يعود شبح الوباء والإغلاق ليثير الإرباك، مع كل ظهورٍ لمتحورٍ جديد من فيروس كورونا المستجد، لتثار التساؤلات حول مدى خطورته الصحية وتداعياته على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بعدما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه «الأشد عدوى» بين سائر السلالات التي ظهرت حتى الآن.
صحيح أن أياً من متحورات كورونا أثار هذا القدر من القلق حول العالم، منذ سلالة «دلتا»، لكن «أوميكرون»، المتحور الجديد لفيروس كورونا، هز الأسواق، وأغلق رحلات الطيران تباعاً بين العديد من الدول. فما هو وما أصل تسميته؟ وهل يشكل خطورة أكبر على الصحة العامة عن غيره من سلالات كورونا التي عرفناها منذ ظهور وباء «كوفيد-19» لأول مرة في نهاية 2019؟
لماذا سمي «أوميكرون»؟
تضم مجموعة حروف الأبجدية اليونانية 24 حرفاً تبدأ بحرف «ألفا» وتنتهي بالحرف «أوميجا». ويمثل «أوميكرون» الحرف رقم 15 ضمن تلك الأبجدية. ولجأت منظمة الصحة العالمية إلى تسمية المتحورات الجديدة بأحرف الهجاء اليونانية (ألفا، بيتا، غاما، دلتا.. إلخ) لتمييزها عن بعضها البعض، ولمنع إلصاقها بدول منشئها أو اكتشافها.
وعليه، أطلقت المنظمة العالمية أسماء: «ألفا- بيتا - غاما - دلتا - إبسيلون - زيتا - إتا - ثيتا - إيوتا - كابا - لامدا - مو» على متحورات سابقة بعضها كان «مثيرا للقلق» وبعضها الآخر «مثيرا للاهتمام».
وأشار موقع «ذا ويك» الإخباري إلى أن منظمة الصحة قفزت إلى حرف الهجاء رقم 15 «أوميكرون»، متجاهلة الحرفين اليونانيين «nu» و«ksi»، نظراً لأن لفظ الأول باللغة الإنجليزية يشبه كلمة «new» (جديد)، بينما يصعب على الناطقين باللغة الإنجليزية نطق الحرف الثاني.
اختيرت المسميات، في يونيو الماضي، بعد استعراضٍ لكثير من نظم التسمية المحتملة، نظراً لصعوبة تداول الأسماء العلمية الأصلية، ما دفع البعض إلى تسمية التحورات بالأماكن التي اكتشفت فيها، وهو ما تسبب في موجة من التمييز ضد بعض الدول، مثلما دأب رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب على وصم بكين، مسمياً كورونا بـ«الفيروس الصيني».
تتحور جميع الفيروسات، بما فيها «سارس-كوف-2» المسؤول عن «كوفيد-19»، بمرور الوقت. ومعظم الطفرات الناتجة عن هذه المتحورات لها تأثير ضئيل، وربما يكون منعدماً على الخصائص الأساسية للفيروس، غير أن بعض الطفرات قد تؤثر على الخصائص، فتؤدي مثلاً إلى سرعة انتشاره أو زيادة حدته، أو تقليص فعالية اللقاحات المضادة له.
متحورات «مثيرة للقلق» وأخرى «مثيرة للاهتمام»
وإلى جانب اختيار مسميات بسيطة يسهل تداولها إعلامياً وفي المناقشات العامة، لتحورات فيروس كورونا، صنفت منظمة الصحة العالمية المتحورات بين «مثير للقلق» و«مثير للاهتمام».
ويشير موقع منظمة الصحة العالمية إلى أنه حسب آخر تحديث في 31 مايو الماضي، أظهر تقييم مقارن أن:
المتحور يستوفي تعريف «المثير للقلق» في حالة:
- زيادة قدرة الفيروس على الانتقال
- تغيير في المظاهر السريرية للمرض
- انخفاض فعالية تدابير الصحة العامة
المتحور يستوفي تعريف «المثير للاهتمام» في حالة:
- إذا كان الجينوم الخاص به ينطوي على طفرات ذات آثار مثبتة
- إذا اتّضح أنها تسبب الانتقال المجتمعي للعدوى
- إذا تم اكتشافها في بلدان متعددة
ومن بين جميع متحورات كورونا التي ظهرت حتى الآن، هناك حالياً 5 متحورات صنفتها منظمة الصحة العالمية، بأنها «مثيرة للقلق»، وهي «دلتا» و«ألفا» و«بيتا» و«غاما»، ومؤخراً «أوميكرون»، الذي منحته منظمة الصحة العالمية، يوم الجمعة 26 نوفمبر، هذا الاسم لتسهيل استخدامه، بدلاً من اسمه العلمي «.B1.1.529».
لماذا «مثير للقلق»؟
اعتبر «أوميكرون» مثيراً للقلق لـ:
-اختلاف خصائص «بروتين سبايك» الذي يحتويه
- ارتفاع عدد طفراته
- مؤشرات مبكرة على أنه أكثر عدوى
ما هو متحور أوميكرون؟
وسط حالة من الغموض والترقب، ما زال العلماء يعكفون على تحليل هذا المتحور ودراسة سلوكه. ولا يزال منشؤه غير معروف، لكن باحثين من جنوب أفريقيا هم أول من أعلنوا عن رصده في 24 نوفمبر. وفي اليوم نفسه، رصدت حالات في هونغ كونغ وبيتسوانا. وفي اليوم التالي، سجلت إسرائيل وبلجيكا حالات ثبتت إصابتهم، تلتها ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا وغيرها.
كان باحثو جنوب أفريقيا قد اكتشفوا، منذ 23 نوفمبر، متحوراً جديداً «متعدد الطفرات بشكل غير اعتيادي». بعضه معروف، والبعض الآخر جديد. ورصدت أول إصابة مؤكدة في عينة أخذت يوم 9 نوفمبر.
يضم المتحور الجديد «أكبر عدد من الطفرات التي شهدناها حتى الآن»، حسب موسى موشابيلا، الأستاذ في جامعة «كوازولو ناتال» الجنوب أفريقية، والذي قال: «سبق أن رصدنا البعض منها في المتحورتين دلتا وبيتا، والبعض الآخر غير معروف بالنسبة لنا... ولا نعرف كيف ستتفاعل هذه المجموعة من الطفرات».
وتؤشر السرعة الحادة التي تتزايد بها حالات الإصابة اليومية الجديدة بكوفيد في جنوب أفريقيا، ويرتبط معظمها بـ«أوميكرون»، إلى أن المتحور الجديد «شديد العدوى».
ما الفرق بين أوميكرون والمتحورات الأخرى؟
فاجأ هذا المتحور الباحثين، محققاً «قفزة كبيرة في تطور طفراته»، إذ وصفه مركز الاستجابة الوبائية والابتكار في جنوب أفريقيا بأنه «مختلف تماماً» عن المتحورات الأخرى. ولاحظ الباحثون اختلافاً لافتاً في «أوميكرون» عن المتحورات الأخرى «المثيرة للقلق» مثله، وهو أنه يحتوي على «بروتين سبايك» (البروتين الشوكي) مغاير تمام لذلك الموجود في الفيروس التاجي الأصلي، والذي صُممت لقاحات كوفيد-19 لمقاومته. كما رصد الباحثون في المجمل «50 طفرة.. أكثر من 30 منها طرأت على ذلك البروتين الشوكي الذي يحيط بالفيروس»، وهو الجزء الذي تستهدفه معظم اللقاحات، ومفتاح الولوج إلى خلايا الجسم.
وأشار الباحثون إلى أن هناك مؤشرات مبكرة على أنه أكثر عدوى، مقارنة بالمتحورات الأخرى، ما يعني أن الأشخاص الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 وتعافوا منه، قد يتعرضون للإصابة به مرة أخرى. وقد يستغرق الأمر أسابيع لمعرفة ما إذا كانت اللقاحات الحالية أقل فعالية ضدها.
فعالية اللقاحات
لا يستبعد أن يفلت المتحور الجديد من المناعة، نظراً إلى حالات الإصابة وهي «أكثر مما كانت عليه خلال الموجات السابقة»، بحسب موشابيلا، بانياً ملاحظاته على بيانات أولية، ما قد يقلل من فعالية اللقاحات إلى حد لم يتم تقديره بعد.
وعلى الفور، أعلنت عدد من شركات الأدوية، بما فيها «أسترازينيكا» و«موديرنا» و«فايزر»، أن لديها خططاً لتعديل لقاحاتها في ضوء ظهور «أوميكرون».
وأعربت مجموعة «أكسفورد» للقاحات عن «تفاؤل حذر» بأن اللقاحات الحالية يمكن أن تكون فعالة في الوقاية من مرض خطير قد ينجم عن المتحور «أوميكرون». وقالت: «استمرت اللقاحات الموجودة في الوقاية من الأمراض الخطيرة أثناء انتقالنا عبر ألفا وبيتا وغاما ودلتا.. لكننا في الحقيقة بحاجة إلى الانتظار عدة أسابيع للتأكد من ذلك». كما استبعدت «عودة الجائحة.. كما رأينا العام الماضي.. في مجتمع جرى تطعيمه».
الأعراض والخطورة
الإجابة على هذا السؤال لم يتم حسمها بعد، إذ لم يمر أسبوع بعد على اكتشاف المتحور «أوميكرون»، وبالتالي لم يكن هناك وقت كاف لرصد مدى خطورته سريرياً. لكن شكا غالبية المرضى من ألم في الجسد وإرهاق وتعب شديدين، حتى بين «جيل الشباب وليس كبار السن»، والذين تم نقلهم مباشرة إلى المستشفى.
وفضلاً عن أن انتشاره السريع بين الشباب في جنوب أفريقيا يثير قلق خبراء الصحة، رغم عدم وجود مؤشر حالي على أنه يسبب مرضاً أكثر خطورة، فإن هناك بطبيعة الحال المخاوف من إصابة كبار السن، الذين يعانون بالأساس من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري.
وفي دولة مثل جنوب أفريقيا، لا يزال هناك ملايين العاملين الصحيين والسكان لم يتلقوا التطعيم، ولا حتى بجرعة واحدة، ما يمكن أن يسرع انتشار الفيروس، ويضاعف الفرص ليتطور إلى متحور خطير. غير أن المصادر الصحية تؤكد -حتى الآن- أن المصابين بالمتحور في جنوب أفريقيا حالتهم ليست بالخطيرة.