السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

«الملاذات الضريبية».. هل تنجح أوروبا في مطاردة «الصفقات المشبوهة»؟

«الملاذات الضريبية».. هل تنجح أوروبا في مطاردة «الصفقات المشبوهة»؟

دول أوروبية قدمت معدلات ضريبية منخفضة بشكل عام للشركات. ( أرشيفية)

تستخدم العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي معدلات ضرائب منخفضة لجذب الشركات العالمية الكبيرة، ما يحرم دولاً مثل ألمانيا من مليارات العائدات، ومنذ ما يقرب من 25 عاماً، تحاول بعض دول الاتحاد الأوروبي وضع حد لهذه الممارسات، لكنها تفشل في ذلك بحسب مئات الوثائق السرية التي ظهرت مؤخراً للمرة الأولى، وكشف عنها تقرير لمجلة «دير شبيغل» الألمانية.

ووفقاً للمجلة فإن وزير المالية الألماني، المتوقع أن يكون مستشاراً قادماً للبلاد، أولاف شولتس، أكد أنه يقوم بمشروع يطلق عليه «مشروع قانون حماية الملاذ الضريبي» لمنع التهرب الضريبي، بهدف فرض ضريبة على عمالقة التكنولوجيا على سبيل المثال، إلا أن التقرير شكك في قدرته على ذلك، خاصة بعدما تلقت المجلة آلاف الوثائق السرية التي شاركتها مع اتحاد الصحافة التعاونية الاستقصائية الأوروبية.



وتكشف هذه الوثائق لأول مرة عن كيف أن هيئة تعرف باسم «مجموعة قواعد السلوك» تابعة لمجلس الاتحاد الأوروبي، وتضم ممثلين من المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء، تفشل في مراقبة السباق الضريبي المدمر في أوروبا.

وأشار التقرير إلى أن هذه الهيئة تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أنشطة الشركات الكبيرة والأثرياء؛ نظراً لأن بعض الدول الأعضاء تجتذب مثل هذه الشركات بمعدلات ضريبية منخفضة للغاية، وأن البلدان الأخرى تخسر عشرات المليارات من اليورو من عائدات الضرائب كل عام، على حساب المواطنين في تلك البلدان المعنية.

ووصف التقرير الضرر بالهائل، حيث وجدت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن السلطات الضريبية في جميع أنحاء العالم تخسر عائدات تراوح بين 100 و240 مليار دولار كل عام بسبب الحيل الضريبية للشركات التي تعمل على الصعيد الدولي.

ولا يقل هذا الرقم عن 160 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي، ومرشح للارتفاع بقوة، بحسب دراسة لم تُنشر بعد من قبل المرصد الضريبي الأوروبي، بقيادة الاقتصادي غابرييل زوكمان من جامعة كاليفورنيا.

ووجدت الدراسة أن الصفقات المشكوك فيها مع الشركات أصبحت «ممارسة راسخة في العديد من الدول الأوروبية».

وتطرقت المجلة للباحث الهولندي، المتخصص في قوانين الضرائب، مارتيجن نوفين، والذي اتخذ هيئة «مجموعة قواعد السلوك» موضوعاً لرسالته للدكتواره، لأن الاسم حمل معاني غريبة بالنسبة له، فأراد أن يعرف معايير هذه اللجنة السرية لصياغة القواعد لضرائب الشركات المثيرة للجدل في أوروبا، وهل من المفترض أن تضمن المنافسة العادلة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؟



وكشف نوفين بالتقرير أن الأمر كان أشبه بالعمل البوليسي، حيث اتصل بوزارة المالية الهولندية ومجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وقوبل في البداية بصمت صارم. لكن بعد ذلك، وبمساعدة قوانين الشفافية في الاتحاد الأوروبي، تمكن من جمع أكثر من 2500 وثيقة داخلية من اللجنة.

وتعتبر هذه الوثائق بمثابة الكنز؛ لأنها تتضمن محاضر الاجتماعات والتقارير والرسائل التي تجعل من الممكن تتبع عمل المجموعة منذ بدايتها في أواخر التسعينيات، وحتى عام 2021.

وتُظهر الوثائق أن الإغراق الضريبي على مستوى الاتحاد الأوروبي يمثل مشكلة تدركها أوروبا منذ سنوات، وأنها فشلت طوال هذه المدة في فعل أي شيء ذي مغزى. وأنه رغم أن تلك الدول التي تحمي الشركات المتهربة من الضرائب مثل هولندا ولوكسمبورغ وقبرص ومالطا، نسفت عمل الهيئة في كل فرصة ممكنة، إلا أن الدول الأعضاء الأكبر في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، أيضاً، غالباً ما تتجاهل هذه المقاومة، وفي بعض الأحيان تشجعها.

من ناحية أخرى، تُركت مجموعة السلوك بمفردها إلى حد كبير، لتقرير أي من القواعد التي تزيد عن 600 بشأن فرض الضرائب على الشركات داخل الاتحاد الأوروبي، والتي ينبغي السماح لها أو حظرها، وكيف يجب أن يتم فرض ضرائب على الفوائد أو الرسوم أو أرباح الأسهم؟ وكيف يجب تبادل البيانات المالية بين الدول؟ وقام وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، الذين تم اطلاعهم مرتين في العام على هذه القرارات بختمها دون أي نقاش.

وكشفت الوثائق أنه لم تنجح الهيئة أبداً في الوفاء بمطالبها الرسمية «بإلغاء أي إجراءات ضارة في أسرع وقت ممكن» كما جاء في ميثاقها التأسيسي. وكان الهدف المعلن الآخر هو منع الدول الأعضاء من الصيد غير المشروع للشركات من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. لكن في الواقع، هذا هو بالضبط ما أرادت بعض دول الاتحاد الأوروبي فعله، وقد خلقت ثغرة ضريبية واحدة تلو الأخرى لجعل ذلك ممكناً، فكان بدلاً من التناقص، إحداث زيادة في عدد الملاذات الضريبية في الاتحاد الأوروبي.





وقال نوفين الذي يعمل الآن أستاذاً مساعداً في جامعة ليدن بهولندا بالتقرير، إن «الصناعة مبدعة، لكن وزراء المالية غالباً ما يكونون أكثر إبداعاً عند جذب الشركات إلى بلدانهم بنماذج ضريبية جديدة».

وتضمن التقرير أن الدول التي كان عليها إلغاء نماذج الضرائب الفردية تحت ضغط مجموعة قواعد السلوك، قدمت معدلات ضريبية منخفضة بشكل عام للشركات. فمنذ عام 2015، انخفض معدل الضريبة على الشركات في المجر من 19% إلى 9%، ومن 34 إلى 25% في بلجيكا، ومن 38 إلى 28% في فرنسا.

من جهته أكد نوفين أن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي لم ينجحوا؛ لأنه غالباً ما تكون مشاكل التهرب الضريبي معقدة للغاية، لدرجة أن وزراء المالية ومساعديهم الفنيين لا يستطيعون في كثير من الأحيان رؤيتها. ومن ناحية أخرى، أرادت الحكومات تجنب الخلافات، حيث كانت هناك قضايا سياسية أخرى، غالباً ما تكون أكثر أهمية.

وقال «في أوروبا، كان عليهم أن يختاروا معاركهم، ومن المؤكد أن معالجة التهرب الضريبي لم تكن واحدة منها». لكنه أكد أن إصلاح الأمر ممكن عبر اتخاذ خطوات لزيادة الشفافية والشرعية للهيئة، وأنها بحاجة إلى قيادة رفيعة المستوى لتعزيز الارتباط مع المنظمات الدولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأضاف أن هناك بعض المقترحات الحساسة المطروحة على الطاولة، منها على سبيل المثال، اقتراح الحكومة الهولندية مؤخراً نشر تقرير مفصل بمواقف الدول الأعضاء بعد كل اجتماع للمجموعة، وأنه قد تكون هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن للأسف العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا، رفضت هذا الاقتراح.