الاثنين - 25 نوفمبر 2024
الاثنين - 25 نوفمبر 2024

لماذا تعاكس روسيا أمريكا والصين وتتجه لأوروبا ؟

لماذا تعاكس روسيا أمريكا والصين وتتجه لأوروبا ؟

مشروع نورد ستريم 2

تشهد الخريطة السياسية الدولية تغييرات فاعلة على الأرض، برزت أولى خطواتها في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أغسطس 2021، ما أسس لمرحلة جديدة من الاستقطابات تديرها القوى العظمى في مقدمتها أمريكا، الصين، وروسيا. وشهدت استقطابات الحلفاء تبايناً نسبياً، ففي الوقت الذي تتوجه فيه الصين بقوة نحو آسيا، توجهت روسيا نحو أوروبا واستخدمت سلاح الغاز في الضغط على القارة العجوز للحصول على مكتسبات سياسية ضد عدوها التاريخي، الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تواصل أمريكا انسحابها من الشرق الأوسط لإعادة التموضع بما يضمن لها البقاء كقطب أوحد والحيلولة دون تصاعد صيني يهز عرش السيادة الأمريكية.

دعم الاقتصاد

وأرجع منسق العلاقات العربية الألمانية بالبرلمان الألماني، عبدالمسيح الشامي، السبب الأساسي في توجه روسيا نحو أوروبا إلى كون الأخيرة أهم وأكبر سوق استهلاكي في العالم، الأمر الذي يصب في مصلحة دعم الاقتصاد الروسي، لا سيما أن أوروبا تعتبر أكبر سوق استهلاكي للنفط بموازاة الصين، لافتاً إلى أن أوروبا أحد أهم مستهلكي المواد الأولية التي تمتلكها روسيا بتنوع ووفرة، بالإضافة إلى كثير من المنتجات الأخرى والصناعات الروسية.

وأكد أن العلاقة والانفتاح ما بين روسيا وأوروبا، لا يأتي على حساب العلاقة مع الصين وآسيا، منوهاً بأن روسيا منفتحة بشكل كبير على كل منهما، غير أن طبيعة العلاقات والاستفادة والمصالح الروسية مختلفة مع آسيا عن تلك التي تبتغيها من أوروبا، مشيراً إلى أن العلاقة بين روسيا والصين تظل الأقوى، خاصة أن المبادلات التجارية والتحالفات انعكست على الطرفين، مشدداً على أن روسيا في حاجة للدعم السياسي والاقتصادي الصيني، خاصة في المواد الأولية التي تدخل في الصناعات الروسية، الأمر الذي لا ينفي وجود توجه روسي كبير نحو آسيا. بحسب عبدالمسيح.

توجه منطقي

وأكد أن العلاقة بين روسيا والصين لا تأتي على حساب العلاقة بين روسيا وأوروبا والعكس صحيح، واصفاً توجه روسيا نحو أوروبا بـ«المنطقي»، لا سيما أنه أدى إلى ثمار ونتائج إيجابية على الطرفين، مشدداً على أن روسيا تمكنت من خلال مد أوروبا بالطاقة من التحكم في كثير من الملفات السياسية، واستخدامه كورقة ضغط للتأثير على الاتحاد الأوروبي في كثير من الملفات، لا سيما بالنظر إلى القضية الأوكرانية والتي تعد ملفاً سياسياً تديره أمريكا وتحاول بشكل أو بآخر أن توجه وتضغط على الجانب الأوروبي باتجاه فتح صراع وعداء مع روسيا، إلا أن خط الغاز «نورد ستريم2» كان أحد العوامل الأساسية للدخول على خط الصراع، منوهاً بأنه ربما كان له كلمة الفصل بعدم استجابة أوروبا للضغوطات الأمريكية في الولوج في عداء مع روسيا، مضيفاً أن هناك حسابات مهمة فرضت على الأوروبيين «العد طويلاً» قبل اتخاذ أي قرار قد يؤثر على العلاقات مع روسيا.

وأوضح أن القضية في الأساس قضية استفادة على الصعيد الاقتصادي، منوهاً بأن الخطوط الاقتصادية التي تربط الاقتصاد الأوروبي مع روسيا تحولت إلى أوراق تستطيع من خلالها روسيا التحكم بكثير من الملفات السياسية في أوروبا.

«الهوية الأوراسية»

من جانبه، أشار الأكاديمي وخبير الشؤون الدولية والأمريكية، دكتور إدموند غريب، إلى أن النظرة الروسية لأوروبا تتعلق بالهوية التي تحتل أهمية كبيرة لدى الروس، لا سيما أن غالبية السكان في روسيا يتركزون في الجزء الأوروبي الذي يمثل 23% من مساحة روسيا الواقعة في قارة أوروبا، في حين يعيش باقي السكان في 77% من مساحة روسيا الواقعة بقارة آسيا، لافتاً إلى أنه رغم وجود اختلافات ثقافية بسيطة، إلا أن الجوانب الفنية والثقافية والحضارية حتى الأدبية، ساهمت في تقريب شعوب البلدين، مشيراً إلى أنه رغم القوميات المختلفة لروسيا التي تلت مرحلة التوسع الإمبراطوري، ظل الدب دولة «أوراسية» بامتياز، بمعنى أنها تشمل أوروبيين وآسيويين، لافتاً إلى أن بعض القياصرة، خاصة بطرس الأكبر، كثيراً ما تشبهوا بالأوروبيين، مدللاً على ذلك بأن مدينة سان بطرسبرغ أنشأها بطرس الأكبر على طراز مدينة البندقية في 1703.

وقال إن اهتمام روسيا بأوروبا مبرر، لا سيما أن أكبر تهديد لروسيا يأتي من الحدود الأوروبية، سواء من أوكرانيا أو الدول الأخرى المرشحة للانضمام للناتو، لافتاً إلى أنه لا يمكن التغافل عن طلب جمهوريات البلطيق بنشر قوات غربية دائمة للحلف في أراضيها، رغم أن ما بين 15 و30% من سكان هذه الدول روس.

سياسات حلف الأطلسي

وأكد غريب أن التغييرات السياسية والتوسع الغربي نحو الشرق يعد أمراً مقلقاً للروس، خاصة مع السياسات التي ينتهجها حلف الأطلسي والدول الغربية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي دفع روسيا إلى تبني سياسة أكثر قومية نتيجة التهديد المستمر من الحلف عكس تعهدات سابقة بعدم التوسع الشرقي في حال وافقت روسيا على إعادة توحيد ألمانيا، منوهاً بأننا سنشهد خلال المرحلة المقبلة إعادة رسم الجغرافيا السياسية والوضع الجيوستراتيجي بين أوروبا وروسيا الذي يعتمد بشكل كبير على ما ستؤول إليه المفاوضات الحالية حول أوكرانيا وأوروبا الشرقية، وانتشار الأسلحة النووية والصواريخ متوسطة المدى، منوهاً بأن روسيا تشعر بأنها مهددة بسبب توسع الناتو، لا سيما أن قيادتها الحالية ترى أن القيادات السابقة تساهلت كثيراً مع الغرب، لافتاً إلى أننا على أعتاب مرحلة جديدة وخطرة.

ونوه غريب بأن الصين لا تهتم بآسيا فحسب، بل بالعالم إلى حد كبير، وأن التوسع الصيني الاقتصادي يمتد ليصل أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يظهر بوضوح في خطتها من خلال الحزام والطريق، والذي يضمن آسيا بالتأكيد.

بدوره أشار الكاتب الصحفي في مركز دراسات الهجرة بالولايات المتحدة الأمريكية، عمر المقداد، إلى أن المصالح الاقتصادية لروسيا أكبر داخل أوروبا، بالإضافة إلى أن أوروبا تشكل الجانب الخلفي لروسيا على المستوى الاقتصادي والسياسي، ما يزيد من أهميتها في الصراع الروسي - الأمريكي، منوهاً بأن روسيا تحاول الهيمنة على القارة الأوروبية عبر خط الغاز نورد ستريم2، لافتاً إلى أن التوترات الأخيرة مع حلف الناتو تزيد من أهمية أوروبا بالنسبة روسيا، خاصة أن الأخيرة تخشى انتشار قوات الحلف على حدودها مع أوروبا، مشيراً إلى أن روسيا عادة ما كانت تقف ضد انضمام دول مثل أوكرانيا أو بيلاروسيا للاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن انضمام أوكرانيا كان مطروحاً بالفعل على طاولة الاتحاد الأوروبي عقب الثورة الأوكرانية، إلا أن التدخل الروسي حال دون انضمامها.

وفيما يخص التوجه الصيني والأمريكي نحو آسيا، يرى المقداد أنه لا يمكن حصر دور الصين وأمريكا داخل آسيا فقط، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال مهيمنة على أوروبا، غير أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة تستوجب تحجيم الدور الصيني في آسيا، منوهاً بأن ملف تايوان على سبيل المثال والوقوف دون سيطرة الصين على المنافذ البحرية لتايوان أمر مهم للغاية للولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تحجيم الصين اقتصادياً في منطقة نفوذها الأكبر آسيا، مشيراً إلى أن صراع الولايات المتحدة مع الصين في آسيا، بينما صراعها مع روسيا في أوروبا، لافتاً إلى أن الهيمنة الأمريكية من خلال حلف الناتو والدول الأوروبية لا تزال قائمة.