السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

«صيغة نورماندي».. ما هي؟ وهل ستحول دون «تغير العالم»؟

«صيغة نورماندي».. ما هي؟ وهل ستحول دون «تغير العالم»؟

وحده بوتين «يبدو وكأنه» يملك الخيوط منذ البداية. (رويترز)

تتكرر عبارة «صيغة نورماندي» كثيراً في الآونة الأخيرة، في سياق التقارير المتعلقة بحرب روسية- أوكرانية محتملة، تراها القوى الكبرى «وشيكة»، رغم نفي الدب الروسي. فما هي «صيغة نورماندي»؟ ولماذا كل هذا الصخب حول تلك الحرب تحديداً؟ ولماذا قال عنها الرئيس الأمريكي إنها «قد تغير العالم»؟

في عام 2014، التقى ممثلو 4 دول هي ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا، بشكل غير رسمي، في مقاطعة «نورماندي» شمال غرب فرنسا، في مسعى لنزع فتيل الحرب في منطقة دونباس الأوكرانية.

جاء الاجتماع الرباعي خلال الاحتفال بالذكرى السبعين لـ«إنزال نورماندي» في يونيو 1944، وهو أكبر عملية غزو بحري في التاريخ، دشنت انتصار «الحلفاء» على «المحور» في الحرب العالمية الثانية، بعد عملية تضليل عسكري كبيرة نجحوا على إثرها في تحرير المناطق التي احتلتها ألمانيا النازية.

مخرجات نورماندي

كما جاء بعد أشهر قليلة من ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا في مارس 2014. لذا كان نجاح الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند، والمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، في الجمع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني - حينئذ - بيترو بوروشنكو، على طاولة محادثات واحدة، إنجازاً في حد ذاته منح اللقاء زخماً دولياً.

صحيح أن القمة لم تسفر عن نتائج ملموسة فيما يخص شرق أوكرانيا، لكنها شكلت الاتصال المباشر الأول من نوعه في تاريخ الحرب الأوكرانية بين زعيمي روسيا وأوكرانيا، لذا اُعتبرت «حاضنة» لمساعي الوصول إلى اتفاق سلام نهائي بين البلدين. كما أسفرت عن اتفاقي «مينسك 1» و«مينسك 2» عبر محادثات ماراثونية جرت بين الأطراف المعنية على مدار الأشهر التي تلت قمة نورماندي. وكان في مجمل هذه الاتفاقيات التوصل إلى إعلان هدنة دائمة، وتبادل للأسرى، وسحب الأسلحة الثقيلة، وإعادة بناء الثقة، وإجراء إصلاحات دستورية تعطي شرق أوكرانيا إدارة ذاتية موسعة.

قصة الحرب

وُصفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في 2014، بأنها الأخطر على التراب الأوروبي، منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي الشيوعي، والغربي الرأسمالي.

عقب عزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش عام 2014، نفذت القوات الروسية العديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، وسيطرت على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم (شرق أوكرانيا على الحدود مع روسيا)، قبل أن يتم ضمها ضمن السيادة الروسية عبر استفتاء شعبي.

تلا ذلك انتفاض مؤيدين لروسيا في منطقة دونباس (شرق أوكرانيا)، حيث تصاعدت مظاهرات الانفصاليين، ما أسفر عن اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن الأوكرانية والجماعات المدعومة من موسكو. وفي أغسطس، بدأ عبور المدرعات الروسية إلى دونيتسك، عاصمة دونباس، لتستعر الحرب التي أدانها المجتمع الدولي، متهماً روسيا بانتهاك سيادة أوكرانيا وخرق القانون الدولي، ما دعا لفرض عقوبات اقتصادية عليها.

ويخلط البعض بين دونباس وعاصمتها دونيتسك. الأولى تنقسم إلى كلمتين روسيتين: «دون» المشتقة من اسم العاصمة، و«باس» (بالإنجليزية Basin) وتعني «الحوض» وكلاهما يشكلان «حوض دونيتسك» الغني بالفحم. لذلك يسمي النزاع المسلح بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من الروس في المنطقة أحيانا بـ«حرب دونباس» أو حرب شرق أوكرانيا.

«تغير العالم»

ومنذ قمة نورماندي، اعتبر الكثيرون أنها «الصيغة» الأنسب والأقدر على إحلال السلام وإنهاء الحرب الأوكرانية. لكنَّ القائمين عليها، أولاند وميركل وبوتين وبوروشنكو (سلف الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي) أقروا بأن المهمة لم ولن تكون بالسهلة، رغم الحاجة الماسة إلى تفادي «حرب شاملة». وهو ما يتسق مع تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً، التي أبدى فيها دعمه لمحادثات تجرى في إطار «صيغة نورماندي»، وذلك بعد أيام قليلة من تحذيره من أن أي غزو روسي لأوكرانيا قد «يغير العالم».

من يقرع طبول الحرب؟

وبينما تقرع الحرب طبولها في أوروبا، يلاحظ أنه لم يتبقَّ من مؤسسي صيغة نورماندي في السلطة سوى بوتين. فالمستشار أولاف شولتس حل محل ميركل في ألمانيا، والرئيس إيمانويل ماكرون حل محل أولاند في فرنسا، وزيلينسكي حل محل بوروشنكو في أوكرانيا. وحده بوتين يبدو وكأنه يملك الخيوط منذ البداية، إلى حين أن تضع الحرب أوزارها.

لكن من وجهة نظر روسية، نقل موقع «آر تي» الإخباري الروسي عن الكاتب دميتري روديونوف تحليله أن التعبئة الإعلامية «الغربية» والتهيئة لأجواء الحرب ليست عبثية، ولا تأتي من فراغ. فبحلول فبراير، وقبل «ذوبان الجليد» على الأرجح، سيكون هناك تحرك ما.

ونقل الموقع عن مدير مركز دراسات الظروف الاستراتيجية إيفان كونوفالوف قوله إن «الجميع بغنى عن الحرب الآن، باستثناء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). حتى كييف لا تحتاج إليها». ويرى الكاتب أن الغرب يسعى بشتى السبل «لخلق حالة ما قبل الحرب». والغرب هو من يعتقد أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو «الحرب»، لا سيما إذ بدأتها روسيا. واستدرك كونوفالوف «لكن روسيا لا تستجيب للاستفزازات». أما إذا بدأت كييف العدوان، والحديث لـكونوفالوف، فقد يتم الاعتراف بدونباس، وهو ما لا يعني فقط إبرام معاهدات سياسية، بل وعسكرية.

على النقيض، ومن وجهة نظر أمريكية، تتحدث وسائل إعلامية مثل «وول ستريت جورنال» عن آلة الدعاية الروسية، وعن أنها هي من يروج للحرب عبر القنوات الحكومية. وقالت إن أي عدوان عسكري على أوكرانيا سيعني نهاية «حقبة استبدادية» قادها بوتين على مدار عقدين، حتى إن الحرب ستؤدي إلى تحجيم نهائي لدور روسيا في العالم، وهو ما يُفصح عن نوايا إدارة بايدن من وراء فكرة الحرب الشاملة، التي يرى مراقبون أنها ستدفع باتجاه فوضى عالمية وحرب عالمية ثالثة.