السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

«نوردستريم».. مشروع اقتصادي أم ورقة ضغط سياسي؟

«نوردستريم».. مشروع اقتصادي أم ورقة ضغط سياسي؟

مشروع اقتصادي ذو مردود سياسي. (رويترز)

عاد الزخم إلى ملف العلاقات الروسية-الأوكرانية، وفي الخلفية مشروع «نوردستريم» المثير للجدل، ما استدعى إيفاد الإدارة الأمريكية لويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) إلى موسكو حسب ما أفادت «CNN»، السبت.

الزيارة جاءت لتحذير روسيا بشأن حشودها العسكرية قرب حدود الغربية مع أوكرانيا مؤخراً، وهي المسألة التي أثارتها وسائل إعلام أمريكية، الأسبوع الماضي، متحدثة عن تحركات عسكرية كتلك التي جرت في أبريل، مصعدةً احتمالات اشتعال التوتر.

وبين السطور، جدد بيرنز قلق بلاده من أن روسيا قد تستخدم توريد الغاز كوسيلة للضغط على أوكرانيا ودول أوروبا، مع احتمالية بدء أزمة طاقة جديدة بحلول الشتاء. فبينما يرى الغرب أن مشروع «نوردستريم» لتوريد الغاز برنامج جيوسياسي، تؤكد موسكو أنه مشروع تجاري بحت، يهدف إلى بيع الغاز، فيما يصفه مراقبون بأنه مشروع اقتصادي ذو مردود سياسي.

صحيح أن موسكو نفت أنباء الحشود العسكرية، محتفظة بحقها في التحرك بحرية داخل حدودها. كما نفت كييف رصد أي تعزيزات عسكرية جديدة أو نشر إضافي للمعدات عند حدوها الشرقية، واصفة نشر مزاعم عن تعزيزات عسكرية روسية بأنه يشكل عملية «نفسية» ضدها.

لكن واشنطن تؤكد دوماً أنها تراقب «من كثب» الوضع على الحدود الروسية-الأوكرانية، مبدية قلقها من التحركات، في إشارة لمقاطع فيديو تم تداولها لقطارات عسكرية روسية وقوافل شاحنات تحمل كميات كبيرة من المعدات العسكرية بينها دبابات وصواريخ.

ورغم إقرار الأمريكيين بأن هذه التحركات تنظر إليها واشنطن باعتبارها «أقل أهمية» عن تلك التي جرت في أبريل، يقول المحلل السياسي الروسي آندريه أونتيكوف، إن «الولايات المتحدة من مصلحتها أن يكون هناك دائماً توتر على الحدود الروسية، في أي مكان سواء أوكرانيا أو بيلاروسيا أو ناغورنو قرة باغ أو حتى أفغانستان وآسيا الوسطى».

تحفيز الأزمة

وأضاف أونتيكوف لـ«الرؤية» أن «كل ملامح التوتر الحدودية من هذا القبيل تعد عوامل إزعاج لروسيا، وأمريكا تدرك ذلك جيداً وتسعى دائماً إلى تحفيزها»، مؤكداً أن «كلاً من واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) يريدان استمرار الأزمة الأوكرانية، وحتى الآن لا أرى أي نية لدى أمريكا لخرق الخطوط الحمراء لضم أوكرانيا إلى الناتو». وأردف: «بروكسل ومن قبلها أمريكا تدركان جيداً أن هذا خط أحمر بالنسبة لموسكو، وبأنه سينعكس سلباً جداً على العلاقات السيئة بالفعل» بينهما.

وتشهد منطقة دونباس الواقعة في شرق أوكرانيا، منذ عام 2014، حرباً مع انفصاليين موالين لروسيا، يرغبون في العودة إلى الحظيرة السوفيتية، مقابل حكومة أوكرانية موالية للغرب تسعى للانضمام إلى الناتو، ما اعتبره الكرملين في أكثر من مناسبة «خطاً أحمر» يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي.

وبعد هدنة تم التوصل إليها منتصف 2020، عادت الاشتباكات منذ بداية العام الحالي بين قوات كييف والانفصاليين الذين تدعمهم موسكو بطبيعة الحال مالياً وعسكرياً.

مسرحٌ للمعارك

في المقابل، تنظر حكومة أوكرانيا إلى الولايات المتحدة كأقوى حليف لها، منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 واندلاع الحرب في شرق البلاد بين الجيش الأوكراني والانفصاليين المدعومين من روسيا.

ويقول أونتيكوف «تاريخياً الأراضي حيث تقع أوكرانيا المعاصرة كانت مسرحاً لكثير من الحروب بين روسيا ودول غربية مثل بولندا والسويد وغيرهما. منذ قرون، اصطدمت روسيا مع الغرب في هذه البقعة، كما اصطدم فيها المسيحيون الكاثوليك مع المسيحيين الأرثوذوكس. أيضاً في هذه النقطة كانت التحركات الانفصالية قوية جداً على مر التاريخ».

وأوضح المحلل الروسي أن هذا التوتر «ظل قائماً في المنطقة حتى بعد هزيمة الزعيم النازي أودولف هتلر في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الاتحاد السوفيتي مضطراً للتعامل مع تلك التحركات التي تعاونت مع هتلر أثناء الحرب».

ومقابل التوتر الذي يمثله التلويح باحتمالية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، تعارض أوكرانيا باستماتة مشروع شركة «غازبروم» الروسية العملاقة التي تمد خط الغاز «نوردستريم» من روسيا إلى ألمانيا.

وتَعُدُّ كييف المشروع المثير للجدل ولحفيظة واشنطن، يعزز نفوذ موسكو، فيما يحرم أوكرانيا من دخل سنوي يصل لنحو 1.5 مليار دولار، دأبت على تحصيله من خلال مرور الغاز الروسي عبر أراضيها إلى سائر أنحاء غرب أوروبا.

بلطجة سياسية

وحول التوترات الجيوسياسية الذي يثيرها المشروع، قال أونتيكوف «روسيا أكدت مراراً أنها لا تسعى لاستغلال نوردستريم كورقة ضغط على أوكرانيا أو الغرب. هو برنامج اقتصادي لا أكثر. وقبل إدخال هذا البرنامج حيز التنفيذ، كانت أوكرانيا هي من استعملت أنابيب الغاز الجارية عبر أراضيها كورقة ضغط على روسيا وأوروبا. كانت تمارس بلطجة سياسية مع كليهما».

وأكد أن «نوردسيتريم 2 ليست ورقة ضغط. كل من روسيا وألمانيا تعدان نوردستريم برنامجاً اقتصادياً (الغاز مقابل المال). ألمانيا تحتاج إلى الغاز وروسيا مستعدة لهذا النوع من التعاون، بالتالي ألمانيا تحصل على الغاز وروسيا تحصل على الأموال. هناك محاولات لتسييس هذا الأمر».

منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 إلى 15 دولة صغيرة، سعت روسيا الاتحادية إلى الحفاظ على إرثها الاستراتيجي عبر تأمين حدودها مع الدويلات المتفككة المتاخمة لها، حتى لو استلزم الأمر أحياناً الهيمنة على حكوماتها.

من هذا المنظور، تُعد أوكرانيا دولة استراتيجية مهمة في المجال الحيوي الروسي، لا تألو موسكو جهداً لبسط نفوذها عليها، عازفة على وتر القوميين المقيمين في شرق أوكرانيا، انطلاقاً من رؤية مراقبين أن «من دون أوكرانيا لا وجود لروسيا».

حرب أهلية

وما يبرهن على أهمية موقع أوكرانيا الاستراتيجي هو سعي الولايات المتحدة، وليس روسيا فقط، للسيطرة عليها من خلال دعهما. لكن المحلل السياسي الروسي يرى أنه «من الصعب في الأساس أن نتحدث عن صراع أوكراني – روسي»، معتبراً أن «الصراع أوكراني داخلي.. شرق أقرب إلى روسيا يتطلع إلى للتوحد مع موسكو مجدداً».

وتابع «هو صراع داخلي أوكراني يكاد يصل لدرجة حرب أهلية. روسيا قلقة وتحاول حل هذه الأزمة، لكن الكرة دائماً في يد السلطات الأوكرانية. وبالنهاية نرى أن هناك مستفيدين كثيرين داخل وخارج أوكرانيا من استمرار الأزمة؛ فالمشكلة هي أن الغرب وأمريكا يدركان أن استمرار الأزمة يشكل تهديداً لروسيا، والتوتر قرب الحدود الروسية عامل إزعاج بلا شك للكرملين».