادة الأوروبيين والخاصة بخيارات المشاركة في تدريبات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والصين وعلى رأسهم رئيس البحرية الألمانية المستقيل، الأدميرال أكيم شونباخ، الأمر الذي يزيد من غموض النهج الأوروبي الذي يحاول إرسال إشارات إلى واشنطن بأن بروكسل شريك أمني عالمي جاد وعلى استعداد أن تلعب دوراً في تحالف أوسع تقوده الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من جهة، ومن جهة أخرى تبدو سياساتها آخذه في بناء قدرات وشراكات أوروبية تسمح لها في نهاية المطاف بالتصرف بشكل أكثر استقلالية دون الرجوع إلي واشنطن، الأمر الذي يحتمل «عمدية» الغموض، نظراً لعدم وجود إجماع واضح بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول دور أوروبا المستقبلي في موازنة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
المنافسة الجيوسياسية
في غضون ذلك يرجح التقرير أن تدفع فرنسا خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي بعدد من المبادرات قد تتضمن بوصلة استراتيجية جديدة لتوجيه التعاون الدفاعي داخل الكتلة الأوروبية على مدى العقد المقبل، والتي يمكن أن تعطي مزيداً من الدلائل حول نهجها في آسيا والمحيط الهادئ، وبغض النظر عن النهج الذي تتخذه أوروبا، من المرجح أن تحتاج قريباً إلى تجاوز التعهدات المحددة في استراتيجيتها الأولية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ- كانت تلك الوثيقة بمثابة خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة للاتحاد الأوروبي في كثير من النواحي- في وقت تتصاعد فيه المنافسة الجيوسياسية باستمرار، إذ بات من المؤكد أن هدفها المعلن، المتمثل في أن تصبح شريكاً أمنياً جاداً طويل الأمد في المنطقة، سيتطلب جهوداً وموارد أكبر في المستقبل.