في البدء كان الغاز. ثم تفجر الغضب ليشمل مطالب سياسية متزايدة، فانتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. ولطالما كان «العبث بأسعار الوقود مصدراً لإشعال غضب الجماهير».
أطاحت المظاهرات الضخمة التي اجتاحت كازاخستان على مدى الأيام الثلاثة الماضية، بالحكومة، حيث أقال رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، الأربعاء، بالحكومة، في محاولة لتهدئة غضب المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار، لا سيما الغاز الطبيعي، فضلاً عن الأداء الحكومي بشكل عام.
وقبِل رئيس كازاخستان استقالة حكومة رئيس الوزراء عسكر مامين، وكلّف نائب رئيس الوزراء علي خان سميلوف بتصريف الأعمال، لحين تشكّل حكومة جديدة. وجاءت الاستقالة غداة إعلان الرئيس حالة الطوارئ في ألماتي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، بعدما شهدت الثلاثاء تظاهرة ضخمة، لليوم الثالث على التوالي، احتجاجاً على رفع أسعار الطاقة.
فلماذا ارتفعت أسعار الوقود؟
بدأ المحتجون بالتعبير عن غضبهم من أمر «ملموس للغاية» ألا وهو ارتفاع سعر غاز البترول المسال، الذي يستخدمونه في تشغيل سياراتهم، كما في الطهي والتدفئة.
وأوضح تقرير لموقع «أوراسيا نت» الإخباري، المتخصص في شؤون القوقاز وآسيا الوسطى، أن المشكلة بدأت مع «الانتقال التدريجي إلى التجارة الإلكترونية لغاز البترول المسال في يناير 2019 وانتهى في اليوم الأول من هذا العام». كان الهدف هو إنهاء دعم الأسعار للمستهلكين المحليين للوقود بشكل تدريجي، وترك الأمر لتوجيه سعر السوق. بمعنى آخر، فإن عمليات بيع وشراء الغاز المسال الآن تتم عبر الإنترنت، بعد أن بدأ تداوله في بورصة الطاقة مع بداية العام، وهو ما أدى إلى ارتفاع سريع في التكاليف وصل إلى 100%، حيث الطلب على الوقود عالٍ في فصل الشتاء.
وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن غرب كازاخستان، التي تقع فيها مانجيستو، منطقة غنية بالنفط والغاز، إلا أن مستوى المعيشة فيها أقل من العاصمتين الإدارية نور سلطان، والاقتصادية ألماتي. وعادة ما تكون مرافقها متدنية، وطرقاتها غير معبدة، ومع الحاجة إلى شراء الاحتياجات اليومية والطعام من مسافات طويلة، فإن الأمر ينتهي بسكان هذه المناطق إلى دفع كلفة أكبر من تلك التي يتكبدها سكان المراكز الحضرية، رغم كونهم الأكثر ثراءً.
في المقابل، دافع المسؤولون عن خطوة الانتقال إلى التجارة الإلكترونية، معتبرين أنها ليست العامل الوحيد الذي أدى إلى الارتفاع الحاد في الأسعار. واتهمت الحكومة محطات الوقود في منطقة مانجيستو بتثبيت الأسعار، معتبرة أن أرباح مبيعاتهم للبترول التي راوحت من 25 - 50%، «أعلى من المتوقع.. وتثير الشك» في عمليات احتكار.
لكن تصاعد الاحتجاجات دفع الحكومة - قبل استقالتها - إلى الاستجابة للضغوط وخفض الأسعار بنسبة وصلت إلى 16% مما كان عليه قبل بدء الاحتجاجات. ورغم ذلك، استمر نزول الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم، وسط أنباء عن أعمال عنف واعتقال العشرات.
السوق السوداء
قبل الانتقال إلى التجارة عبر الإنترنت، كان بيع البترول يتسبب في خسارة للمنتجين، إذ كانت الدولة تتدخل لتنظيم السعر للمستهلك المحلي، فتحدد السعر بمعدل أقل من كلفة إنتاجه. هذا الأمر أدى إلى إحجام المنتجين عن الصناعة ما أدى بدوره إلى حدوث نقص.
هنا تدخلت الحكومة بشكل معاكس، وكان لها هدف ثانٍ هو مكافحة السوق السوداء والتجارة غير المشروعة للغاز المسال. وكان قد تردد أن منتجي الغاز الذين يخسرون من البيع للمستهلك المحلي بدؤوا يصدرونه سراً إلى بلدان يكون فيها سعر البترول أعلى بكثير من كازاخستان.
ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الاحتجاجات بأنها تمثل «شكلاً نادراً من أشكال المعارضة في الدولة الاستبدادية» الواقعة في آسيا الوسطى. وأشارت إلى كلمة الرئيس الكازاخستاني التي حث فيها المواطنين على «التحلي بالحكمة وعدم الاستسلام لاستفزازات الداخل والخارج، وعدم الاستسلام إلى نشوة التجمعات». والسؤال الآن، مع رضوخ الحكومة جزئياً تحت وطأة الضغط الشعبي، هل تعود كازاخستان عن تحولها للتو إلى قواعد السوق، وهل ترجح في النهاية كفة المطالب الجماهيرية أم ضغوط منتجي الغاز؟