بسبب موقعها الجغرافي في وسط العالم، وقربها من القارتين الأفريقية والآسيوية، تتدفق على بلدان الاتحاد الأوروبي، سنوياً، أعداد ضخمة من المهاجرين غير الشرعيين، الباحثين عن مستقبل أفضل، ما يثقل كاهل بلدان الاتحاد بفاتورة مالية ضخمة، فضلاً عن استعمال دول العبور الحدودية مع أوروبا، أو القريبة منها، لملف هؤلاء المهاجرين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد وصل إلى أوروبا في عام 2019 نحو 105425 مهاجراً عبر البحر الأبيض المتوسط. وكشفت المنظمة، في إحصاءاتها الخاصة بعام 2019، أن «أكثر من 120 ألف طالب لجوء وصلوا إلى الأراضي الأوروبية عام 2019، معظمهم عبر البحر، وأن عدد المهاجرين السريين، وطالبي اللجوء، قد بلغ 123920 في السنة نفسها».
فاتورة مالية ضخمة
وفي أواخر عام 2020، خصص الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو كمساعدة مالية لتركيا، الحدودية مع اليونان، بهدف دعم اللاجئين واستقبالهم، وذلك في إطار التزام الاتحاد بالمعاهدة الخاصة بالمهاجرين، الموقعة بين الجانبين عام 2016.
وخصص الاتحاد الأوروبي في عام 2019 أكثر من 100 مليون يورو لمكافحة المهربين والهجرة غير النظامية وجهها إلى المغرب، الذي تفصله عن إسبانيا أقل من 15 كم عبر البحر الأبيض المتوسط، كما تقع داخل التراب المغربي مدينتا سبتة ومليلية المغربيتان المحتلتان من طرف إسبانيا، واللتان يتدفق عليهما المهاجرون غير الشرعيين القادمون من أفريقيا جنوب الصحراء باستمرار.
ومول الاتحاد الأوروبي أنشطة في مجال الاندماج من خلال صندوق اللجوء، والهجرة، والاندماج، بميزانية تبلغ 3.137 مليار يورو للفترة 2014-2020.
وقال الأستاذ الجامعي الباحث في شؤون الهجرة، عبد الكريم بلكندوز، إن صرف بلدان الاتحاد الأوروبي لكل تلك الأموال في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية، راجع إلى أن ذلك يلبي مصلحتها، وأن منحها أموالاً لدول الجنوب، ليس حباً فيها، وإنما لأن هدفهم، وأغراضهم، ومصالحهم، تتماشى مع ذلك، وبالتالي فإنها تدفع الثمن؛ لكي تلعب تلك الدول دور الحارس للحدود الأوروبية.
أموال باهظة
من جانبه، قال الخبير في قضايا الهجرة، محمد الخشاني، إن الهجرة أصبحت ورقة سياسية، لدى بلدان الاتحاد الأوروبي، ليظهروا أمام الرأي العام أنهم يخصصون ميزانية وأموالاً باهظة لمحاربة الهجرة السرية، «لكنهم في المقابل لم يستطيعوا ولن يستطيعوا محاربتها، وأنه لم يكن لصرف تلك الأموال تأثير فعلي، حسب ما تكشفه الإحصاءات؛ لأن الهجرة السرية ما زالت مستمرة، وبحدة أكثر أحياناً»، وفق تصريحات الخشاني.
ميزانية غير معروفة
وأوضح بلكندوز، في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»، أن حجم الأموال التي ينفقها الاتحاد الأوروبي في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية غير معروف بشكل دقيق، وأن ما يحدث هو ظهور بعض الأرقام الجزئية غير الشاملة من حين إلى آخر، لأن سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال متنوعة، وتتم عبر عدة طرق؛ من بينها، بحسب بلكندوز، سياسة الجوار، ومراقبة الحدود، وتقديم إعانات في المجال الاقتصادي، وصندوق أفريقيا للتنمية، وبعض الإعانات التي تتم بشكل ثنائي بين ألمانيا، أو إسبانيا، أو دول أخرى من الاتحاد الأوروبي من جهة، وبلدان الجنوب من جهة أخرى، وغيرها من الطرق، مبيناً أن الأمر في حاجة إلى دراسة.
وفي السياق نفسه، أبرز بلكندوز أنه إذا أردنا أن نعرف حجم الأموال التي ينفقها المغرب مثلاً في مجال الهجرة، فإن الأمر غير متعلق فقط بالميزانية التي يخصصها للوزارة المعنية بهذا المجال، وإنما بجوانب أخرى؛ كالميزانية المخصصة مثلاً لوزارة التربية الوطنية لتعليم اللغة لأبناء المهاجرين، ووزارة الصحة، والميزانية التي تنفقها وزارة الداخلية، ومؤسسات أخرى، في أمور مرتبطة بمجال الهجرة.
ميثاق جديد
وأفاد بلكندوز بأن الاتحاد الأوروبي يعمل حالياً على ميثاق أوروبي جديد للهجرة واللجوء، أعلنت عنه اللجنة الأوروبية في سبتمبر 2020، يشترك في إعداده البرلمان الأوروبي؛ لإعادة النظر في سياسة اللجوء؛ لأن هناك عقبات في هذا المجال، تشكو منها بعض دول الاتحاد الموجودة في حدوده الخارجية، كإسبانيا، واليونان، وإيطاليا، موضحا أن «مشروع الميثاق متأخر بسبب نزاعات داخلية بين بلدان الاتحاد، لاختلاف وجهات نظرها في هذا المجال».
وبيَّن بلكندوز أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك مشروعاً لكل بلد في هذا المجال، كالمغرب، وتونس، وأفغانستان، وغيرها، يحدد له من خلاله خطة عمل خاصة به، في إطار شمولي منسجم؛ يشمل القضايا الاقتصادية، والجيو استراتيجية، والثقافية، وغيرها»، مبرزاً أن بعض الصحف تحدثت عن ذلك في إطار تسريبات، لكن الاتحاد الأوروبي لم يعلن عن ذلك بشكل رسمي حتى الآن.
ورقة ضغط
من جهته، أضاف الخشاني، في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»، أن هذا الملف أكسب دول الانتقال الحدودية مع الاتحاد الأوروبي، أو القريبة منه، ورقة ضغط على الاتحاد؛ لأن وجهة المهاجرين غير الشرعيين ليست هي تركيا، أو المغرب، أو مصر، أو غيرها من دول الانتقال، وإنما وجهتهم هي الاتحاد الأوروبي، مردفاً أن تركيا عندما طالبت الاتحاد الأوروبي بـ3 مليارات يورو كتعويض، فإنها لم تقل شيئاً غريباً، لأنها تقوم بالدور الذي يفترض أن تقوم به دول الاتحاد، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للمغرب الذي يلعب دوراً في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية بتنسيق مع إسبانيا.
وأبرز الخشاني أن التطور الكبير الذي عرفته أحزاب اليمين المتطرف، باعتبارها فاعلاً يشرح كيف أصبحت دول الاتحاد تتخوف أكثر، وتروج في خطابيها السياسي والإعلامي لهذا الغول (الهجرة السرية)، وأنها يجب أن تتعامل مع دول الانتقال بنوع من المساعدات، التي يمكن أن تكون هي المقابل لدور الحرس الذي تلعبه.