تترقب الصين حالياً ظاهرة تعرف باسم «لا نينا»، يُنتظر لها أن تؤدي لانفجارات هوائية متكررة شديدة البرودة في ذروة فصل الشتاء. ويتوقع المركز الوطني للأرصاد الصينية أن تدخل البلاد في هذه الظاهرة خلال شهر أكتوبر الجاري.
تأتي الظاهرة بسبب التراجع المستمر و«غير العادي» في درجات حرارة سطح المياه بمنطقة وسط شرق المحيط الهادئ الاستوائية، بحسب مركز الأرصاد، وذلك مقابل تحذيرات العلماء المتصاعدة حول العالم من ارتفاع درجة احترار كوكب الأرض منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وفيما يزداد الوضع المناخي تطرفاً بين ارتفاعات غير مسبوقة لدرجات الحرارة في بعض مناطق العالم وتراجعها في مناطق أخرى، نتعرف على ظاهرة «لا نينا» المناخية، التي تحدث عادة كل عامين إلى 7 أعوام و«تظهر في خريف نصف الكرة الأرضية الشمالي»، بحسب موقع «إرابيا ويذر» المتخصص في شؤون الطقس والمناخ.
توصف «لا نينا» بأنها الظهير البارد لظاهرة «إل نينو»، التي تؤدي إلى تدفئة مياه المحيط الهادئ. وكلاهما معاً يشكلان ما يُعرف بالتذبذب المناخي الجنوبي «إنسو»، وهو عبارة عن تغير دوري غير منتظم في درجات الحرارة والرياح بمنطقة المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، بما يؤثر على مناخ كثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. وما زال العلماء حتى الآن يدرسون الآليات التي تتسبب في هذا التذبذب.
اُشتقت كلمة «لا نينا» من لفظ لاتيني يعني «الفتاة»، وتطلق على مرحلة انخفاض مؤقت لحرارة البحر. أما «إل نينو» فتعني باللاتينية «الصبي»، وتطلق على مرحلة الزيادة في درجة حرارة البحر. وكلا المرحلتين تستمران لبضعة أشهر، وعادة ما تتكرران كل عدة سنوات.وينسب البعض اسم «إل نينو» إلى كلمة «طفل» الإسبانية، في إشارة إلى (المسيح)، إذ تبدأ الظاهرة عادة مع توقيت أعياد الميلاد في ديسمبر، وتستمر لشهور عدة.وتؤدي هذه التذبذبات «إنسو» إلى طقس متطرف يجتاح مختلف مناطق العالم، مثل الفيضانات والعواصف والسيول. وتعد الدول النامية التي يعتمد اقتصادها على الزراعة وصيد الأسماك، لا سيما تلك الواقعة قرب المحيط الهادئ، الأكثر تضرراً من هذه الظواهر المناخية.
هل تؤثر تلك الاضطرابات القوية على العالم العربي؟
يذكر موقع «إرابيا ويذر» أن ظاهرة «لا نينا» عادة ما تؤثر على المنطقة العربية، من حيث ارتفاع في درجات الحرارة وشح الأمطار في مناطق المشرق العربي.
ويلفت الموقع المتخصص إلى أن العكس يحدث «في مناطق المغرب العربي، حيث تزداد الأمطار وتنخفض الحرارة عن معدلاتها. وتزداد فرصة حدوث الفيضانات والسيول في مناطق المغرب العربي، فيما تزداد فرصة الجفاف في مناطق المشرق العربي».
وعلى موقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، جاء في تقرير نشرته، في فبراير الماضي، أن ظاهرة «لا نينا» 2021-2020 تجاوزت ذروتها «فيما يبدو في أكتوبر - نوفمبر 2020»، «لكن آثارها على درجات الحرارة والهطول وأنماط العواصف لا تزال مستمرة».
ونقل موقع المنظمة التابعة للأمم المتحدة عن أمينها العام بيتيري تالاس قوله إن ظاهرتي «إل نينو» و«لا نينا» «محركان رئيسيان طبيعيان لنظام المناخ الأرضي. لكن جميع الظواهر المناخية التي تحدث الآن بشكل طبيعي إنما تأتي في سياق تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، والذي يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة العالمية، وتفاقم الطقس المتطرف، ويؤثر على أنماط هطول الأمطار الموسمية، ويعقِّد عمليات الوقاية من الكوارث وإدارتها».
وتعزز القدرة على التنبؤ بالظاهرتين قدرة المنظمة الدولية على دعم حكومات الدول التي تتأثر بالمناخ، من أجل «حشد قدراتها على التأهب وإنقاذ الأرواح».
هل هناك علاقة لـ«إنسو» بوباء الإنفلونزا ؟
كانت دراسة علمية نشرت عام 2012 قد أشارت إلى أنه يمكن أن تكون هناك ثمة علاقة بين ظاهرة «لا نينا» المناخية والانتشار الوبائي لمرض الإنفلونزا.
وذكرت شبكة «بي بي سي» الإخبارية البريطانية أن علماء أمريكيين اكتشفوا أن 4 انتشارات وبائية للإنفلونزا على مدار القرنين الأخيرين (الإنفلونزا الإسبانية 1918 - الإنفلونزا الآسيوية 1957 - إنفلونزا هونغ كونغ 1958 وإنفلونزا الخنازير 2009 ) أعقبت جميعها ظاهرة «لا نينا» التي تتسبب في جلب مياه باردة لسطح المحيط الهادئ في جهته الشرقية.
ونقل الموقع عن الأكاديمية الوطنية للعلوم قولها إن «الطيور التي تحمل فيروس الإنفلونزا قد تغير من أنماط هجرتها أثناء وقوع الظاهرة». لكنها أضافت أنه رغم كون «لا نينا» ترجح الانتشار الوبائي بشكل أكبر «إلا أن ذلك ليس دليلاً كافياً بذاته».
بيد أن العامل المشترك بين موجات الأوبئة الأربعة سالفة الذكر هو أن جميعها «قدم سلالات جديدة من الفيروس إلى أناس لم تطور أجسامهم مناعة ضدها». وقالت «بي بي سي» إنه «من غير الواضح حتى الآن مدى الارتباط بحدوث ظاهرة لا نينا»، إلا أن الأبحاث أظهرت أن أنماط طيران بعض الطيور البرية وتوقفاتها أثناء رحلاتها وهجراتها اختلفت بين سنوات ظاهرتي «إل نينو» و«لا نينا».