الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

الأزمة الأوكرانية تمزق «سلة القمح» العالمية

الأزمة الأوكرانية تمزق «سلة القمح» العالمية
الأزمة الأوكرانية تُمزق «سلة القمح» العالمية

23% حصة صادرات موسكو وكييف من القمح عالمياً

7% زيادة في الأسعار في بورصة شيكاغو للعقود الآجلة


مصر تستودر 12.9 مليون طن قمح ما يعادل 14% من إنتاج أوكرانيا


لا تتوقف التداعيات المحتملة، لأي صراع بين روسيا من جانب، وحلف شمال الأطلنطي «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة في أوكرانيا، من جانب آخر، على الجوانب السياسية والعسكرية، وما يترتب عليها من تغييرات جيوسياسية، لكن سيكون هناك ارتدادات اقتصادية هائلة، على كل الأطراف، سواء بوقف تصدير الغاز الروسي لأوروبا أو عزل روسيا عن النظام المالي العالمي «السويفت»، وارتفاع أسعار البنزين، وفاتورة الطاقة على المواطن الأوروبي والأمريكي، بعد أن ارتفع سعر برميل النفط لأكثر من 94 دولاراً لأول مرة منذ 2014، ووصول سعر الغاز فوق 900 دولار لكل ألف متر مكعب، وفق بيانات المعهد الهولندي للغاز.

ورغم أن كل المجالات الاقتصادية السابقة، هي قطاعات حيوية، وترتبط بحياة غالبية المواطنين في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا، فإن تأثير ملف القمح الروسي والأوكراني، وكل أنواع القمح التي تزرعها دول قريبة من الصراع، في البحر الأسود، مثل: بلغاريا، ورومانيا، سيكون لها تداعيات على المنطقة العربية، وغيرها من الدول التي ليس لديها اكتفاء ذاتي من القمح، وخاصة الدول العربية التي تستورد وتزرع القمح والشعير لحسابها في روسيا وأوكرانيا.

فما أبعاد أزمة الحبوب والقمح التي يمكن أن تترتب على أي حرب في أوكرانيا؟ وما البدائل أمام الدول العربية للتغلب على هذا التحدي الذي يتعلق بسلعة استراتيجية تهم ملايين المواطنين العرب؟

القمح والذرة

تحتل روسيا مع أوكرانيا نصيب الأسد في زراعة وتصدير القمح والذرة في العالم، وشكلت صادراتهما معاً من القمح نحو 23% من التجارة العالمية في عام 2021-2022، وفق أرقام وزارة الزراعة الأمريكية، وبحسب تقديرات لمعهد دراسات السوق الزراعية «إيكار» في موسكو، الذي يتوقع أن محصول القمح الروسي لعام 2021 كان ما بين 74 و75 مليون طن.

وبحسب إحصاءات وكالة رويترز، فإن صادرات أوكرانيا من الحبوب في العام الجاري، سوف تصل إلى 12% من صادرات القمح العالمية، و16% للذرة، و18% للشعير، و19% للبذور حال عدم اندلاع الحرب، لكن حدوث أي سيناريو من سيناريوهات الحرب، سواء الخاطفة أو الطويلة، سوف يؤثر سلباً على إنتاج وتصدير القمح والحبوب الأوكرانية.

وقياساً إلى ما حدث عام 2014، حيث ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ما أدى إلى تراجع العملة المحلية، وزيادة تكاليف الإنتاج، الأمر الذي قاد في النهاية إلى تراجع زراعة القمح خلال عامَي 2014 و2015، فإن سيناريو احتلال الجيش الروسي للأراضي الأوكرانية وفرار الفلاحين والمزارعين هو أكبر ضربة للقمح الأوكراني، الذي تعتمد عليه دول كثيرة في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

التوتر في البحر الأسود

كما أن مجرد التوتر في البحر الأسود، سوف يقود لرفع قيمة التأمين على الشحن والنقل في أقصر طريق لشراء القمح، بالنسبة للمنطقة العربية، حيث يعبر القمح من البحر الأسود وبحر أزوف ويمر من مضيقي البسفور والدردنيل إلى الدول العربية، خاصة تلك في شمال أفريقيا، حيث استقبلت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا 40% من صادرات القمح الأوكراني العام الماضي، وفق حسابات دائرة الصادرات الأوكرانية.

ويرتبط بهذا الوضع المخاوف من ارتفاع أسعار الوقود، وانعكاس ذلك على أسعار القمح والذرة والشعير، لكن تظل التهديدات العسكرية، أكبر خطر على صادرات القمح الروسية والأوكرانية وفق صحيفة «واشنطن بوست: التي قالت إنه خلال عام 2020 استوردت لبنان 50% من قمحها من أوكرانيا، في حين استوردت اليمن 43% وليبيا 22% من القمح الأوكراني.

أكبر مستورد للقمح

وفي عام 2020 استوردت مصر نحو 12.9 مليون طن قمح بكلفة 3.2 مليار دولار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما احتلت القاهرة المركز الأول في قائمة مستهلكي القمح الأوكراني، بأكثر من 3 ملايين طن، أي نحو 14% من إجمالي إنتاج القمح الأوكراني.

كما اشترت مصر في نفس العام نحو 8.9 مليون طن قمح من روسيا، وتتوقع بيانات خدمة الزراعة الخارجية الأمريكية أن يصل استهلاك مصر من القمح لعام 2021-2022 نحو 21.3 مليون طن، بزيادة قدرها 2.4% تقريباً عن عام 2020-2021.

وساهم التوتر على الحدود الأوكرانية الروسية في «عدم اليقين» بشأن حصول الدول العربية على مشترياتها من القمح الأوكراني والروسي، وهو قلق عبّر عنه وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، علي المصيلحي عندما قال إن الصراع الروسي - الأوكراني- باعتبارهما أكبر مُصدِّرَين للقمح- يزيد من حالة عدم اليقين في أسواق القمح العالمية.

وأضاف الوزير المصري قائلاً: «إن وزارته شكلت لجنة لدراسة سياسات التحوط، وإن احتياطات مصر الاستراتيجية حالياً من القمح تكفي لتغطية فترة 4 - 5 شهور»، وفق ما نقلته عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط.

وتشير البيانات المصرية إلى أن مصر استوردت خلال العام الماضي نحو 50% من القمح من روسيا، ونحو 30% من أوكرانيا، بمعنى أن 80% من احتياجات مصر من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، وخلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2020، شكل القمح الروسي نحو 80% من واردات القمح المصرية، وفق هيئة السلع التموينية المصرية، كما أدى ارتفاع أسعار القمح إلى زيادة إنفاق وزارة المالية المصرية في دعم القمح بنحو 12 مليار جنيه مصري، أي نحو 763 مليون دولار في ميزانية 2021-2022، وفق ما قاله وزير المالية المصري محمد معيط في 25 يناير الماضي.

ضغوط بسبب القمح

وتدعم الكثير من الدول العربية مشتريات القمح، حتى يكون في متناول الجميع بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، التي كشفت أن التوترات على الحدود الشرقية لأوكرانيا مع روسيا، ساهمت في رفع أسعار القمح المتداول في بورصة شيكاغو للعقود الآجلة، حيث زاد السعر بنسبة 7% في شهر يناير الماضي، أي بنسبة 8 دولارات للبوشل الواحد «مكيال الحبوب».

كما تنظر دولة مثل المملكة العربية السعودية، التي شجعت خلال الفترة الأخيرة، القطاع الخاص لديها على الاستثمار في زراعة القمح في روسيا، وإعادة تصديره إلى المملكة، في توفير بدائل للقمح والشعير الروسي والأوكراني.

وفي المغرب تدرس الرباط عدة سيناريوهات لضمان الإمدادات الرئيسية من القمح، في ظل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ولا سيما أن البلدين مصدران رئيسيان للقمح للمغرب، وفق صحيفة «هسبريس» التي قالت إن استمرار الأزمة الأوكرانية الروسية لفترة طويلة سوف تترك تداعياتها على مشتريات القمح المغربية.

بدائل جاهزة

وتتمتع الدول العربية، سواء في المشرق أو المغرب العربي، بعلاقات جيدة للغاية مع باقي المنتجين للقمح في العالم، مثل: فرنسا، وأستراليا، والولايات المتحدة، وهذا ما يوفر بدائل سريعة وجاهزة لتعويض أي نقص في القمح الأوكراني والروسي.