الأربعاء - 01 يناير 2025
الأربعاء - 01 يناير 2025

سياسة بيديا | دستور بينوشيه.. كثير من الشبهات قليل من الديمقراطية

سياسة بيديا | دستور بينوشيه.. كثير من الشبهات قليل من الديمقراطية

بينوشيه

دستور بينوشيه يعد الدستور السياسي لجمهورية تشيلي لعام 1980، حيث تم إصداره في ظل عهد الرئيس«أوغستو بينوشيه»، حيث واجه العديد من الانتقادات، إذ حاولت الأنظمة المتلاحقة نفض غبار تلك الاتهامات بإضفاء بعض التعديلات النسبية، ما جعله يتصدر قائمة أكثر الدساتير التي تم تعديلها، بمعدل قارب 20 تعديلاً.

أول تعديل

منذ ولادته تحيز دستور بينوشيه في آليات التوزيع التشريعي والانتخابي، حتي وصف بأنه صمم لصالح انتخاب الأغلبية التشريعية اليمينية، وشهد عام 1989 أول تعديل عقب موافقة البرلمانيين في ظل رئاسة «ريكاردو لاجوس» على إزالة بعض مواقفة المعادية للديمقراطية القادمة من نظام بينوشيه. وينطوي دستور 1980 على مشكلتين رئيسيتين؛ أولاهما: استبعاد معارضي بينوشيه من تشكيل اللجنة التأسيسية عمداً، والثانية: الرقابة الشديدة التي شابت الاستفتاء وأثارت الشبهات حول النتائج. الانتقادات لم تتوقف عند هذا الحد بل امتدت لتشمل حملات الاستفتاء التي دعت الحكومة خلالها للتصويت بـ «نعم»باستخدام إعلانات تلفزيونية وإذاعية، في حين لم تكفل للمعارضة المساحة ذاتها، التي كانت تحث الشعب على التصويت بشكل سلبي، الأمر الذي ضاعف من علامات الاستفهام حول نتائج الاستفتاء، لا سيما مع ظهور حالات ذات تصويت مزدوج، واحتراق السجل الانتخابي في عهد الديكتاتورية.

مضاعفة الشكوك

التصويت على غير السائد شمل فئات ساهمت في مضاعفة الشكوك، إذ سمح بالتصويت لمواطني تشيلي الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً - بما في ذلك الأميون والمكفوفون - بالإضافة إلي الأجانب ممن لديهم إقامة قانونية، تمكنهم من إثبات وضعهم كمهاجرين مناسبين، وأصبحت المشاركة واجبة إلا لمن يعانون من إعاقة جسدية أو عقلية أو سجن، رغم ذلك لم يتم إعداد قائمة انتخابية للاستفتاء.

ما قبل دستور بينوشيه تولى الجنرال أوغستو بينوشيه السلطة في 11 سبتمبر 1973 عقب انقلاب - دعمته الولايات المتحدة - أطاح بالرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطياً سلفادور أليندي، ما دفع الأخير إلي الانتحار بينما يتعرض قصره الرئاسي للقصف. قبل انتهاء ليلة الانقلاب دعا بينوشيه المجلس العسكري لأداء اليمين، وصاغ المجلس في اليوم التالي وثيقة رسمية تقضي بتعليق دستور 1925 وإعلان المجلس العسكري السلطة العليا في البلاد.

عامان للاستفتاء

شكل بعدها لجنة لوضع مخطط لدستور جديد، إلا أن اللجنة أنهت عملها بعد 5 سنوات وتحديداً في 1978. تطلب إجراء الاستفتاء خطوة إضافية استغرقت عامين آخرين تمثلت في دراسة المقترح من قبل مجلس الدولة برئاسة الرئيس السابق «خورخي أليساندري»، تم بعدها الدعوة لاستفتاء وصف من قبل بعض المراقبين بالاحتيالي، أقر بعدها دستور بينوشيه بنسبة بلغت 67% من الناخبين. أعطي دستور بينوشيه منصب رئيس الجمهورية سلطات كبيرة، وأنشئ بموجبه مؤسسات جديدة آثار بعضها الجدل، بالإضافة إلي منح عضويات لعدد من أعضاء مجلس الشيوخ مدي الحياة، وجعل القوات المسلحة الضامن للنظام الديمقراطي في البلاد. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل ظلت السلطات التشريعية في يد القوات المسلحة، التي وضعت إطار زمني للانتقال إلي الحكم المدني خلال 8 سنوات مع الإعلان عن مرشح واحد من داخل المجلس العسكري لتولي أمور البلاد وهو بينوشيه نفسه.

رد فعل المعارضة

المعارضة لم تقف مكتوفة الأيدي، ونأت بنفسها عن الموافقة على ذلك الاستفتاء برئاسة السيناتور السابق باتريسيو إيلوين وأكثر من 46 آخرين، وأكدوا أن نتيجة الاستفتاء لا تتوافق مع السجلات الانتخابية، مدللين على رفضهم بأن حبر الإبهام والذي يميز الناخب ينفجر بسرعة ما يعزز من فكرة تزوير الانتخابات، إلا أن تلك الانتقادات رفضت من قبل جمعية التدقيق وقتها. بعد أن قضى فترته الرئاسية الأولي يطمح في المزيد، وفرض نفسه كمرشح رغم اعتراض قادة القوات البحرية والجوية والكارابينيروس، الذين أبدوا رغبتهم في انتقال السلطة للحكم المدني. مُني بينوشيه بهزيمة انتخابية خلال استفتاء 1988، عقد بعدها اجتماعاً للمجلس العسكري لانتزاع سلطات غير عادية تمكنه من السيطرة علي العاصمة، إلا أن القوات المسلحة رفضت طلبه، الأمر الذي اضطر بينوشيه لقبول النتيجة لصالح مرشح المعارضة، الديمقراطي المسيحي باتريسيو أيلوين، الذي فاز في الانتخابات بنسبة 55% من الأصوات، وتولى منصبه في 11 مارس 1990.

استعادة الديمقراطية

لم يعد اليوم يشبه البارحة داخل تشيلي، إذ تمكنت الدولة الساحلية من اختيار جمعية منتخبة مباشرة لوضع دستور جديد للبلاد، مكونة من 155 نائباً معظمهم من خارج الكتل الحزبية التقليدية -اليمين واليسار- الأمر الذي يعطي فرصة ذهبية للمستقلين الممثلين بالفعل داخل الجمعية التأسيسية للدستور من وضع الأطر التي طالما تجاهلتها التعديلات المتتالية لدستور 1980.