تسود حالة من التوتر بين روسيا وأوكرانيا منذ سنوات عدة؛ بسبب شبه جزيرة القرم، لكن مع فترات الهدوء النسبي، سرعان ما يتصاعد الصراع، الذي وصل للتلويح بالدخول في حرب. وعلى الرغم من تأكيد روسيا عدم رغبتها في خوض الحرب، إلا أنها نشرت قوات عسكرية على الحدود بين البلدين، وهو ما دعا أوكرانيا إلى حشد عشرات الآلاف من جنودها تأهباً واستعداداً لأي مباغتة روسية.
روسيا من جانبها تتهم واشنطن بأنها تقف وراء إذكاء هذا الصراع، وكذلك الناتو، لأسباب ترجعها إلى تغير في سياسة النظام العالمي وصعود موسكو. في المقابل ترى أوكرانيا أن روسيا هي من تنزع فتيل الأزمة بسبب مواقفها. ولمعرفة موقف وتصور كل بلد حول فكرة اندلاع الحرب، أو أسباب الصراع الدائر من وجهة النظر الروسي والأوكرانية، أجرت «الرؤية» مواجهة بين الدبلوماسي الروسي السابق فيستشلاف ماتوزوف، والدبلوماسي الأوكراني السابق فلاديمير شوماكوف.
دبلوماسي روسي سابق:
الصراع الروسي مع واشنطن لا أوكرانيا
واشنطن تتخوف من تحالف عسكري اقتصادي روسي - صيني
أمريكا ارتكبت خطأ بالتلويح بفرض عقوبات على بوتين
الاعتراف الروسي بالقرم منع إقامة قاعدة بحرية أمريكية
قال الدبلوماسي الروسي السابق فيستشلاف ماتوزوف، إنه لا يوجد صراع بين روسيا وأوكرانيا، رغم حالة التوتر الدائرة بين البلدين، لكنه أكد أن الصراع الحقيقي يكمن بين موسكو وواشنطن، إزاء تخوفات من التغير في النظام العالمي سياسياً اقتصادياً، وما سبق ذلك من رفض روسيا لتحويل جزيرة القرم إلى قاعدة بحرية أمريكية.
وأضاف السفير السابق في حوار لـ«الرؤية»، أن أكثر ما يدعو للاستغراب أن تعلن أمريكا أكثر من مرة موعد اندلاع الحرب مع كييف، والرئيس الأوكراني نفسه لا يعرف عنها شيئاً، مشيراً إلى أن بلاده من حقها حشد الجنود على الحدود في مواجهة الاستفزازات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي.
ما هي أسباب الصراع بين روسيا وأوكرانيا؟
لا يوجد صراع بين روسيا وأوكرانيا، فالصراع وفق السنوات القليلة الماضية يعتبر «أوكراني- أوكراني»، خاصة بعد الانقلاب في العاصمة كييف في شهر فبراير عام 2014، والذي نظمته أمريكا وقت إدارة الرئيس باراك أوباما، وتم إسقاط الرئيس الشرعي فيكتور يانكوفيتش، بسبب اندلاع الاحتجاجات العنيفة التي دعمتها واشنطن، ما أثار الاستفزاز وحدث تبادل إطلاق نار بين المتظاهرين والسلطة في كييف، وكانت هناك نية لتغيير السلطة، المستقلة نسبياً، حيث كانت مستعدة للانضمام إلى أوروبا دون قطع العلاقات مع روسيا، وفى تلك الأثناء اندلعت المظاهرات الموالية لموسكو في المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، واستمرت حتى تم الاستفتاء على القرم.
لكن الشعب الأوكراني يرى أن هناك تدخلاً غير مقبول من روسيا.
روسيا لم تتدخل، لكن عندما وصلت السلطة المتشددة ضد موسكو، وقت الرئيس بيترو بورشينكو، كانت هناك القوى المعادية لروسيا وموالية ومتشددة للغرب، وبلغ الأمر منع اللغة الروسية وأمور أخرى، وفى تلك الأثناء أعلن أبناء القرم رغبتهم في إجراء انتخابات وتشكيل برلمان جديد، وأن تكون القرم ذات حكم ذاتي، من خلال استفتاء بالاستقلال عن السلطة المركزية، ومن المعلوم أن 80% من أبناء القرم هم روس، وعندما انفصل القرم عن أوكرانيا، وعادت إلى حضن روسيا، كان على روسيا الاعتراف الرسمي، من أجل منع إقامة قاعدة بحرية أمريكية، لذلك روسيا أيدت استقلال القرم حتى لا تتحول إلى قاعدة عسكرية أمريكية.
هل تتوقع اندلاع حرب روسية- أوكرانية؟
روسيا تنفي أي استعدادات للدخول في الحرب على أوكرانيا، ولا توجد أي نية لهذا الأمر، رغم الاستفزازات المتكررة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي، الذي يجري مناورات، فضلاً عن إرسال تركيا طائرات مسيرة، فهم من يشجعون ويدفعون بأوكرانيا باتجاه الحرب والرغبة في حل المشاكل عسكرياً وليس عن طريق التفاوض، فالولايات المتحدة الأمريكية تجر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي للدخول في الحرب واستخدام القوة العسكرية، لكن من المستبعد تماماً اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، ومن غير المعقول أن يحدث ذلك، ولا أتصور حرباً تقوم بها أمريكا من أجل أوكرانيا.
لكن العالم كله يتابع الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية.. ألا يعتبر ذلك استعداداً للحرب؟
من حق روسيا حشد أكثر من 100 ألف جندي، فضلاً عن أن هناك نشر قوات عسكرية بالاتفاق مع بيلاروسيا، وكل هذه الأمور والتجييش يأتي نتيجة التهديدات الأمريكية الواضحة والمستمرة، وقد ظهر ذلك للعالم من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ضد روسيا، اللذين يتهمونها بأنها تقوم بحشد الجنود، كما أن أمريكا خلال الأيام الماضية تتحدث عن مواعيد لاندلاع الحرب، مرة تقول إنها في نهاية شهر يناير، ثم تتحدث بأنها في شهر فبراير، كما أنهم قاموا بسحب أعضاء السلك الدبلوماسي، ما أثار قلق الرئيس الأوكراني زيلينسكي، نفسه، وقال إنه ليست لديه أي معلومات عن الحرب، ولا يوجد استعدادات روسية للتورط في الحرب، وما قاله زيلينسكي يطرح التساؤل، لماذا لا تتراجع واشنطن عما تفعله في ظل ما أكده الرئيس الأوكراني نفسه بأنه لا يعلم شيئاً عن الحرب وهذا يدعو للاستغراب؟
ما أفهمه من كلامك أن الصراع إذن ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل بين موسكو وواشنطن؟
هذا صحيح، الصراع دائر بين روسيا وأمريكا، حيث إن واشنطن لديها قلق إزاء التغييرات على الصعيد العالمي سياسياً واقتصادياً في ظل انتشار وباء فيروس كورونا، كما أن فرض الضغوط على روسيا بسبب تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من التقارب الروسي – الصيني، وهناك تخوف من مقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وإعلانه المشاركة في افتتاح دورة الألعاب الشتوية في أولمبياد بكين، كما أن هناك تخوفاً من الإعلان عن (تحالف عسكري اقتصادي روسي- صيني )، وهذا لن يخدم أمريكا، لذلك فالصراع مع واشنطن وليس موسكو وكييف، حيث إن روسيا لا تزال تصر على استمرار المفاوضات مع أوكرانيا.
أنت تتحدث عن الضغوط الأمريكية ضد روسيا بسبب علاقتها بالصين، لكن ماذا عن فرض العقوبات؟
التلويح الأمريكي بفرض عقوبات على روسيا خطأ كبير، فهل من المعقول أن تلجأ دولة مثل أمريكا لفرض عقوبات على دولة أخرى كبرى ذات سيادة مثل روسيا، بل وشخص الرئيس بوتين نفسه، الذي يمثل شعب بلاده؟ فكل ما تسعي إليه أمريكا هو تغيير نظام الحكم، أو بالأحرى السياسة الخارجية الروسية، خاصة أن بوتين أعاد هيبة البلاد، مقارنة بما كان عليه الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، فخلال فترات معينة كانت أمريكا هي من تقوم بتشكيل الحكومة الروسية. كما أن سلاح العقوبات ثبت فشله ولن ينجح، والولايات المتحدة الأمريكية لا تفهم الواقع الروسي، على الرغم من أن هناك مطالب شعبية بتقييد نشاطات بعض رجال رأس المال، ولا ننسى أن الرئيس بوتين أعاد الميزان الاقتصادي للبلاد.
دبلوماسي أوكراني سابق:
لن نعترف بـ«روسية القرم» وجاهزون لردع موسكو
إذا اندلعت الحرب ستكون أوكرانيا مثل أفعانستان لروسياأوروبا غير موحدة وأمريكا تدعمنا بالأسلحة
نشعر بخيبة أمل تجاه سياسة ألمانيا
قال الدبلوماسي الأوكراني السابق فلاديمير شوماكوف، إن السبب الرئيسي للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا هو «احتلال موسكو لجزيرة القرم»، مشيراً إلى أن بلاده لن تعترف بشرعية الاستفتاء عليها لصالح الانضمام لروسيا.
وأكد شوماكوف في حوار لـ«الرؤية» أنه لا يتوقع شخصياً اندلاع حرب أو هجوم من قبل روسيا، في الوقت الذي يؤكد فيه أن بلاده جاهزة ومستعدة لخوض الحرب سواء من قبل العسكريين أو المدنيين، مشيراً إلى أن أوكرانيا ستكون مثل «أفغانستان» للاتحاد السوفييتي بعد الانهيار حال حدوث حرب.
ما أصل الأزمة الروسية الأوكرانية؟
من المعلوم أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا ليس وليد اللحظة أو حتى السنوات القليلة الماضية، بل هناك مشاكل تاريخية يمتد التوتر فيها لنحو 400 سنة، ومع احتلال موسكو شبه جزيرة القرم، وادعاء موسكو أن القرم روسية، زاد حجم التوتر بين البلدين، فضلاً عن ادعاءات تتهم فيها كييف برغبتها الدخول في الناتو، لهذا السبب موسكو تهاجمنا، على الرغم من تأكيد الناتو بأن بلادنا لن تدخله قبل 10 سنوات، لذلك الجميع يتساءل لماذا كل هذا الحشد من قبل روسيا تجاه بلادنا؟
تتحدث بأن سبب الأزمة يتعلق بشبه جزيرة القرم، لكن حدث استفتاء شعبي.
ما حدث في 2014، كان احتلالاً روسياً للقرم، وجزء من شرق أوكرانيا بتأييد بعض الموالين لروسيا، حيث صوت سكان المنطقة، وأغلبهم من أصول روسية، لصالح الاستفتاء، ومن ثم الانضمام إلى سيادة موسكو، لكننا لا نزال نرى أن هذا الاستفتاء غير شرعي، ولم يتوقف الأمر عند القرم بل امتد لمنطقة «دونباس»، وزادت موسكو من حشد جنودها على الحدود.
لكن لماذا لم تقدموا خطوة تجاه الحوار مع موسكو لحل المشكلة؟
الحوار ليس سهلاً، والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، دائماً ما يقول إنه جاهز للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لحل المشكلة بين البلدين، ومن المعروف أن روسيا لا تزال تطلب شيئاً واحداً هو الاعتراف بروسية القرم، ونحن من جانبنا نؤكد أنه من المستحيل الاعتراف بهذا الاحتلال، فالقرم بالنسبة لنا كانت وستظل أوكرانية.
أنتم حشدتم نحو 125 ألف جندي على الحدود، ألا يعتبر ذلك استفزازاً لروسيا؟
أوكرانيا من حقها حشد قواتها في شرق البلاد بسبب التهديدات الروسية، وموسكو هي التي بادرت بحشد عدد من العسكريين والآليات العسكرية والدبابات على الحدود بين البلدين؛ لتهدد أوكرانيا، فكان من الطبيعي والمنطقي أن نواجه مثل هذه التهديدات بحشد جنودنا للدفاع عن أراضينا، وهذا الأمر يكفله القانون الدولي.
الأمر لم يتوقف عند حشد الجنود، بل روسيا تتهم دول الناتو، بتزويدكم بالسلاح لتأجيج التوتر في المنطقة.. ما ردكم؟
هذا من حقنا أن تكون لدينا أسلحة متطورة، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا زودتنا بالأسلحة ونحن نرحب، وإذا كان لدينا قليل من الأسلحة، فروسيا هي من بدأت بالهجوم، على أوكرانيا منذ سنة ولدينا أسلحة تستطيع إيقاف الجنود الروس.
لماذا أنتم مع فرض العقوبات على موسكو؟ وهل سيغير هذا من الأمر شيئاً؟ خاصة أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن قال إنها غير مجدية حالياً؟
أعتقد أن العقوبات الأمريكية المفروضة لديها فاعلية كبيرة، فروسيا تحتاج عقوبات جديدة صارمة، ونحن لاحظنا مؤخراً انخفاض قيمة العملة الروسية، ما يعني أن موسكو ستتأثر بمثل هذه العقوبات، حتى وإن لم تقل ذلك، لكن جميع المراقبين يؤكدون إيجابية العقوبات في مثل هذه الأوقات.
هل تتوقع أن أمريكا ستدعمكم بالمقاتلين أم بالمساعدات العسكرية فقط حال دخول الحرب؟
من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمنا بالأسلحة فقط، وليس بالجنود المقاتلين، فنحن لدينا العسكريون القادرون على ردع روسيا، ولدينا تجربة حرب مع روسيا منذ 8 سنوات في شرق أوكرانيا بمنطقة دونباس.
هل جيشكم يستطيع الصمود أمام روسيا؟
نعم مستعدون عقلياً للحرب مع روسيا، وليس فقط من ناحية استعداد الجنود والعسكريين، بل هناك جاهزية من قبل المدنيين لحمل السلاح في الحرب ضد روسيا، وهناك مساعدات من الناتو والاتحاد الأوروبي، لكننا في الوقت نفسه نشعر بخيبة الأمل تجاه سياسة ألمانيا بعدم منح المساعدات العسكرية، وأؤكد أننا ليس لدينا أي شعور بالخوف، في مواجهة عسكرية ضد روسيا في أي وقت، وإن كان هناك قلق، لكن لا يوجد خوف.
ألمانيا قالت على لسان مسؤولين إن جزيرة القرم لن تعود ولن تمنحكم أسلحة. ما موقفكم؟
نحن نشعر بخيبة الأمل من الموقف الألماني، لذلك نحن نشعر أنه لا توجد وحدة في الاتحاد الأوروبي، لكن غالبية الدول ستساعدنا في حالة التوتر مع روسيا.
هل لديكم تخوف من تخلي أمريكا عن بلادكم كما فعلت في أفغانستان؟
ليس لدينا خوف من هذه الناحية، فلا يوجد في أوكرانيا جنود أمريكان، وإن كان هناك مدربون عسكريون أمريكيون، لكن من المهم أنه في حالة هجوم روسيا على بلادنا ستكون أوكرانيا مثل «أفغانستان» للاتحاد السوفييتي بعد الانهيار، وفى حالة نشوب حرب، ستنهار روسيا كما انهار الاتحاد السوفييتي.
هل تعتقدون أن الغرب سيقف معكم؟ وإلى متى؟ و هل ستندلع حرب؟
الغرب سيكون معنا دائماً، حيث أدرك أن روسيا تسعى للحرب اليوم مع أوكرانيا، وغداً ستهاجم روسيا فنلندا وبولندا ودول أخرى، وأعتقد شخصياً أنه لن تكون هناك حرب بين روسيا وأوكرانيا ولن تهاجم موسكو كييف.