تُولي الإدارة الأمريكية اهتماماً بالغاً بكشف الملابسات الغامضة لما تعرف بـ«متلازمة هافانا»، التي استمدت اسمها من حيث ظهرت للمرة الأولى في العاصمة الكوبية هافانا عام 2016.
تعهدٌ جديد جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجمعة، ببذل مزيد من الجهد لكشف ماهية المرض اللغز الذي يصيب دبلوماسيين و«جواسيس» أمريكيين في مختلف أنحاء العالم، وتختلف بشأنه تحليلات المتخصصين ما بين مرض نفسي جماعي أو «هجمات صوتية» منسوبة إلى روسيا.
أعلن بلينكن تعيين فريق جديد مكون من دبلوماسيين اثنين مخضرمين، هما جوناثان مور، المكلف بالتنسيق حول رد وزارة الخارجية، ومارغريت أويهارا، التي ستتولى التأكد من أن كل شخص تظهر عليه عوارض الإصابة يتلقى عناية طبية مناسبة.
استقالة غامضة
وذكر موقع «إن بي سي نيوز» الإخباري الأمريكي أن التعيين يأتي عقب تعرض المسؤولة السابقة عن الملف، الدبلوماسية باميلا سبراتلين، لانتقادات حادة أدت إلى استقالتها في سبتمبر الماضي، وسط حالة من الغموض بشأن طبيعة الانتقادات التي تعرضت لها. واكتفت وزارة الخارجية الأمريكية بإشادة تقليدية لخدمات سبراتلين، بعدما أعلنت أنها ستغادر المنصب. وشغلت سبراتلين سابقاً منصب السفيرة الأمريكية في كل من أوزبكستان وقيرغيزستان (2 من 15 دولة تفككت عن الاتحاد السوفيتي السابق).
لكن يبقى اللغز الأكبر يحير الأطباء، وترصد له الولايات المتحدة الأمريكية كامل مواردها، حتى إن مشرعين في مجلس الشيوخ، من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، اتفقا على الضغط على وزارة الخارجية الأمريكية لتكريس «اهتمام رفيع المستوى بهذه القضية»، متسائلين عن سبب تأخر تسمية رئيس فريق عمل جديد منذ استقالة سبراتلين.
طنين وغثيان
وبحسب وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية للأنباء، أعرب أعضاء الشيوخ في خطاب عن قلقهم «من أن وزارة الخارجية لا تعالج هذه الأزمة بالاهتمام المطلوب، بالقدر رفيع المستوى الذي تتطلبه»، مستخدمين لفظ «هجمات» لوصف الظواهر المرضية الغامضة التي يتعرض لها مسؤولون أمريكيون خارج بلادهم.
ظهرت «الحوادث الصحية غير الطبيعية» وفقاً لمصطلحات الإدارية الأمريكية، للمرة الأولى في العاصمة الكوبية عام 2016، وشعر بأعراضها دبلوماسيون و«جواسيس» أمريكيون أيضاً، في عواصم عدة في العالم، اشتكى غالبيتهم من أصوات حادة وصداع شديد ودوار وغثيان.
ويصف المصابون بهذه المتلازمة أعراضها بأنها كصوت «طنين» أو «صرير» في الأذن، مصحوب بألم، وأحياناً ضغط في الجمجمة وشعور بالحرارة والدوخة والإرهاق.
ومنذ أن سُجلت حالات من هذا النوع في الصين وألمانيا وأستراليا وروسيا والنمسا وحتى في واشنطن، تباينت التفسيرات لتلك الظاهرة، وذهب الكثيرون إلى أنها نوع من أعمال الحرب، أو شكل سري جديد من المراقبة، في حين يؤكد آخرون أنها «مجرد تخيلات».
وترفض وزارة الخارجية الأمريكية ذكر أي تقديرات لعدد المتضررين. لكن مصدر قريب من الملف تحدث مؤخراً عن «رقم 200» حالة بين مؤكدة ومشتبه بها. وكان بعضهم اشتكوا علناً في الماضي لكن لم تؤخذ شكاواهم على محمل الجد.هيستيريا جماعية
وقال بلينكن: «نعتمد على كل قدرات أجهزتنا المخابراتية. نقوم بتوظيف أفضل العقول العلمية داخل الإدارة وكذلك خارجها». وتابع أن الضحايا المفترضين تتم رعايتهم منذ الشهر الماضي في مستشفى جامعة «جونز هوبكنز». وأوضح أن بعض الدبلوماسيين يخضعون الآن لفحوصات عصبية وسمعية وبصرية متعمقة قبل مغادرتهم للعمل في الخارج «من أجل الحصول على أساس للمقارنة إذا أبلغوا لاحقاً عن حادث صحي غير طبيعي».
لكن هذه الفرضية تثير تساؤل بعض العلماء أيضاً الذين يعتبرون أن وجود سبب مشترك لكل الحالات التي سُجلت أمر غير مرجح.
وأثارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الجدل حول «احتمال آخر هو ما يطلق عليها الهستيريا الجماعية، أو ما بات يُطلق عليه الآن أسماء أقل وطأة مثل المرض النفسي الجماعي أو اضطراب التحويل أو الاضطرابات العصبية الوظيفية».
عين موسكو
ونقلت الصحيفة عن مراسلها في موسكو قوله إن طبيب السفارة الأمريكية الذي فحصه بسبب أعراض مشابهة تعرض لها وصف ما جرى له بأنه أمر عادي «إنها عين موسكو، تصيب كل من يزورها، وسرعان ما تختفي».
في المقابل، وبحسب «نيويورك تايمز»، اعتبر الضابط السابق في المخابرات الأمريكية مارك بوليمروبولوس أن عدم استبعاد فرضية «الهستيريا الجماعية» كسبب للظاهرة الغامضة «إهانة للضحايا»، بل يؤدي لاستبعاد تلقائي لأي شخص يعتزم التحقيق حول ما إذا كان الأمر يتعلق بحرب طاقة موجهة ضد الدبلوماسيين الأمريكيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن المشككين في نظرية المؤامرة يشملون عدداً من العلماء الجادين، مثل شيريل روفر، الكيميائية السابقة في معمل «لوس آلاموس» الوطني، والتي كتبت في مجلة «فورين بوليسي» تقول إنه لا يوجد مؤيد لنظرية الطاقة الموجهة استطاع تحديد كيفية عمل مثل هذا السلاح. وأضافت «الادعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية، لكن حتى الآن لم يتم تقديم أي دليل يبرهن على وجود هذا السلاح الغامض».